أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

عالم السحر وسحر العلم .. بقلم : الدكتوره وفاء الشيخي

صورة تعبيرية من الارشيف

غرقت مجتمعاتنا العربية والاسلامية في ثقافة الدجل والخرافات، والمبالغة في خوارق السحر والشعوذة والعين ، حتى انها اصبحت من ممارستها اليومية ، فتراهم يتسمرون امام الشاشات لمتابعة الكهنة والعرافين وينتظرون توقعاتهم وتنبؤاتهم ، ويتناقلون اقوالهم ، ومن عجب العجاب ان تنفرد قنوات متخصصة تنشر ثقافة الجهل والشعوذة، والتدجيل دون حسيب او رقيب وتبث سمومها وخزعبلاتها بهدف الربح والكسب الرخيص .

وللاسف مجتمعاتنا العربية لديها إرث من هذه الثقافة التي ملئت عقولنا وخيالنا ، مثل تلك العجوز التي تطير على المكنسة، وذاك الفارس الذي يحارب برأس مقطوع، والبساط السحري، و ابو رجل مسلوخة، وغيرها من الخرافات في كتب التراث وحكايات الجدات ، التي رافقتنا وكبرت معنا نتوارثها جيل عن جيل ، فأمنا بالسحر واعتقدنا في الطلاسم والعقد والادعية الشيطانية والمعجزات السحرية ، حتى اصبحنا نرى الطالب وقد استهتر وتكاسل وتأخر عن الدراسة واهمل المذاكرة وقد تسكع وتمطع ، وصال وجال في شتى المقاهي والاسواق، عندما يرسب يقول: ” اكيد انا مسحور او أصابتني عين !! “.

وغالبا مانسمع عن الفتاة التي تأخرت عن الزواج، او ذاك العاطل عن العمل ،او تلك التي لم ترزق الولد ،او هذه التي تخاف ان يتركها زوجها او يتزوج عليها ، وقد ذهبوا الى السحرة المشعوذين الدجالين ، الذين يدعون قدراتهم الخارقة وتمكنهم من التعامل مع مخلوقات لا يراها غيرهم ولا تمتثل إلا لأوامرهم ، تفعل المعجزات وتحل جميع المشاكل والازمات !!. وهذا في اعتقادي أحد اهم اسباب تخلفنا وتأخرنا عن باقي الامم المتقدمة .

وفي حين تغرق مجتمعاتنا في غيابت الجهل والخرافة وعالم السحر ، تعتمد المجتمعات المتقدمة على سحر العلم والمعرفة ومهارات التقنية المتقدمة، وسحر التكنولوجيا المتطورة والمنتجات التي تفوق الخيال، وإبداع طرق العلاج الكيميائي و الفيزيائي . فلم يتصور سحرة فرعون طائرات الايرباص وصواريخ عابرات القارات ، وتقنية النانو ، و المركبات الفضائية ، ولم يخطر ببال عالم الجن في مملكة سيدنا سليمان، الصحون الطائرة والاقمار الاصطناعية، ولا علاجات الامراض المستعصية ورؤية ادق الميكروبات بأرقى انواع الاجهزة والمعدات ، والجراحات المجهرية ، والهواتف الذكية ، واجهزة التصوير المتقدمة ، وغيرها من الابحاث والتطور العلمي والمعرفي المتقدم ، فشتان بين سحرنا وسحرهم .!!

والقرآن الكريم يبصرنا بهذا الاختلاف و البون الشاسع ، ويوضح ان كيد الساحر ضعيف لا يضر ولا ينفع ولا يفلح الساحر في اي زمان اومكان ، وإن الاقدار والمصائب والأفراح والأتراح مكتوبة ومقدرة مسبقا ومشيئة الله هي الغالبة دائما وأبدا، قال تعالى : {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69) طه}، وقال عز وجل : { وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) }البقرة . ولو ان السحرة لهم قدرات خارقة ومعجزات باهرة ، لنفعوا أنفسهم ، وحولوا التراب الى ذهب، والحصى الى ياقوت والماس، والاوراق الى عملات واموال وكنوز ، لكنهم وهم سحرة فرعون طلبوا اجرا على سحرهم !! { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)الاعراف}.

ولو أن الجان تملك الضر والنفع وخوارق العادات وتعلم الغيب، ما لبثوا في العذاب المهين بعد موت سليمان عليه السلام ، {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ}، وفي هذه الآيات القرآنية تأكيدا على ضعفهم ومهانتهم .

كما أكد القرآن الكريم على إن رفعة الإنسان ومكانته ورقيه وحضارته، ترتبط بمستوى علمه وتحصيله المعرفي، بل إن اصحاب العلم والمعرفة تفوق قدراتهم قدرات الجان والسحرة، قال تعالى في سورة النمل { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُك.. َ} ويتبين لنا أهمية العلم والمعرفة ومكانة العالم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ،قال تعالى: { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)الدخان} {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص}. وعندما علم سيدنا موسى بأن هناك من هو اعلم منه ركب البحر وصار في طلب العلم { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)} الكهف.

فإذا أردنا النهوض بأمتنا ومجتمعاتنا والحاق بركب الأمم المتقدمة، علينا نبذ الخرافات و الأساطير والخزعبلات، ومحاربة الدجالين المشعوذين وسد الطريق عليهم ومعاقبتهم ، ونشر والوعي، وتبني عالم العلم والمعرفة ، وهجر عالم السحر والشعوذة .

د. وفاء الشيخي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.