المجتمع

الشيخ محمد رفعت.. قيثارة السماء

صوت فريد من نوعه

اعداد / سعيد حسن

 

عندما نتحدث عن الشيخ محمد رفعت، فإننا نتحدث عن خير من رتل القرأن وخير من تلاه في رعيله وجيله وعصره، صبيح الوجه هادئ الحديث وصوته معجزة، لقب ب “قيثارة السماء” في الأرض.. وهو شيخ القراء وامامهم، دخل كل بيت وكل قلب وكل روح، هيأته الاقدار ليكون اعظم مقرئ للقرأن الكريم، بصوت شجي وأداء محكم، تفرد بأسلوب في التلاوة ولم يسبقه قارئ وقل أن يلحق به أحد، وهو أول من قرأ القرأن في الاذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1834، موقع “وضوح” يستعرض في هذه السطور نشأته وماذا قالوا عنه كبار المشايخ والكتاب والاذاعيين.

 

ولد الشيخ رفعت في درب الاغوات بحي المغربلين بالدرب الأحمر محافظة القاهرة، يوم الاثنين الموافق 9 مايو عام 1882، وتشاء الاقدار ان يكون رحيله في اليوم نفسه من عام 1950.

وكان طفلا جميلا أجمل ما فيه عينان واسعتان تميلان للاخضرار.. لكن إرادة الله شاءت أن يصيبهما الرمد وتفشل محاولات العلاج لتجعله فاقدا لبصره وهو في الثالثة من عمره، استسلم والده لقضاء الله رغم الحزن الذي اعتصر قلبه فاستمر في حمل ابنه الي كتاب الحى ليتم حفظه للقرآن.. في كتاب «بشتك» بدرب الجماميز أمام مسجد فاضل باشا وعلى يد الشيخ محمد حميدة بدأ الطفل حفظ القرآن… ولاحظ الشيخ حميدة جمال صوته وقدمه للقراء الآخرين حتى وصل صيته لمشاهير القراء وقدروا فيه موهبته، كما سعى قراء عصره الى تعيينه قارئا للسورة بمسجد مصطفى فاضل باشا وهو المسجد الذي ظل الشيخ الجليل يقرأ فيه حتى وفاته.

جاء تعيين الشيخ رفعت بمسجد فاضل باشا فى وقته تماما فقد توفى والده وهو فى التاسعة من عمره وكان الشيخ هو العائل الوحيد لأسرة مكونة من الأم والأخ الصغير محرم رفعت فضلا عن خالته.. كان الشيخ بارا بالجميع ولرهافة حسه كان يعطى الأجر الذي يحصل عليه من القراءة لخالته حتى لا يشعرها بأنها غريبة.

اصيب الشيخ رفعت عام ١٩٤٢ بمرض “الزغطة” توقف فيه عن التلاوة عام ١٩٤٤ وظل قعيدا بمنزله، وقد طاف الى عدد كبير من الاطباء لكن بدون جدوى وفى ذلك الوقت كتب الاستاذ احمد الصاوى محمد بمساعدة الشيخ، فانهالت الاموال من العالم العربي والاسلامى ولكن الشيخ رفعت ردها فى إباء ولم يتناول منها قرشا واحدا.

 

قالوا عنه

قال الشيخ الشعراوي – رحمه الله – مطلع شبابنا كنت وزملائي في الجامعة نسعى وراء الشيخ رفعت أينما ذهب خلال عقد الثلاثينيات؛ فإذا عرفنا أنه سيحيي ليلة ذهبنا إليه، وبصفة خاصة إلى مسجد الحسين، حيث كان قارئ سورة في يوم الجمعة من كل أسبوع، وكنت أجلس أقرب ما يمكن من مكان الشيخ رفعت حتى لا تفوتني أدنى شاردة أو واردة، يأتي بها صاحب الصوت الذهبي الذي يطوف بنا عبر العوالم القدسية، من خلال آيات القرآن الكريم، كان صوته بالفعل يغوص في أعماق الوجدان والروح والعقل والإدراك الذي يأتي بفيض العطاء الذي يهب السامع نفحة هائلة من حلاوة الايمان.

 

قال الشيخ احمد نعينع.. قارىء السورة بالمسجد الحسيني .. صوت الشيخ رفعت شيء لا يمكن وصفه .. شيء لا يصدق . والشيخ رفعت – عليه رحمة الله – كان اذا قرأ القرآن تحضر الملائكة مجلس قراءته .. كان قارنا في قمة الاداء القراني السليم يرتفع صوته الى جميع المقامات ، ولاشك أن التسجيلات المتوافرة حاليا التلاوته لا تقارن بحال من الاحوال بتلاوته على الجمهور.

 

وقال الشاعر فاروق جويدة .. الشيخ رفعت قارىء لا يتكرر، وهو صاحب صوت جميل ومميز ويتمتع بطبقات غريبة الشكل ، ويكاد يكون المقرىء الوحيد الذي لا تخطئه الاذن على الاطلاق ، وصوته يتمتع بصدق التلاوة وهو عندى صدق الاحساس بمعنى أن الشيخ كان يشعر بكل اية يقرأها واحساسه هذا في اعتقادي كان اخطر ما في صوته ذلك الصوت القائم من السماء – غير ارضى – على حد تعبيره .

 

وقال انيس منصور الكاتب الصحفي الكبير ليس سراً أن يُقال إن قارئ القرآن الجيد يكسب ذهباً . لا لأنه بعيد عن مأمور الضرائب فقط، ولكن لأن عزرائيل على رقاب العباد، وأن العباد القادرين على الدفع كثيرون جداً؛ ولأن القارئ الجيد كالمطرب الجيد يواجه زحاماً شديداً يدفعه إلى أن يطلب أجراً مرتفعاً . ولا يزال المرحوم الشيخ رفعت أجمل الأصوات وأروعها، وسر جمال وجلال صوت الشيخ رفعت أنه فريد في معدنه وأن هذا الصوت قادر على أن يرفعك إلى مستوى الآيات ومعانيها ، ثم إنه ليس كمثل أى صوت آخر . أما غيره من قارئي القرآن الكريم فمزيج بين التلاوة والغناء.

 

يروي الاستاذ علي خليل شيخ الاذاعيين، عن الشيخ رفعت انه كان هادئ الطبع، هادئ النفس، تحس وانت جالس معه ان الرجل مستمتع بحياته في جنة الخلد، كان كيانا رائعا ملائكيا تري في وجهه الصفا والنقاء والطمأنينة والايمان الخالص، وكأنه ليس من اهل الأرض، صوته راق، يحس المعاني، خاشع في تلاوته ومعايش لكلمات القرأن الكريم عنده حضور واحساس بجلال الخالق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.