أراء وقراءات

المفاوض البارع 

بقلم / الفنان أمير وهيب 

كلمة تفاوض في لغتنا العربية الجميلة لها أكثر من معنى ، و لكن ما يعنيني في هذا الشأن هو التفاوض بمعنى المباحثات  للوصول الي اتفاق. و الوصول الي اتفاق يمكن أن يكون على اساس ” شراكة ” و يمكن أن يكون على اساس ” خلاف ” لتسوية نزاع.

* شاهدت مؤخرا عن طريق الصدفة ” باسم يوسف ” صاحب برنامج ” البرنامج ” الساخر ، في حوار للقناة الإخبارية الأشهر ، يتكلم مدافعا عن الفلسطينيين بنغمة ” استجداء ” و لم أجد سبب مقنع لكي يقوم بهذه المهمة.

* و تذكرت عندما قدمت مصر ملف استضافة كاس العالم لكرة القدم لسنة ٢٠١٠ ، و مرحلة فتح الملف و قراءة محتواه و نقاشه باعتباره فعل ” التفاوض “.

عمر الشريف

* ملف مصر كان ضعيف جدا لدرجة تم استدعاء شخصيات مصرية عالمية منهم عمر الشريف لكي يقوم بدور ” الواسطة ” و كان يداعب رئيس الاتحاد الدولي و قال له لو رفضت أن تقوم مصر بتنظيم البطولة سوف تصاب بلعنة الفراعنة.

* و حصلت مصر على درجة ” صفر ” في تقييم ” الملف ” حتى بعد وساطة عمر الشريف و بطرس غالي وغيرهم.

* هذا ليس لانهما ضعفاء في عملية التفاوض و لكن لأن التفاوض في الأساس مبني على معطيات ، التفاوض هو سؤال و جواب ، فإذا كانت الإجابة ” خطأ ” ماذا ينفع الكلام ؟؟

* مثل هذه الأمور لا ينفع معها مثل هذا السلوك المخزي.

* شخص ، على درجة من الشهرة ، ليس له أي صفة في التفاوض ، رأيه لا يؤخذ به ، هو في احسن الاحوال ” تسويق اعلان ” يتكلم باستجداء في محاولة فاشلة للإنقاذ .

* عملية التفاوض الناجحة لابد أن تكون على اساس من ” القوة ” ، و هذه القوة مصدرها إجابة صحيحة لكل الأسئلة موثقة بمستندات يحميها قوة اقتصادية و قوة تكنولوجيا و قوة عسكرية.

* اما التفاوض الفاشل ، هو طرف مهزوم مسبقا ، طرف لا ينتج و لا يخترع ، و يعتمد على كل منتجات الطرف الاخر المفاوض ، شخص مهزوم هو في حقيقة الأمر ” المشتري ” و الطرف الاخر الذي هو في حقيقة الأمر ” البائع ” ، أقصى استفادة ممكن تحقيقها هو تخفيض السعر.

* لذلك أنصح بالاستعداد الجيد ، قبل البدأ في اي مفاوضات ، لأن المفاوضات المستمرة الفاشلة خسائرها فادحة ومحبطة و تترك انطباع دائم بعدم أحقية الطرف المهزوم في اي حق حتى لو كان حقه.

سعد زغلول

* و اتذكر ايضا في مثل هذه الظروف  ” سعد زغلول ” الشهير ب ” زعيم الأمة ” و أشهر سياسي بارع في تاريخ مصر ، و براعته تكمن في ” قوة تفاوضه ” و هو الذي بدأ زعزعة وجود الانجليز في مصر و هو صاحب المقولة الشهيرة “الحق فوق القوة و الأمة فوق الحكومة ” و هي حجة سياسي بارع و  كان من الممكن أن تكون نظرية سياسية لو نجح في تطبيقها و لكنه لم ينجح لذلك هي مقولة فلسفية.

* قول يستشهد به نظريا فقط باعتبار أن لا شئ يعلو فوق ” الحق ” بكافة معانيه و هو يدرك معناها لأنه كان يشغل ” وزير الحقانية “.

* بكل أسف الحق المسلوب لا يسترد بشكل ودي الا في حالات قليلة و يسترد ب ” أمر محكمة ” في حالات كثيرة ، يعني يسترد ب ” القوة ” القانونية.

* و مع ذلك ، هناك كثيرين في مصر حقهم المسلوب لم ينفع معه قوة الأمر القانوني ، فالقانون في مصر ليس بهذه القوة التي تسمح له برد الحق المسلوب.

* عملية التفاوض الناجحة لا تستند الي اي شكل من أشكال الاستجداء.

* تسجيل الهدف لا يستند على درجة الايمان و التقوى بل على مهارات و قدرات الهداف.

*  مفاوضات طابا هو النموذج الأشهر للمفاوض الناجح: لأن فريق التفاوض كان فاهما وواعيا ومسلح بالوثائق ويستند الى قوة . ومن حقهم ان نذكرهم بكل فخر  وهم: الدكتور مفيد شهاب، أحد فقهاء القانون الدولى، وواحد من أبرز أسماء اللجنة القانونية التى شكلها الرئيس الأسبق مبارك فى فريق المفاوضات، والدكتور حامد سلطان، أستاذ القانون الدولى، رئيس لجنة التحكيم الدولية عن الجانب المصرى فى القضية، والفقيه والعلامة الدستورى الدكتور وحيد رأفت الذى لم يمنعه انتماؤه المعارض كنائب رئيس حزب الوفد من المشاركة فى مهمته القومية لعودة طابا، والفريق كمال حسن على، رئيس الوزراء، وزير الدفاع الأسبق، واللواء عبدالفتاح محسن، مدير المساحة العسكرية الأسبق، والسفير حسن عيسى، مدير المركز القومى لدراسات الشرق، والدكتور يونان لبيب رزق، أستاذ التاريخ، والدكتور نبيل العربى، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، والسفير عبدالحليم بدوى، مندوب مصر الدائم بالأمم المتحدة سابقًا.

* لذلك أنصح ، اي شخص ، يرى في نفسه شخص بقوة تفاوض الحقانية و يتكلم عن العدل لابد و ان يكون معه قوة فعلية عملية.

* لأن الحق يدعمه القوة.

* * الحق يشبه الحب ، و الحب وحده لا يكفي ، صدق مشاعر استاذ ” حمام ” تجاه ليلى بنت مراد باشا ( فيلم غزل البنات ) ليس له أي تأثير على ليلى ومن الغباء أن نلوم ليلى و نتهمها بالظلم على أنها لم تبادل الأستاذ حمام الحب و على قسوتها في عدم الاستجابة.

* ليس هناك فرق بين ” عمر الشريف ” و” باسم يوسف ” و ” حمام ” ، لأنهم لم يدركوا حقيقة وضعهم تجاه الطرف الاخر.

* و يكون السؤال كيف ل ” طرف ” خائف وضعيف يستند الي حق وهمي أن يتفاوض في شأن مع طرف اخر؟

* فلسطين لن تحصل على حقها الا ب ” القوة “.

أمير وهيب 

فنان تشكيلي وكاتب ومفكر 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.