أراء وقراءات

الغزو الثقافي… عندما تٌرَبى الأجيال على ثقافة ليست لها

بقلم / د. هناء خليفة

في عالم أصبح مفتوحاً على مصراعيه، حيث تتجاوز المعلومات والرموز الثقافية كل الحدود، لم يعد الغزو عسكرياً يُخيف الناس بالدبابات والطائرات، بل أصبح غزواً ناعماً، يَتسلل إلى العقول، ويتغلغل في السلوك، ويعيد تشكيل الوعي دون صوت ولا جلبة.

إنه الغزو الثقافي… الذي يمثل أخطر أدوات التأثير في المجتمعات.

 ما المقصود بالغزو الثقافي؟

هو فرض ثقافة خارجية على مجتمع ما، عبر وسائل الإعلام، والمنصات الرقمية، وبرامج الترفيه، والمناهج المستوردة، بهدف إضعاف الهوية، وتفكيك القيم، وزعزعة الانتماء.

لكن المشكلة الكبرى أن هذا الغزو لا يُعلن نفسه، بل يأتي مغلفاً في صورة تطور، أو حرية، أو انفتاح حضاري. وهنا يُصبح الخطر تربوياً وإعلامياً بامتياز، لأن الفئات المستهدفة هم الأطفال، واليافعون، والشباب، ممن تُبنى شخصياتهم وتتكون قناعاتهم في هذه المرحلة الحساسة.

 الرسالة التربوية: حماية الوعي

إن مهمة المؤسسات التربوية والإعلامية لم تعد تقتصر على تقديم المعرفة والمعلومة، بل أصبحت مطالبة بحماية الوعي الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية، وتنمية الحس النقدي لدى النشء.

فعندما نرى طفلاً يتحدث بلغة غريبة داخل بيته، أو شاباً يقلد سلوكاً لا يشبه بيئته، أو فتاة ترفض قيم مجتمعها بدعوى “التحرر”، ندرك أن المعركة ليست في الخارج… بل داخل عقول أبنائنا.

 كيف نواجه هذا التحدي؟

ارى ان مواجهة هذا التحدي يحتاج الى تضافر كافة مؤسسات المجتمع

١- إعلام مسؤول 

الإعلام ليس مجرد وسيلة عرض، بل هو أداة بناء أو هدم. فلتكن رسائله داعمة للقيم، معتزة بالهوية، محفزة على التفكير لا الاستهلاك.

٢- منهج تعليمي يعزز الانتماء

نريد تعليماً يُعرّف الطفل بوطنه، وتاريخه، وبطولاته، لا يكتفي بنقل معلومات معزولة، بل يُشعره بالفخر والانتماء.

٣- أُسرة تُربي بوعي

الأسرة اليوم مطالبة بأن تكون الحاضنة الثقافية الأولى، تُناقش أبناءها، تُشاهد معهم، وتُعلّق، وتُوضح، حتى لا تكون الضحية الأولى للغزو.

٤- نموذج قدوة واقعي

نحتاج إلى شخصيات حقيقية يراها الأبناء ناجحة وملتزمة، تُثبت أن التقدم لا يعني التخلي عن القيم، وأن المعاصرة لا تعني الذوبان.

 رسالة إلى الإعلاميين والمربين

أنتم خط الدفاع الأول. الكلمة التي تقولونها، والمشهد الذي تبثونه، والفكرة التي تزرعونها… قد تُنير عقلاً، أو تُغلق قلباً. فلا تستهينوا بما تُقدّمونه، فأنتم تصيغون وعياً، وتبنون جيلاً.

 وفي الختام…

الغزو الثقافي لن يُعلن عن نفسه في نشرة الأخبار، لكنه سيظهر في سلوك أبنائنا، في لغتهم، في لباسهم، في اهتماماتهم. فلنُحصّن عقولهم، ونجعل من ثقافتا قوة لا تُغزى، بل تُصدّر.

الأمان الفكري... حينما تصبح العقول أوطانًا آمنة 2

دكتورة هناء خليفة

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.