الحرب في السودان تدخل العام الثالث وسط أزمات إنسانية متفاقمة ومشاهد عنف مروعة

في غياب طرفي النزاع.. لندن تستضيف مؤتمراً دولياً حول الصراع السوداني
كتبت: د. هيام الإبس
تدخل الحرب السودانية عامها الثالث على وقع أزمات إنسانية متفاقمة ومشاهد مروعة من العنف والنزوح، بينما تستعد العاصمة البريطانية لندن لاستضافة مؤتمر دولي، يوم الثلاثاء، بمشاركة أكثر من 14 دولة ومنظمة دولية، في غياب لافت لطرفي النزاع الرئيسيين: الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
مؤتمر إنساني في ظل غياب سياسي
المؤتمر، الذي تنظمه بريطانيا بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، يهدف إلى حشد الدعم الإنساني للسودان، في وقت أعلن فيه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن تقديم بلاده مساعدات إضافية بقيمة 120 مليون جنيه إسترليني (نحو 158 مليون دولار)، داعيًا إلى تحرك عالمي عاجل لمنع ما وصفه بـ”الكارثة الشاملة”.
وفي بيان رسمي، أشار لامي إلى أن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 أظهرت “استخفافاً مروعاً” بحياة المدنيين، محذرًا من استمرار التجاهل الدولي للأزمة، ومؤكدًا أن عدد ضحايا المجاعة والعنف في السودان يفوق أي مكان آخر في العالم.
تغييب الحكومة السودانية يثير احتجاجاً
وفي الوقت الذي يسعى المؤتمر لتأمين المزيد من الغذاء والدواء للسودان، احتجت الحكومة السودانية على عدم دعوتها، إذ بعث وزير الخارجية السوداني علي يوسف برسالة إلى نظيره البريطاني، منتقدًا “وضع الدعم السريع على قدم المساواة مع الدولة السودانية”.
وردًا على هذا الموقف، صرّحت الخارجية الألمانية بأن الطرفين “غير مستعدين للجلوس إلى طاولة المفاوضات”، مما يبرر عدم مشاركتهما في المؤتمر الذي يسعى لتوحيد الرؤية الدولية حول الأزمة السودانية.
مساعدات ألمانية وتحذيرات أممية
من جهتها، أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن تقديم مساعدات بقيمة 125 مليون يورو لدعم المنظمات الإنسانية العاملة في السودان، مؤكدة أن “الموت أصبح واقعًا دائمًا في أجزاء واسعة من البلاد”.
بدوره، حذّر المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، فيليبو غراندي، من “عواقب كارثية” إذا استمر العالم في تجاهل المأساة السودانية، مشيرًا إلى أن أكثر من 13 مليون شخص نزحوا، لجأ أكثر من 3 ملايين منهم إلى دول الجوار، وأن 88% من المهجّرين هم من النساء والأطفال.
الإبادة الجماعية مستمرة في دارفور
تتصاعد وتيرة العنف في إقليم دارفور بشكل خاص، حيث ارتكبت قوات الدعم السريع مجازر مروعة، كان آخرها في مدينة أم كدادة التي شهدت مقتل أكثر من 56 مدنيًا خلال يومين، وفق ما أفادت به تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر.
وأكدت الأمم المتحدة وقوع أكثر من 400 حالة قتل مؤخرًا، بينها 148 حالة تم التحقق منها خلال ثلاثة أيام فقط، إلى جانب مقتل تسعة من عمال الإغاثة. كما اتهمت تقارير قوات الدعم السريع بارتكاب عمليات “تصفية عرقية” بحق المدنيين، وحرق معسكر زمزم الذي كان يأوي أكثر من 500 ألف نازح.
انتهاكات مروعة ضد الأطفال والنساء
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال ارتفعت بنسبة 1000% منذ بدء الحرب، مشيرة إلى انتشار القتل، والتشويه، والاغتصاب، والاختطاف، والتجنيد القسري، فيما حذرت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن “المدنيين في السودان عالقون في كابوس لا ينتهي”.
وفي مدينة طويلة، فرّ عشرات الآلاف من اللاجئين من معسكر زمزم سيرًا على الأقدام لمسافة 70 كيلومترًا، وهم يعانون من الجفاف وسوء التغذية، بحسب منظمة أطباء بلا حدود.
تقاسم النفوذ يكرّس الانقسام
اندلع النزاع في السودان نتيجة لصراع على السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ما أدى إلى تقسيم البلاد فعليًا، حيث يسيطر الجيش على الخرطوم ومناطق في الشرق والشمال، بينما تهيمن قوات الدعم السريع على معظم دارفور وأجزاء من الجنوب.
ومع استمرار حالة الجمود السياسي والتدهور الإنساني، تتعالى أصوات المجتمع الدولي بضرورة وقف القتال والعودة إلى طاولة التفاوض، قبل أن يتحول السودان إلى ساحة صراع منسي جديدة في التاريخ الحديث.