أراء وقراءات

التعليم المفتوح.. شهادة العدالة التي طاردوها بالباطل

الجمعيةُ العموميةُ للصحفيين .. تُجحف أحلامنا

جريمة في حق زملاء المهنة

بقلم / كريم صبحى

في لحظة من لحظات الإنصاف الوطني، ولدت فكرة التعليم المفتوح كنافذة للعلم بعد انسداد الأبواب، أُطلقت مع مطلع الألفية الجديدة لتُمنح من فاتهم قطار الجامعة فرصة للّحاق به، لا مجاملة، بل استحقاقًا. جاءت كمشروع تنويري يستهدف من حالت ظروفهم دون التعليم النظامي، من موظفين، وكادحين، وأصحاب أحلام مُؤجلة.

لم يكن هذا النظام “ترقيعًا” ولا مسارًا أدنى، بل مسلكًا أكاديميًا متكاملًا، توافرت فيه كل مقومات الجدارة: مناهج جامعية، إشراف علمي صارم، أساتذة من أروقة الكليات الكبرى، وشهادات موثقة بأختام الدولة. وسرعان ما أثبت كفاءته، حين صار خريجوه جزءًا من مؤسسات سيادية، ونالوا ما يستحقون من ترقيات، وتسويات وظيفية، واعتراف مهني.

لكن كما كل مشروع تنموي يُهدد مصالح الفاسدين، لم ينجُ التعليم المفتوح من الاستهداف. تحركت قُوى الظلام في الخفاء، وبدأت حملة خبيثة لتقويض هذا الكيان، خوفًا على أرباح الجامعات الخاصة التي تبيع الشهادة كما تُباع السلع، وتُتاجر بطموحات الناس. سمِّمت الساحة الإعلامية ضد النظام، وشُوهت سمعته عمدًا، حتى بدا كأنه عارٌ ينبغي ستره، لا منقذٌ يستحق الدعم.

وكان المشهد الأشد قسوة ومرارة حين أُقُحم ملف التعليم المفتوح في صراعات النقابات المهنية، وعلى رأسها نقابة الصحفيين ، حيث رُفض قيد خريجي هذا النظام، لا استنادًا إلى معيار علمي أو قانوني، بل بذريعة مصطنعة، سُنت لها مادة قانونية تتعارض صراحة مع الدستور، لتقصي على أحلام وآمال الآلاف من المجتهدين الذين التحقوا بنفس الكليات، ودرسوا على أيدي نفس الأساتذة، وتخرجوا بشهادات صادرة من ذات الجامعات المعترف بها رسميًا.

الأدهى أن هذا الإقصاء شمل خريجي الثانوية العامة، رغم أن النظام بُني أصلًا لمن تجاوزوا هذه المرحلة ولم تُتح لهم فرصة التعليم الجامعي آنذاك ، أين العقل؟ وأين العدالة؟!

وإمعانًا في التهميش، تم إلغاء التعليم المفتوح بصورته الأكاديمية، واستبدل بنظام مهني لا يُرقى لمنح درجتي الليسانس أو البكالوريوس، في محاولة مفضوحة لمحو إنجاز آلاف الخريجين السابقين، وتغليف القضية بضباب من التشويش القانوني.

لكن، وسط هذا الهجوم، بدأ هذا النظام يُحقق أهدافه، ويرفع من شأن أبناء الطبقة الكادحة والموظفين البسطاء الذين أتيحت لهم فُرصة التسويةُ بشهادته والترقي في وظائفهم ، وبقيت بعض الجهات المهنية شريفة في موقفها، أبرزها نقابة الصحفيين، التي لم تلتفت لطريقة الدراسة، بل إلى جوهرها ، ووضعت الكفاءة والخبرة والممارسة فوق كل اعتبار، وفتحت أبوابها للموهوبين ولكل من أثبت نفسه على الأرض، لا في سطور شهادة. وهذا هو جوهر المهنة ، وهكذا، أُطلقت الأبواق المأجورة، وبدأت حملة ممنهجة لتشويه التعليم المفتوح، وتحريض الرأي العام ضده، حتى تم اغتياله إعلاميًا ومعنويًا قبل اغتياله رسميًا.

فكم من مبدع لم يحمل سوى مؤهل بسيط، لكنه تفوق على أصحاب الدكتوراه بقلمه وثقافته. ومَن أبلغ من الأستاذ هيكل شاهدًا؟!

واليوم، وبعد سنوات من إغلاق النظام، نُفاجأ بمَن يطالب بإقصاء من تبقى من خريجيه، وهم قلة لا تتجاوز العشرات، وكأنهم خطر داهم يجب استئصاله! فهل تُلغى شهادة معترف بها بقرار داخلي بلا سند قانوني أو منطقي؟! أليس هذا تعديًا صارخًا على الحقوق؟!

إن الدولة التي أطلقت هذا المشروع، هي الوحيدة القادرة على تصحيح المسار، وحماية أبنائها، وإعادة الاعتبار إلى من اختاروا طريق العلم في ظروف قاسية.

لا نُطالب بعاطفة، بل بحق أصيل، واستحقاق قانوني لا يُسقط بالتقادم.

لا يجب أن نكافئ الاجتهاد بالخذلان، ولا أن نكسر طموحًا تحقق بالعرق والمثابرة. فالأمم لا تُبنى بالتضييق على الطامحين، بل بفتح المسارات أمامهم، وإعلاء قيمة الجهد أينما وُجد. ولعل ما نحتاجه اليوم ليس إغلاق باب التعليم المفتوح، بل إعادة فتحه بشروط أشد، وضوابط أمتن، تُعلي من قيمة الاجتهاد، وترد على كل من ظن أن العلم حكرٌ على من وُلد وفي فمه ملعقة ذهب. فهل من مُجيب ويسمع لانين وألم زملاء المهنة .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى