الناس أشجار تتحرك – ١: تأملات بقلم د. أمين رمضان

 

الناس أشجار تتحرك - ١: تأملات بقلم د. أمين رمضان 1

“الناس أشجار تتحرك” استوقفني هذا الوصف للناس، وظلت هذه الصورة تعيش في خيالي، وظل تأملها يراودني ليلاً ونهاراً، وكلما حَضَرَتْ هذه الصورة، سألت نفسي: ما الذي يعنيه بالنسبة لي هذا التشبيه للناس بالأشجار؟.

إذا كنا لا نرى جذور الأشجار، مع أنها موجودة تحت الأرض ومرتبطة بها، فهل الناس كذلك؟، وهل للناس جذور تمدهم بعناصر الوجود المختلفة، منذ اللحظة الأولى للخلق، عندما تَخَلَّقَت النُطْفَة الأولى في الرحم؟.

الفطرة الإنسانية وما بها من أسرار ربانية، كتبت حروفها في الخلية الإنسانية، مثل البذرة وما تطويه من أسرار، كلاهما يشكل الإنسان أو الشجرة، وهي جذور لا نراها بأعيننا.

وعندما تبدأ النطفة في رحم الأم، فإنها تغرس جذورها في جدار الرحم، وبعد ذلك يصبح الحبل السُرِّي المصدر الذي يعطي الجنين عناصر الحياة المادية والمعنوية من الأم، ثم يقطع هذا الحبل، فلا نراه بعد ذلك.

ومع صرخة المولود الأولى، تمتد له جذور جديدة، جذور تربطه بالأسرة، فيستمد منها الأفكار والقيم والسلوك، فيتشكل عقله وتفكيره، لكننا لا نراها أيضاً، بل نرى ثمارها في رحلة الحياة.

ثم تتعدد الجذور بعد ذلك، وتمتد في أرض المجتمع كله، المدرسة والإعلام والإنترنت والعالم كله الذي أصبح تحت ضغطة زر في جهاز صغير، ليستمر غذاء الإنسان المادي والمعنوي، وتستمر الثمار في الظهور، متأثرة بما تصبه الجذور في عقل وقلب وروح الإنسان، لكننا لا نرى هذه الجذور أيضاً.

ألم أقل لكم أن عبارة “الناس أشجار تتحرك” لم تبتعد كثيراً عن حقيقة الواقع المتشابه في عالم الأشجار وعالم الناس عندما نتأمل جذور كل منهما، كلاهما تمتد جذوره، في تربتها، فيأخذ كل منهما غذاءه، ويعطي ثماره، فنرى الثمار ولا نرى الجذور.

الفرق هو أن للإنسان إرادة واختيار.

الناس أشجار تتحرك - ١: تأملات بقلم د. أمين رمضان 2
الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

 

Exit mobile version