احدث الاخبار

التَعْلِيم الفَاشِل (5) بلا معايير .. بقلم : الدكتور أمين رمضان

يذهب ملايين الطلاب كل عام إلى المدارس والمعاهد لتلقي العلم في مراحل التعليم المختلفة، ويتخرجون من مرحلة ليلتحقوا بالتي بعدها، وفي نهاية التعليم الجامعي يتخرج الآلاف من الطالبات والطلبة، قلة منهم تواصل دراساتها العليا للحصول على الماجستير والدكتوراه، والغالبية تبحث عن وظيفة في مجالات العمل المختلفة.

هذه العملية برمتها شبيهة بالمصانع التي تنتج منتجات محددة وتبيعها للمستهلكين، لكن المنتج التعليمي هو منتج إنساني في المقام الأول، وهو أساس نهضة الأمم وتقدمها، ومع ذلك تجد الحرص الشديد للمصانع على جودة منتجاتها، وتحديد مواصفاتها، والتنافس لتحسين وتطوير المنتجات والمواصفات، والحرص على الإبداع المستمر، في ظل تنافس عالمي محموم من أجل البقاء في السوق وجني الأرباح الطائلة، من جيوب المستهلكين في شتى أنحاء العالم، وتجد الكثير من الشركات التي لا تتطور ولا تبدع، تغلق أبوابها وتنسحب من السوق لأن منتجاتها ليست تنافسية، حتى وإن كانت هذه الشركات منذ فترة قصيرة تحتل مكانة عالمية، والأمثلة عديدة في شتى أنحاء العالم، عندما تنظر للتعليم بنفس العدسة، تستطيع أن تحكم عليه.

التعليم في بلادنا يغيب عنه المعايير الصحيحة، المعيار الوحيد الذي أفسده هو الدرجات التي يحصل عليها الطالب فقط، سواء كانت تحصيلية أو قدرات، ثم تفاجأ بمنتج رديء، لا يحب التعلم ولا يمتلك شغف للمعرفة، ولا يثق في نفسه، ولا يفكر فيما يتعلمه، ولا يعرف الإبداع، إنه باختصار خريج منزوع الدسم، أو منزوع الإنسانية في أغلب الأماكن، منزوع القيم والتفكير والتأمل.

المعايير غائبة عن كل مكونات العملية التعليمية تقريباً، طبعاً قد يخدعوك بمعايير مكتوبة، لكني أتحدث عن المعايير الموجودة، والتي تحرك العملية التعليمية كلها لتحقيقها وتجعلها واقعاً، زرت مدارس عديدة، تعلق الرؤية والرسالة والقيم على الجدران، لكنها تغيب عن الإنسان.

إذا لم تصدقني، فاسأل نفسك، وأغلبنا له أبناء عاشوا معهم الأمرَّين، للحصول على شهادات ورقية، تحمل اسم الطالب أو الطالبة، بينما هو لا يحمل الصفات التي تجعله أهلاً لها.

هل يُعْقَل أن يتخرج الطلاب والطالبات الآن وهم لا يجيدون لغات العصر المختلفة، ولا يعرفون من التكنولوجيا سوى الاستخدام السيئ لها، فتراهم يسيرون داخل الجامعة وعيونهم ملتصقة بالموبايل، يكادوا يصطدمون ببعضهم البعض، معلوماتهم عن مصادر التعلم العالمية المتاحة مجاناً تكاد تكون صفر، بل صارت التكنولوجيا وسيلة حديثة للغش المتفشي أصلاً بين الطلاب، بعد أن ورثوه من المجتمع.

عندما لا تكون هناك معايير للمعلم، ولا معايير تحدد مواصفات خريجي كل مرحلة، ولا معايير للبيئة التعليمية بكل مكوناتها، ولا معايير للمناهج والمنهجيات، ناهيك أن تكون هذه المعايير عالمية، فقل على التعليم السلام، بل على الوطن السلام، وعندها سيكون التعليم خدعة ظاهرها النجاح، وباطنها الفشل.

الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.