اقتصادالعالم

شركتنا …ساعي بريد !! بقلم : الدكتور حسين ربيع

صورة تعبيرية من النت

“انكشفنا”…. صرخة رعب وفزع…. كئيبة موجعة مؤلمة محبطة …. …. انطلقت مكتومة بدموع محتبسة وكَتْمِت أنفاسى في صدرى المختنق …كانت  بلا صوت يُسمع إلا من دقات قلبي المهترىء بخفقان يهز أعماقى….  مصحوبة   بإحساس مرير  يعتصر جنباتي الممزقة والمنذر بلحظة انهيار….. ولكنه بحمد الله كان سرابًا لم يتجاوز خيالي المضطرب….. كانت هذه حالتي عندما هتف “تبّاع” اللوري الضخم المحمل  بالأقفاص مبشرًا  “الخيار وصل” ….وجدت نفسي تلقائيا أكشف عن حروق فخذي من الزيت المقلي أثناء قلي الباذنجان ….. لعل تضحياتي ومخاطرتي من أجل الشركة تشفع لي عند المساهمين المتناثرين حولي فى المطعم الوحيد الباقي من سلسلة مطاعم الشركة….. مطاعمنا متخصصة فى المسقعة وسلطة الطحينة بالبقدونس والخبز البلدي ….. ولم تتعامل فى السلطة البلدي… وبالتالي لم يكن فى خلدي أى تبرير مقنع لهذه الكمية الضخمة من الخيار!!!

الواد “فتيحه” هو السبب …. مش بعيد يكون متفق مع ” أبو جلمبو ” لفضيحتي ووقوعي فى شر أعمالي….أنا من أول ما رأيته أنا مش مستريح له إطلاقًا….. صحيح هو …. أكيد هو… نعم هو ….. هو فين ؟؟؟؟ تذكرت …. إنه وحده فى المطبخ  يقلي الخيار الذى نستخدمه بديلاً عن الباذنجان الذى شح من السوق وانضرب محصوله…. صحيح إن تصرفه أنقذنا ….. وصحيح إن فكرة الشطة وتقديمها من غير غسيل قد أنقذ وجودي فى الشركة …… لكني الآن انكشفت ووقعت فى شر أعمالي !!!!!!

خرج الواد فتيحه من المطبخ ….. الله ينصره …. وهتف بنشاطه وخنفته المحببة إلى قلبى بصوت أجمل من الكروان ولا الست فى زمانها  ….. ” ينا يانجانه ….. ونوني همتكم”….

ولقيت المساهمين … شعلة نشاط …. اللى فوق السيارة …. واللى بيفك الحبال… واللى بيرمي الأقفاص من فوق …. ومجموعة تستلمها …. وتانية توصلها فى صفوف  منتظمة كالبنيان المرصوص …….. تستلم الأقفاص وترصها فى المخزن ….. ولم ينسوا وزن كل قفص والتأكد من ومطابقته مع الوزن المكتوب ….. حتى لم ينسوا – ربنا يحميهم – يسجلوا هل الخيار فرز أول طازج  ولا معيب وقديم ….. أصل أهم حاجة عندي الجودة  والأمانة …. أيوه كله إلا الجودة والأمانة

همست بصوت خفيض جدًا فى ودن الواد الحمار فتيحه …… إيه الحكاية ؟…… هل انكشفنا ؟!!!….. رد بسرعه  وكله ثقة فى النفس …عيب يا معنمي

“طول ما فتيحه معاك…اوعى تشيل الهم وياك”

ولقيته بيسأل واحد من المساهمين بكل جرأة …إذا كان عنده أو عند أى  واحد من المساهمين  تساؤل او استفسار أو ارتياب  عن تفسير وجود الخيار بهذه الكميات ….. أجابه بلا تردد مستنكرًا …. طبعًا  لأ !!!!   احنا فوضناكم وثقتنا فيكم لاتهتز ….. والأدهش من ذلك إنه استفسر عن وظيفة المساهم الأصلية  فأجابه إنه متخصص أصلاً فى زراعة الخيار …… وامصيبتاه …. أكيد السؤال ده سيلفت انتباهه !!!!!!! يعنى أصوت ولا أنتحر ولا أشق هدومي من غباء فتيحة !!!! ……طول عمرى أقول عليه حمار وغبى منه فيه…… ولكن روحي رجعت لي تاني وفتيحه بيسأله عن مهمته الحاليه فى الشركة …… وكانت الإجابة الشافية الكاشفة المفرحة : “ساعي بريد” … الذى ينقل الطرود والخطابات …. دون السماح لنفسه بالتفكير عن محتواها !!!!

فى هذه اللحظة فقط أدركت أهمية ما قمت به فى هذا الصرح العظيم …. ذي التاريخ الممتد لعدة أجيال…. الذى طالما حمى الشركة من الانهيار فى أوقات الشدة….. استوعبت الآن قيمة محاضراتي عن الجندية وإنكار الذات ….. وواجبنا جميعًا فى القيام بمهمتنا الأصلية المطلوبة منا …. دون اعتبار لخبراتنا السابقة ومهاراتنا الغير مطلوبة …. لقد استثمرت فى هذا الجيل … والآن أجني ثماره …..فهم ينصهرون ويضحون بكل مالديهم لتقف الشركة شامخة ضد الأعداء والحساد والمناوئين …. ومروجى الاشاعات وصانعى الأزمات ….. دوري العظيم فيما سبق….. أراه الآن فيما لحق  ….. جيل يتقن دوره الجديد بكل تضحية وفداء ……. دوره المتمثل فى “ساعى  البريد”.

          د حسين ربيع

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.