السفير أشرف عقل يكتب عن : يوم الأغنية اليمنية

 

يحتفى اليمنيون في الأول من يوليو بـ ” يوم الأغنية اليمنية ” ، ويعد احتفال هذا العام الثالث على التوالي ، حيث أصدرت وزارة الإعلام والثقافة اليمنية فى عام ٢٠٢١م قرارا يقضى باعتماد الأول من يوليو من كل عام يوماً للأغنية اليمنية ، تفاعلا مع المبادرة التي أطلقها عدد من الفنانين والمثقفين والنشطاء للاحتفاء بتراث اليمن الفني ، واستهدفت تسليط الضوء على تراثهم الغنائي الزاخر ، فى تحد واضح للحرب التى تشنها ميليشيات الحوثي ضد الفن والفنانين فى اليمن .

– كانت المبادرة قد قوبلت بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث غرد ونشر المئات من اليمنيين مقاطع غنائية وقصائد مغناة ، وصورا لفنانين كانت لهم بصمات واضحة في تعزيز وتطوير الأغنية اليمنية ، كما زينوا صورهم الشخصية بشعار يوم الأغنية اليمنية ، محتفلين به كل على طريقته الخاصة . كما شارك عدد من فناني اليمن بمقطوعات موسيقية بهذه المناسبة ، وباركوا خطوة تخصيص يوم للأغنية اليمنية حفاظا على هذا الفن العريق .

* خصائص الأغنية اليمنية :

امتلكت الأغنية اليمنية الكثير من الخصائص التي جعلتها بمثابة مخزونا هائلا للتراث الموسيقي والغنائي العربي ، ومدرسة فنية متكاملة الأركان ، استطاعت أن تلهم الفنانين والموسيقيين في مساحة جغرافية شاسعة شملت معظم مناطق الجزيرة العربية . وتتسم الأغنية اليمنية بالعديد من السمات سواء على صعيد الموسيقى أو النص الغنائي ، كما تنقسم وتتفرع إلى عدة أنواع من أشهرها : ” اللحجية ” التي نشأت جنوب اليمن ، وحملت العديد من سمات المنطقة الثقافية والاجتماعية والجغرافية ، والأغنية ” الصنعانية ” التي حظيت باهتمام عالمي وصنفتها منظمة اليونسكو كإحدى روائع التراث العالمي الشفاهية ، وكتب عنها الكثير من الباحثين العرب والأجانب متوقفين عند الكثير من جوانبها ، ووصفها الباحث الموسيقي الفرنسي جان لامبير بأنها ” طب النفوس ” وذلك في كتابه الذي حمل نفس العنوان .

* الأغنية اليمنية قديما :

يرى العديد من الباحثين أن جذور الفن الغنائي اليمني تعود إلى مرحلة ضاربة في عمق التاريخ ، وقد اشتهر اليمن بالغناء عبر تاريخه الطويل ، ويذكر المسعودي أن اليمن عرف نوعين من الغناء هما : ” الحميَري ، الحنفي ” ، لكنهم – أي اليمنيين – كانوا يفضلون الحنفي ، كما كانوا يسمون الصوت الحسن بـ ” الجدن ” ، وقد أخذ هذا الإسم من ” علي بن زيد ذي جدن ” أحد ملوك حمير الذي يعود إليه غناء أهل اليمن ، ولُقب ذي جدن لجمال صوته ، ويذكر محمد باسلامة أن تاريخ الغناء في اليمن يعود إلى أيام الحضارة السبئية والمعينية إذ شهدت هذه الحضارات استخداما واسعا للآلات الموسيقية التي وجدت صورها على شواهد القبور منحوتة في حجر من الرخام والجير ، وكانت النساء هن اللاتي يعزفن على تلك الآلات .

وقد اشتهر المغنون اليمنيون في عصور مختلفة ؛ ففي نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي اشتهر منهم ” ابن طنبور ” الذى عُرف بالغناء الخفيف المسمى الهزج ، ووصفه المؤرخون بأنه كان أهزج الناس ، وذكر الأصفهاني في كتابه الأغاني من الأصوات ثلاثة هى : العربية ، اليمانية ، والرومية . ولكن ظل السجل الطربي في اليمن فارغاً حتى نهاية دولة بني نجاح في زبيد . وقد ساهمت الكثير من العوامل في انقطاع الأغنية اليمنية ، وعدم تراكم التجارب الغنائية الممتدة عبر التاريخ ، ويعود هذا إلى رواج فنون أخرى بديلة مثل : فن الإنشاد الديني ، قبل أن تظهر موجة جديدة من الفنانين اليمنيين حاولوا إعادة الاعتبار لتراثهم الفني .

* الأغنية اليمنية الحديثة :

-ويرى بعض الباحثين أن ظهور الأغنية الحديثة في شمال اليمن يؤرخ بظهور الشيخ ” سعد عبد الله ” الذي كان يحفظ ثلاثة آلاف مقطوعة شعرية غنائية ، ووصف بأنه ” أطرب بغنائه الناس والعصافير ” قبل أن يقتل سنة ١٩١٩م ، عندما حاصر الإمام يحيى صنعاء لطرد الأتراك.

– أما في المحافظات الجنوبية من اليمن ، فقد ظهرت كوكبة من الفنانين إبان الاحتلال البريطاني لعدن ، وكان الطرب والغناء مشاعين بين فناني اليمن ، وقد ذكر الفنان والباحث اليمني الراحل محمد مرشد ناجي أن ” الغناء اللحجي قبل أحمد فضل القمندان كان متأثراً بالغناء الصنعاني ” .

– كما برزت تيارات تجديدية في الغناء اليمني الحديث ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين ، وتنقسم هذه التيارات ،  إلى ثلاثة أقسام :

= التيار الأول : وقد استلهم تجديداته من الموروث التقليدي ، ويمثله الشيخ جابر رزق ، و محمد مرشد ناجي ، وعلي بن علي الآنسي ، ومن أهم سمات هذا التيار المحافظة على التقاليد الغنائية اليمنية على الأصعدة النغمية والإيقاعية والأدائية .

= أما التيار الثاني ، فقد استلهم ، من الموروث الشعبي ، ويمثله أحمد فضل القمندان ، ومحمد جمعة خان ، وأيوب طارش عبسي ، ومن أهم سماته الاهتمام بالمادة الغنائية الشعبية .

= فيما ارتكز التيار الثالث في تجديداته على الغناء المصري ، ويمثله خليل محمد خليل ، وأحمد بن أحمد قاسم ، ومحمد عبده زيدي ، ومن أهم خصائصه أنه ينهل من الأغاني العربية المصرية ، لأن أصحاب هذا التيار يرون في الأغنية المصرية الأنموذج الأسمى للطرب العربي .

– وعلى الرغم من انتماء جل الفن الغنائي اليمني إلى التراث ، إلا أن مفهوم الفلكلور الذي تسرب إلى المشهد الثقافي العربي في ستينيات القرن الماضي ساهم في إعادة فرز وتصنيف الموروث الغنائي اليمني ، ويعد أستاذنا الدكتور عبد العزيز المقالح رحمة الله تغشاه من أبرز من بحث في الأدب الشعبي في اليمن حينئذ ، وأنجز رسالته فى الدكتوراه ونشرها في كتابه ” شعر العامية في اليمن ” وذلك فى عام ١٩٧٨م .

* الأغنية الشعبية اليمنية :

– عن انعكاسات هذا التصنيف على المشهد الغنائي اليمني يقول الباحث زيد الفقيه ” إن الأغنية الشعبية كانت للشعر العامي بمثابة الرئة للجسد ، كما يرجع الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي ظهور شعر العامية إلى ظهور الغناء وانتشاره في أواخر القرن الأول للهجرة ، وقد كان للأغنية الفضل في ظهور القصائد المخفية والمناجاة الخاصة في صدور العشاق في مختلف العصور والأزمان ، بدءا من علية بنت المهدي وانتهاء بأغاني المرأة اليمنية في الريف ومن هذا الضرب الغنائي المحتجب أغاني المرأة اليمنية في الريف والمدينة ، فقد تعددت أغراضه ، وتعكس هذه الأغاني الوجدانية بنواحيها المختلفة حالة المجتمع اليمني قبل ظهور التيارات الدينية المتطرفة ، ومشاركة أفراده في الحياة العامة بإيجابية منقطعة النظير .

– ويضيف الباحث الفقيه أن هذه الأغاني هي خلجات النسوة اللاتي ضربن سهما في الحب والفراق ، وتمثل الموروث الغنائي الشعبي لأكثر من مدينة وقرية ، وهي برهان وجداني على انصهار أبناء اليمن في ثقافة شعبية مشتركة ، لم ترَ في مثل هذه الخلجات الإنسانية ما هو محرم ولا معيب ، كما يؤكد أنه رغم محدودية تداول هذه الأغاني بين سكان القرى في إطار ضيق ، إلا أن المرأة قد تصنع صورة شعرية لا يستطيع شعراء الفصيح الإتيان بمثلها ، مستشهدا بقول في مهجل علاني تصف حبيبها “مبسمه بارق بعلان : لا ضحك ضوَّء المكان ” .

– ويقول الفقيه ” فمن مثل هذه ” المهاجل والزوامل والأغاريد ” تَشَكّلَ أساس شعر العامية من ناحية التفاعل واللغة ومن حيث النكهة . وإذا كان الشعر العامي عند المثقفين من ابن فليتة إلى عبد الله هاشم الكبسي ، وصالح السعيدي ، يمت إلى بعض البحور الخليلية والموضوعات الموروثة ، فإنه استقى كيانه خاصة من المزارع والشعاب ، وهي ينابيعه الأصلية ، لأن فن الأرياف جذّره وخلق بيئته الاجتماعية ، ولم يخرج شعراء العامية عن الفصيح ، إلا لأن فن الريف قد سبقهم بخلق ملكة الإيقاع وحاسة التقبل .

– ويؤكد الفقيه أن الأغنية الشعبية شهدت تحولا إضافيا على يد الشاعر اليمني الراحل ” مطهر بن علي الإرياني ” الذي أحدث نقلة نوعية في مضامين القصيدة الشعبية التي كانت تحمل في معظمها أغراضا حربية ، كما يقول الفقيه ، فقد كانت قصيدة البوادي غالبا تنحاز إلى القبيلة وتحرِّض على العصبية ، وعلى الانتماء والتعصب للطرف الذي تنتسب إليه ، وغالباً ما كانت الأراجيز التي يرددها الجيش توجه من قبل الحاكم ضد شعبه بغية التخويف وفرض الهيمنة ، ولم تكن القصائد الشعبية ، في معظمها ، تُعبِّر عن هموم وتطلعات الشعب وطرح قضاياه ، لكن مع ظهور جيل طلائعي توجهت القصيدة الشعبية إلى أغراض إيجابية تساند الشعب وتقف إلى جانب قضاياه ، وكان هذا التحول قد مثله مطهر الإرياني ، حين استل روح قصيدته الشعبية من الموروث الشعبي اليمني الأصيل .

* المرجع : مصادر متعددة .

*السفير اشرف عقل مساعد وزير الخارجية سابقا وشغل خلال عمله الديلوماسي سفيرا لمصر في اليمن وفلسطين قنصلا عاما بالبصرة 

Exit mobile version