أراء وقراءاتشئون عربيةمصر

رئيس التحرير يكتب : من يعطي الحكومة حبوب الشجاعة ..؟!


” حكومة تتفنن في تعذيب الناس.. احنا حنلئيها منين واللا منين .. دا العيشة بئت مرار”. خرجت هذه الكلمات كالرصاص مصحوبة بغضب شديد من فم رجل يحمل فوق كتفه ” قفص عيش” بالقرب من أحد المخابز. اقتربت منه وكنت خارجا من صلاة الظهر من مسجد مجاور لمنزلي ، وعلمت منه انه انتظر اكثر من ساعة في طابور العيش حتى يحصل على حصته المقررة وهي 20 رغيف يوميا.
نظرت الى المخبز فوجدت الطابور طويلا يختلط فيه الرجال بالنساء ، والصغار مع الكبار، وأوجه الجميع يكسوها الغضب والقهر. وتحسرت لأن عودة الزحام أمام المخابز يعني أن المصريين يفقدون المكسب الوحيد الذين حصلوا عليه من ثورة 25 يناير 2011. فقد رفعو شعار( عيش .. حرية .. عدالة إجتماعية .. كرامة إنسانية)، ولم يتحقق منها شئ سوى حصول الفقراء على العيش بدون مذلة . ومع اقتراب الثورة من عامها السادس فإن مجريات الأمور تؤكد أن الشعار يتحقق ولكن في الاتجاه العكسي ويشهد بذلك “الحال والمآل”.
استفزني ضياع المكسب الوحيد للمصريين الذي سقط من أجله الآف الشهداء ، فتوجهت الى مسئول المخبز لاستوضح الامر فقال بغضب :” روح اسال المسئولين في وزارة التموين ليه خفضوا حصة الدقيق .. كنا بتشتغل حتى الساعة 2 بعد الظهر ..الايام دي حنتوقف الساعة 10 الصبح لما الدقيق يخلص”.
وهنا يتأكد للجميع أن الحكومة تلجأ دائما للاجراءات السهلة لمواجهة أي أزمة والتي يتحملها الفقراء وحدهم لانها تخشى مواجهة الأغنياء ، مما أدى لزيادة معدلات الفقر لتصل الى نسبة 40 %طبقا لاحصائيات رسمية بينما هي في الواقع تصل الى حوالى 90% بعد دخول شرائح جديدة من الطبقة المتوسطة والمهنيين في دائرة الفقر بسبب تعويم الجنية ورفع اسعار الوقود والسلع الاساسية والخدمات .
فبدلا من ان تقوم وزارة التموين بتنقية البطاقات التموينية من غير المستحقين للدعم ، حيث تشير الاحصائيات الرسمية بوجود 21 مليون بطاقة تضم 71 مليون مستفيد بينهم أكثر من 20 مليون غير مستحق ،ولكنها تتسرع في خفض حصص المخابز من الدقيق لتعيد الزحمة والطوابير . علما بان الملايين من غير المستحقين المدرجين في البطاقات لا يحتاجون لخبز الحكومة بل يصرفونه نقاط في شكل سلع . وفي الوقت نفسه تتكاسل الوزارة عن ايجاد حل لنسبة 20% من الفقراء لا يملكون بطاقات تموين لان معظمهم غير مسجل في الجهاز الاداري للدولة نوتتفاقم معاناتهم لانهم لا يحصلون على أي معاشات للحماية الاجتماعية سواء كان تكافل او كرامة او تضامن .
ونرى أيضا الحكومة تسعى لسد العجز الكلي بمشروع الموازنة العامة للدولة البالغ 319.46 مليار جنيه بفرض ضريبة القيمة المضافة وتخفيض الدعم على الوقود والسلع الاساسية، بدلا من أن تجتهد وزارة المالية في تحصيل المتأخرات الضريبية والتي تبلغ وفقا للاحصائيات الرسمية 143مليار جنيه ( 80 مليار جنيه منها بين أروقة المحاكم) ، وتضع إجراءات جادة لوقف التهرب الجمركي والذي يقدر بحوالي 80 مليار جنيه وإجمالها يسد حوالى 70 % من قيمة عجز الموازنة ، والنسبة الباقية يمكن سدها بسهولة من ترشيد انفاق الوزراء وكبار المسئولين والاستفادة من الصناديق الخاصة.
ومن أجل توفير الدولار لجأت الحكومة الى الحل السهل أيضا وهو قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار تتسلمها على مدار 3 سنوات تلتزم خلالها بسداد مستحقات شركات البترول الأجنبية العاملة في مصر والتي بلغت حوالى 3.6 مليار دولار بنهاية شهر سبتمبر الماضي، بحسب تصريحات وزير البترول طارق الملا، أي حوالي 30 % من اجمالي القرض . رغم أن الحل العلمي والعملي لتوفير النقد الاجنبي تعلمه الحكومة جيدا ويطالب به الخبراء لي ونهارا لايتمثل في تنمية الانتاج الزراعي والصناعي وتنشيط الصادرات . ووضع سياسة تشجيعية لجذب أموال المصريين العاملين في الخارج ، وهنا اقترح أن يسمح للمواطن الذي قضى بالعمل بالخارج 5 سنوات باستيراد سيارة ملاكي او نقل بنسبة اعفاء من الجمارك 50 % شرط ان يدفع قيمة الجمرك المستحقة بالعملة الاجنبية.
أن الاوان للحكومة ان تكف عن تحميل الفقراء وحدهم ضريبة الاصلاح الاقتصادي والسياسي ، وأن تتجرأ لإقرار قانون حماية المستهلك ولا تخشى غضب التجار . وأطالبها أن تتجرع حبوب الشجاعة وتقر قانون الضرائب التصاعدية بدلا من منح المستثمرين مزايا جديدة لا يستحقونها. ولا تخشى من فرية هروب الاستثمارات ، فهي أول من يعلم أن كبار المستثمرين لديهم جوازات غير مصرية ويضعون دولاراتهم في بنوك أجنبية وطائراتهم جاهزة للاقلاع هربا من أي أزمة.

بقلم : مدبولي عتمان Aboalaa_n@yahoo.com
بقلم : مدبولي عتمان
Aboalaa_n@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.