أراء وقراءاتالعالمشئون عربية

هيئة الأمم المُغْتَصِبَة والمُغْتَصَبَة.. تأملات: بقلم د. أمين رمضان

مقر الامم المتحدة في نيويورك

الحضارة الانسانية تطل برأسها على ماض قريب لعلها تستدرك ما فاتها، وهنا يقفز الرمز المميز للأمل الذي لم يتحقق حتى الآن، شاخصا في سماء العالم الحر كما يطلقون عليه.

الأمم المتحدة منظمة عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم المستقلة تقريباً. تأسست المنظمة بتاريخ 24 أكتوبر 1945 في مدينة سان فرانسيسكو، كاليفورنيا الأمريكية، بموجب مؤتمر دومبارتون أوكس الذي عقد في العاصمة واشنطن.

من 1919 إلى 1945 كان يوجد منظمة شبيهة بمنظمة الأمم المتحدة تدعي عصبة الأمم إلا أنها فشلت في مهامها خصوصاً بعد قيام الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى نشوء الأمم المتحدة بعد انتصار الحلفاء وتم إلغاء عصبة الأمم. وعضوية الأمم المتحدة مفتوحة أمام كل الدول المحبة للسلام التي تقبل التزامات ميثاق الأمم المتحدة وحكمها. ومنذ 14 يوليو من سنة 2011 بعد تقسيم السودان أصبح هناك 193 دولة كأعضاء في المنظمة.

استهدف قيام الأمم المتحدة منع الحروب والحفاظ على حقوق الإنسان، فهل تحقق هذا الهدف فعلا؟

منذ اللحظة الأولى لنشأتها كان للقوة كلمتها التي فرضت نفسها، لتخرج بها من عالم الإنسان إلى عالم الوحوش البرية والحيتان البحرية المفترسة، حيث يكون للأقوى كلمته وسطوته، فكانت العضوية الدائمة وحق الفيتو (الاعتراض على أي قرار فيصبح كأن لم يكن) من نصيب الآلة العسكرية التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية؛ أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، فاختل ميزان العدل منذ الولادة.

واستمرت المناورات بإطلاق الدول المستقلة على الأعضاء، حتى من لم يعرف منهم طعم الاستقلال، وكان الوضع الحقيقي لدول المنظمة هو أن هناك مجموعة الدول المُغْتَصِبَة التي أعطت لنفسها الحق بقرارات مضَلِلَة أو حتى بالضرب بها عرض الحائط لتستبيح المجموعة الأخرى من الدول وهي الدول المُغْتَصَبَة، فالتهمت في السنوات الأخيرة فقط العراق وليبيا وسوريا، بعد أن التهمت قبل ذلك أفغانستان والشيشان وفلسطين، وغيرها.

كانت الأطماع والمصالح وما زالت هي المحرك الأساسي وليس منع الحروب، بل تأجيجها لنهب الدول والثروات ومن أجل أرباح مصانع السلاح وشركات الإعمار العالمية، لتذهب المليارات إلي خزائن الوحوش، وملايين القتلى إلى المقابر الجماعية بعد قتلهم أو حرقهم أو انتهاك أعراضهم، فالوحش الإنساني فاق الوحوش البرية والبحرية قسوة وشراسة وقتل، مع أنها تفعل ذلك استسلاما لسنن الله الكونية فيها، بينما الإنسان يحمل داخل نفسه نوازع الخير والشر { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۝٨ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝٩ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ۝١٠﴾ [الشمس: ٧-١٠] }.

ضاعت حقوق الدول في أن تعيش حرة، وحقوق الإنسان في أن يعيش حراً في وطن حر، وتبنت مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة وحكومات الدول المتوحشة حرية الإفساد لتدافع عنها وتنشرها، في صورة حرية بلا حدود، وساعدت أدوات العصر على تخطي الحدود الجغرافية والسياسية، وتوهين قبضة المجتمع والأسرة والدولة ليصبح الجميع غير قادرين على الحفاظ على هوية وثقافة المجتمع.

والعجيب أن دولاً مثل اليابان والصين وغيرهما، تنبهوا للخطر، فهبوا ليحافظوا على هويتهم وثقافتهم.

في عالم الوحوش البشرية الدولي لا مكان لحق بلا قوة، صحيح أن الوحوش ستتيح للدول التي تغتصبها فرصة للصراخ أمام ميكروفونات الهيئات الدولية، ليغطي هذا الصراخ على أصوات القنابل التي تحرق البشر، وتدمر المدن، وتمحوا دول من الوجود إما بالتفتيت أو التدمير أو مص دمائها من شرايين الوطن في باطن الأرض، أو فوق الأرض، ولا تتركها إلا جثث هامدة، بعد أن يتوقف قلبها عن ضخ الحياة في جسد الوطن، الذي لن يموت.

مع الشعر

وَعِنْدَما …

تَدَلّى مِنْ حِبَال المِشْنَقَة

رَأسُ الوَطَن

صَرَخَ الشَّعْبُ المُغَيَّبُ فِي الزَّمن

عِنْدَما …

رأى وَطَنَاً جَدِيدًا…

يُولَدُ مِن جِدَار الشَّرْنَقة

من ديوان (نبض الوطن ) للدكتور أمين رمضان

الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.