العالمالمجتمع

الجوع والخوف: تأملات بقلم د. أمين رمضان

 

طفل جائع وخائف ( ىالارشيف)
طفل جائع وخائف ( ىالارشيف)

تأملت كلمتي الجوع والخوف في الآية التي يذكر الله سبحانه وتعالى فيها قريش بهاتان النعمتان العظيمتان (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) سورة قريش – آية ٤، النعمة الأولى مادية وهي الطعام، والنعمة الثانية معنوية وهي الأمن، وسألت نفسي: لماذا الاثنان معا؟، ألا تكفي واحدة؟

ثم وجدت أنه تأكيداً لقيمة النعمتان ضرب القرآن مثل آخر واضح جداً لقرية كانت تعيش في رغد من العيش، آمنة مطمئنه، لكنها كفرت بنعم الله عليها، فكان العقاب أن ألبسها الله سبحانه وتعالى لباس الجوع والخوف، والتحذير واضح لكل قرية تكفر بنعم الله عليها، اقرأوا معي هذه الآية (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل – ١١٢.

وعندما قدم عالم النفس الأمريكي ابراهام ماسلو، نظريته الفريدة والمتميزة عن الدوافع الإنسانية، وضعها في شكل هرم، قاعدته هي الحاجات الفسيولوجية أولاً، ثم حاجات الأمان، واعتبرهما الركيزة الأساسية للحياة البيولوجية للإنسان، أو الحفاظ على النفس الإنسانية، ثم تأتي بعد ذلك الحاجات الأعلى كمستويات متدرجة حتى تصل في النهاية إلى تحقيق الإنسان لذاته، ويعني ذلك استخدام الإنسان كل قدراته ومواهبه وتحقيق كل إمكاناته الكامنة وتنميتها إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه.

 

ثم قدم بعد ذلك عالم النفس الأمريكي كلير جريفز، نظريته المشهورة عن أنواع وبزوغ نظم الوجود الإنساني المختلفة، ووجد أن نظام الوجود الإنساني البدائي الأول كان همه وصراعه من أجل البقاء فقط، فكان كل سعيه من أجل الحصول على الغذاء والأمن، ولم يرتقي الإنسان إلا بعد أن تجاوز هذه المرحلة ولم يمكث عندها، بل استمر في اكتشاف عقله وروحه وإنسانيته.

 

والعجيب أن المجتمعات مهما كان تطورها، عندما ينتشر فيها الخوف أو يشح فيها الطعام، يعود الناس فيها إلى صراخ غريزة البقاء داخلهم، أي إلى مستوى وجودهم الأول البدائي، ويظهر عندها أسوأ ما فيهم، إلا ما رحم ربي وقليل ما هم، إذ تصبح الحاجة للبقاء مثل الغول الذي يأكل أي حقوق إنسانية في المجتمع.

 

وعندما يجتمع وحش الجوع ووحش الخوف، يحول الحياة إلى غابة، لا تعرف غير لغة الأنياب والأظافر، أو الرصاص والقنابل، كلاهما سواء، والأخطر على البشرية، عندما لا تكون الأنياب والأظافر لأشخاص، بل لدول وتكتلات وأحلاف، فيتحول العالم كله إلى وحوش ضخمة، برية وبحرية وجوية، يأكل بعضها بعضاً، عندما تراها ربما تدرك أن الديناصورات كانت أرحم من الإنسان الذي فقد إنسانيته.

الدكتور أمين رمضان aminghaleb@gmail.com
الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. العجيب أن المجتمعات مهما كان تطورها، عندما ينتشر فيها الخوف أو يشح فيها الطعام، يعود الناس فيها إلى صراخ غريزة البقاء داخلهم، أي إلى مستوى وجودهم الأول البدائي، ويظهر عندها أسوأ ما فيهم، إلا ما رحم ربي وقليل ما هم، إذ تصبح الحاجة للبقاء مثل الغول الذي يأكل أي حقوق إنسانية في المجتمع.

    نعم وما يحركه بطنه لا يصلح ان يكون من ذوي الاثنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.