أراء وقراءات

التعامل مع عقلية دونالد ترامب بين الاحتواء الحذر والمواجهة الذكية

بقلم / مدحت سالم 

 

 التعامل مع شخصية سياسية مثل دونالد ترامب يفرض فهماً عميقاً لنمط تفكيره وآليات اتخاذه للقرارات فهو رجل براغماتي النزعة لا يقيم وزناً للثوابت ولا يعترف بالقيود المؤسسية، بل يدير السياسة بعقلية رجل الأعمال الذي يرى في كل موقف فرصة تفاوضية تحقق مكاسب آنية دون أن يعنيه البعد الاستراتيجي أو التأثيرات البعيدة المدى. إنه رجل صفقات لا رجل مبادئ ومصالحه هي البوصلة الوحيدة التي توجهه مما يجعل أي تعامل معه محكوماً بضرورة الجمع بين الاحتواء الحذر والمواجهة الذكية حسب السياقات المتغيرة والظروف المحيطة.

والتعامل مع هذه الشخصية يجب ان يكون من خلال المحاور العشرة الآتية:-

١- فهم طبيعة شخصيته براغماتية بلا قيود

يتحرك ترامب بمنطق المكسب والخسارة ولا يعترف بتحالفات دائمة أو اتفاقيات ملزمة بل يرى أن كل شيء قابل لإعادة التفاوض وفقاً لمستجدات الواقع ومصالحه المباشرة وهو ميال إلى اتخاذ القرارات الأحادية التي تعتمد على فرض الأمر الواقع والتصعيد غير المسبوق لتحقيق أكبر قدر من المكاسب حتى لو أدى ذلك إلى خلق أزمات عميقة في علاقاته الخارجية ولذلك فإن أي استراتيجية ناجحة في التعامل معه يجب أن تتجنب الرهان على الاعتبارات الأخلاقية أو المبادئ المؤسسية بل ينبغي أن تستند إلى منطق المصالح المتبادلة والمنافع المباشرة التي يمكن أن تقنعه بالتعاون

٢- الاحتواء عبر المدخل الاقتصادي لغة الأرقام لا المبادئ

لأن الاقتصاد يشكل حجر الأساس في رؤيته السياسية فإن أي محاولة لإقناعه بضرورة الحفاظ على التزامات أو احترام اتفاقيات يجب أن تُصاغ في قالب اقتصادي واضح بدلاً من اللجوء إلى الخطاب التقليدي القائم على القيم والمبادئ فحين يتم التفاوض معه حول القضايا الدولية يكون من الأجدى التركيز على الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة بدلاً من محاولة استمالته إلى مقولات الأمن الجماعي أو المسؤولية الدولية فمثلاً بدلاً من الحديث عن أهمية الناتو كتحالف استراتيجي يجب توجيه الخطاب نحو كونه آلية اقتصادية تمنح واشنطن مزايا تجارية في السوق الأوروبية

التعامل مع عقلية دونالد ترامب بين الاحتواء الحذر والمواجهة الذكية 2
ترامب

٣- التعامل مع نهجه التفاوضي قاعدة أعطه شيئاً ليشعر بالنصر

من أهم السمات النفسية التي تحكم تصرفات ترامب حاجته المستمرة إلى تسجيل الانتصارات وإظهار التفوق ولذلك فإن الطريقة المثلى لمفاوضته تكمن في تقديم تنازلات رمزية تجعله يشعر بأنه انتصر دون أن تمس المصالح الجوهرية للطرف الآخر وقد اتبعت بعض الدول هذا النهج بنجاح عندما لجأت إلى إجراء تعديلات طفيفة على الاتفاقيات التجارية دون المساس بجوهرها لتفادي التصعيد ومنع تحول التوترات الاقتصادية إلى أزمات دبلوماسية عميقة

 ٤-استخدام الضغوط الداخلية الرأي العام والنخبة السياسية

رغم طابعه الفردي وميله إلى اتخاذ القرارات الأحادية فإن ترامب لا يستطيع تجاهل الضغوط الداخلية التي تأتي من الكونغرس ودوائر المال والأعمال والإعلام ولذلك فإن إحدى الطرق الفعالة للتأثير على قراراته تكمن في تحريك الرأي العام الأمريكي والنخب الاقتصادية للضغط عليه وتوجيه سياساته فكما حدث عندما فرض تعريفات جمركية على الصين ووجد نفسه أمام معارضة شديدة من قبل الشركات الأمريكية الكبرى التي خشيت من انعكاسات سلبية على أعمالها مما دفعه إلى مراجعة بعض قراراته والبحث عن تسويات تقلل الخسائر

 ٥-تجنب الدخول في مواجهة مباشرة غير محسوبة

بسبب أسلوبه التصعيدي في إدارة الأزمات فإن مجابهته بأساليب دبلوماسية تقليدية قد يؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من تصلبه وتجعله أكثر عناداً بدلاً من احتوائه ولذلك فإن اختيار المعارك ضده يجب أن يتم بحذر شديد مع التركيز على نقاط ضعفه بدلاً من تحديه في ميادين قوته فمثلاً بدلاً من الدخول في مواجهة مفتوحة معه حول السياسات التجارية يمكن تسليط الضوء على تداعيات قراراته داخلياً وتأثيرها السلبي على قاعدته الانتخابية

٦- استغلال تناقضاته إرباكه بدلاً من مجاراته

من أهم نقاط ضعف ترامب عدم استقراره على موقف ثابت وسرعة تقلبه في التصريحات والقرارات وهو ما يمكن استثماره سياسياً من خلال تقديم مقترحات توهمه بتحقيق مكاسب بينما هي في الحقيقة تعيد توجيه قراراته وفقاً لرؤية الطرف الآخر وقد لجأت بعض القوى الدولية إلى هذه الاستراتيجية عندما سعت إلى إقناعه بإجراء تعديلات شكلية على الاتفاق النووي الإيراني بدلاً من الدخول في مواجهة مباشرة حول قراره بالانسحاب

٧- إدراك حدود سلطته وتأثير النظام المؤسسي الأمريكي

ورغم ما يظهر عليه من سلطوية في اتخاذ القرار فإن ترامب ليس مطلق النفوذ بل يخضع لتوازنات داخلية تحد من قدرته على فرض رؤيته الخاصة ولذلك فإن التعامل معه لا يجب أن يقتصر على شخصه بل يجب أن يشمل أيضاً المؤسسات الأمريكية مثل الكونغرس والهيئات القضائية التي تمتلك الأدوات اللازمة لكبح اندفاعاته وتعديل مساره بما يتوافق مع المصالح الاستراتيجية الكبرى

التعامل مع عقلية دونالد ترامب بين الاحتواء الحذر والمواجهة الذكية 3
ترامب

٨- تحييد خطابه الشعبوي كشف التناقضات أمام قاعدته الجماهيرية

يعتمد ترامب في خطابه على إثارة مشاعر أنصاره وتقديم صورة مبسطة للصراعات الدولية وهو ما يمنحه شعبية واسعة بين الفئات التي تشعر بأنها مهمشة سياسياً واقتصادياً ولذلك فإن مواجهة هذا الخطاب تقتضي كشف التناقضات بين وعوده ونتائج سياساته من خلال تسليط الضوء على الآثار السلبية لقراراته على القطاعات التي تشكل نواة داعميه

٩- استخدام استراتيجية النفس الطويل الانتظار حتى يفقد أوراقه

يستند ترامب في نهجه السياسي إلى افتعال الصدمات المتتالية لإرباك خصومه ولكن مع مرور الوقت تفقد تصريحاته تأثيرها وتصبح مجرد ضجيج بلا أثر حقيقي ولذلك فإن بعض المواجهات معه لا تحتاج إلى تصعيد مباشر بل إلى إدارة طويلة النفس تتيح استنزافه حتى ينخفض تأثيره تدريجياً

١٠ -ختاماً الجمع بين الذكاء السياسي والتكتيك البراغماتي

إن التعامل مع شخصية سياسية مثل دونالد ترامب يتطلب مزيجاً من الذكاء والدهاء السياسي والاستفادة من نقاط ضعفه مع تجنب الدخول في صدامات غير ضرورية فالرجل ليس مجرد رئيس دولة بل هو ظاهرة سياسية تعتمد على الإثارة والمفاجآت وإذا استطاعت القوى الدولية أن تستوعب أسلوبه وتعيد توجيهه لمصلحتها فإن تأثيره يمكن تحجيمه وإدارته بفعالية.

التعامل مع عقلية دونالد ترامب بين الاحتواء الحذر والمواجهة الذكية 4

مدحت سالم 

كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.