كتبت :د.هيام الإبس
فى خضم ضم الأزمات المتصاعدة التى يمر بها السودان منذ بداية النزاع فى أبريل 2023، ظهرت مبادرة إنشاء حكومة “موازية” فى المناطق التى تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”، مما أثار قلقاً متزايداً على الصعيدين الداخلى والدولى هذه الخطوة، التى تثير مخاوف من تفكك البلاد وتقسيمها مجدداً، يراها مؤيدوها فرصة تاريخية لبناء سودان جديد قائم على مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة، وقد تم توقيع دستور جديد ووثيقة تحدد خريطة طريق للحكم، مما يعكس طموحاتهم فى إنقاذ البلاد من الفوضى والتشرذم.
الحكومة الجديدة، التى أطلق عليها “حكومة السلام والوحدة”، تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس من العدل والمساواة، مع التركيز على تقديم الخدمات الأساسية لجميع المواطنين فى مختلف أنحاء السودان، وليس فقط فى المناطق التى تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”، وقد أرسل القائمون على هذه الحكومة رسائل طمأنة إلى الشعب السودانى ودول الجوار، مؤكدين أن الهدف الرئيسى هو الحفاظ على وحدة السودان وتعزيز التماسك الاجتماعى.
تأتى هذه المبادرة فى وقت حرج، حيث تسعى الحكومة الموازية إلى إثبات جدارتها من خلال اتخاذ مدينة بورتسودان عاصمة مؤقتة لها. تأمل هذه الحكومة فى كسب ثقة السودانيين ودعم المجتمع الدولى من خلال التزامها بإنهاء النزاع وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية وعلمانية لا مركزية.
يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن هذه الحكومة من تحقيق السلام المنشود، أم ستواجه تحديات جديدة تعيق مسيرتها نحو الاستقرار
يقول إدريس، وهو عضو سابق في مجلس “السيادة” السوداني خلال حكومة الثورة الثانية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، إن “الحكومة التى نسعى إلى تشكيلها هى حكومة تعزز السلام والوحدة… نحن، كقوة سياسية وعسكرية، كنا حريصين منذ البداية على حل الأزمة السودانية التى بدأت فى 15 أبريل 2023 بطريقة سلمية، وبذلنا جهوداً كبيرة لحث القوى الداعمة لاستمرار الحرب على الانخراط فى الحوار والتفاعل بشكل إيجابى مع المبادرات السلمية المختلفة (فى جدة والمنامة وجنيف)، لكن للأسف، رفض الجيش والسلطة القائمة فى بورتسودان التفاوض، لذا كان من الضرورى أن نفكر فى وسائل أكثر فعالية لدفع الأطراف نحو الحوار وإيقاف الحرب، مما أدى إلى إنشاء حكومة موازية تسعى إلى تقديم خدماتها لقطاع كبير من الناس الذين لا يحصلون على الاهتمام الكافى.
أسباب رفض الجيش للحوار
يرأس إدريس أيضاً تحالف “الجبهة الثورية” الذى يضم حركات مسلحة من دارفور وتنظيمات سياسية من خارج دارفور، مثل مؤتمر البجا المعارض برئاسة أسامة سعيد وحركة “كوش” السودانية من أقصى الشمال. ويقول: “نحن ندرك تماماً سبب رفض الجيش الذهاب إلى طاولة المفاوضات، حيث إن السبب الرئيسى يكمن فى تأثير الحركة الإسلامية وأنصار وفلول النظام السابق عليه، والذين يرون أن أى عملية سياسية ستخرجهم من المشهد وتقلل من نفوذهم. لذا، هم يُظهرون حرصهم على استمرار الحرب على الرغم من الكوارث والمعاناة والنزوح الذى تسببه للمواطنين، بالإضافة إلى ذلك، هناك حركات مسلحة متحالفة مع الجيش تعتبر استمرار الحرب مصلحة شخصية لها، حيث تعتمد هذه الحركات على دوام الصراع لضمان بقائها وبقاء مصالحها، وبعضها يمارس عمليات سلب ونهب لممتلكات المواطنين فى وسط الفوضى السائدة حالياً فى السودان.”
سياسات التقسيم
يتهم إدريس قادة الجيش السودانى باتخاذ تدابير قد تؤدى إلى تقسيم البلاد عن طريق إصدار عملة جديدة فى المناطق التى يسيطرون عليها، وحرمان مناطق أخرى، بالإضافة إلى إعلان بدء الدراسة فى بعض المناطق دون أخرى، كما أشار إلى أنهم يفتحون المجال لإصدار وثائق السفر والهوية لعدد من الأشخاص ويمنعون آخرين، بالإضافة إلى ذلك، تم إصدار قانون غريب يُعرف باسم (الوجوه الغريبة). وأكد إدريس أن “هذه الإجراءات قد تؤدى إلى تقسيم البلاد، وهو ما نرفضه تمامًا”.
قال إدريس: “الحركة الإسلامية تسعى لتقسيم البلاد، وقد قامت بتقسيم الجنوب سابقاً، نحن الآن نتخذ خطوات لضمان وحدة السودان. نحن نؤمن بأن الوطن يجب أن يبقى موحداً، وأن أى حل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع السودانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية أو العرقية أو الثقافية ومن أجل وقف عملية التقسيم الحالية، اقترحنا إنشاء حكومة للسلام والوحدة الوطنية”.
حكومتنا لكل السودانيين
يقول أحد القياديين فى “تأسيس”: “حكومتنا ليست مخصصة فقط لدارفور أو (الدعم السريع) أو لأى إقليم معين، بل هى تمثل كل السودان، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. لقد أعددنا دستوراً يضمن حقوق الجميع، وقد وقعه أفراد وكيانات متنوعة من جميع أنحاء السودان”، وأوضح أن الحكومة القادمة ستكون مسؤولة عن إعادة بناء الدولة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بما فى ذلك التعليم والصحة والأمن.
مخاوف محلية وإقليمية
على الرغم من أن دولاً مجاورة للسودان ومنظمات دولية وإقليمية قد رفضت بشكل قاطع وجود حكومة موازية فى السودان، بما فى ذلك الأمم المتحدة ومنظمة “إيجاد” فى القرن الأفريقى، إلا أن إدريس، الذي يرأس أيضاً حركة تحرير السودان/المجلس الانتقالى، يعتقد أن مخاوف الناس غير مبررة، مع اعترافه بحقهم فى القلق، ويضيف: “ولكن عندما ترى حكومتنا النور، سيتضح لهم أننا نسعى نحو الوحدة والسلام والاستقرار، وليس العكس”.
ويقول: “نحن نبذل جهوداً لطمأنة دول الجوار من خلال تأكيدنا على أننا نؤيد الوحدة ونرفض تقسيم السودان، نرى أن تقديم الخدمات للناس المحرومين، بما فى ذلك أولئك الموجودين فى مناطق الجيش، وحماية حقوقهم، سيساهم فى بناء ثقة المجتمع الدولى والدول المجاورة القلقة، وإذا قمنا بفتح الحدود للمساعدات وحمينا الناس من الانتهاكات التى تحدث على الأرض، فإن نظرة العالم لنا ستتغير وسيتعامل معنا بشكل إيجابى.
قضية الاعتراف
يعتقد إدريس أن مسألة الاعتراف بالحكومة الجديدة “لا تهمنا”، ويشير إلى الزيارات التى قاموا بها سابقاً إلى أوغندا وكينيا وإثيوبيا وتشاد، حيث شعر بدعم لمطالبهم، وأوضح قائلاً: “هذه الدول لديها مصلحة فى استقرار السودان”، حيث استقبلهم فى أوغندا الرئيس يورى موسفينى شخصياً، وفى كينيا كانت الأبواب مفتوحة لهم ورحّب بهم الرئيس ويليام روتو.
فى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، التقينا رئيس الوزراء آبى أحمد. وذهبنا إلى تشاد حيث استقبلنا رئيسها محمد إدريس ديبى، بالإضافة إلى عدد آخر من الدول”.
وقال: “هذا لا يعنى أنهم يرغبون فى الاعتراف بنا، ولكنه يعكس اهتمامهم بالأوضاع فى بلادنا، لأن استمرار الصراع فى السودان قد يؤدى إلى أزمات كبيرة فى بلادهم والمنطقة بشكل عام”، وأضاف: “لذا، هم مهتمون باستقرار السودان، وبالتأكيد، عندما نؤسس حكومتنا، سنقوم بزيارة هذه البلدان مرة أخرى، وسيستقبلوننا هذه المرة كسودانيين يديرون شؤون السودان”.
فشل الدولة القديمة
يقول إدريس إن “العالم من حولنا يتغير، لقد بدأ عهد جديد فى لبنان، ونظام جديد فى سوريا، بعد انهيار النظام القمعى القديم،ومن رأيى، فإن الأنظمة السابقة لم يعد لها مستقبل. فمنذ الاستقلال فى عام 1956، لم تتمكن أى من هذه الأنظمة من بناء دولة وطنية تحافظ على البلاد وتسمو بها. تاريخ السودان منذ الاستقلال هو تاريخ من الصراعات والاضطرابات. يسأل الناس: لماذا يترك المواطن بلاده منذ عام 1956؟ لأن الاستقرار مفقود، وهذا يشير إلى وجود خلل فى بنية الدولة الوطنية، أرى أن هناك موجة جديدة من التغيير قادمة، وستنهض دول جديدة على أنقاض الدولة القديمة، لذا، فى اجتماعاتنا فى نيروبى، ناقشنا ضرورة إنشاء دولة ديمقراطية علمانية لامركزية، تحافظ على حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الإقليمية”.
دور متوقع للإدارة الأميركية
يقول إدريس: “لقد كان للولايات المتحدة دور كبير منذ بداية الحرب فى السودان عام 2023، حيث بذلت إدارة الرئيس جو بايدن السابقة جهوداً كبيرة لمساعدة السودان، لكنها لم تتمكن من إنهاء الحرب، ونأمل أن تلعب الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس دونالد ترمب دوراً أكثر فعالية، من خلال استخدام سياسة الجزرة مع جميع الأطراف لتحقيق السلام، نحن منفتحون، وحكومتنا حكومة سلام، ومستعدون للتعامل مع أى طرف يمكن أن يسهم فى حل الأزمة، نتطلع إلى أن تأتى الإدارة الجديدة فى الولايات المتحدة بسياسات جديدة وواضحة وقوية تستطيع الضغط على جميع الأطراف لوقف هذه الحرب المدمرة”.
حماية المدنيين من القصف الجوى
يقول أحد قادة “حركة تحرير السودان”: “من واجب أى حكومة أن تحمى مواطنيها، وإلا ستكون بلا قيمة،و سنعين وزير دفاع تكون مهمته البحث عن أساليب دفاعية تهدف لحماية المدنيين بشتّى الطرق والوسائل الممكنة، كما نعمل على تشكيل نواة للجيش الجديد من القوات المؤيدة لحكومتنا، بما فى ذلك الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية/شمال، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالى، وجميع الفصائل المسلحة، سنقوم بتأسيس هيئة أركان مشتركة، وبعد انتهاء الحرب، سيصبح هذا الجيش نواة للجيش الجديد، الذى سيتولى مسؤولية حماية الحدود والحفاظ على الأمن الداخلى، دون دخول فى المجال السياسى”.
ويقول: “لن يكون هناك جيشان منفصلان بعد الآن، بل سيكون هناك جيش موحد. نحن نعارض تعدد الجيوش كما تفعل حكومة بورتسودان الحالية، حيث توجد العديد من الميليشيات والجيوش المختلفة، ونعتقد أن أحد أسباب اندلاع الحرب كان تعدد الجيوش، لذا لن نكرر هذه التجربة، ومن اليوم الأول لتشكيل الحكومة، سنعمل على دمج كل هذه القوات فى جيش واحد، بما فى ذلك قوات الدعم السريع”.
العملة ووثائق السفر
يؤكد إدريس أن “الحكومة الجديدة ستقوم بإصدار عملة ووثائق سفر وجوازات، وأشار إلى أن قضية العملة كانت من بين الأسباب الرئيسية التى دفعت للتفكير فى إنشاء حكومة جديدة، وأضاف أن العديد من مناطق السودان تعتمد على نظام المقايضة، حيث جففت حكومة بورتسودان العملات من المناطق التى تعانى من نقص فيها، مما يؤدى إلى تبادل السلع مثل الملح والسكر والقمح لعدم وجود عملة متداولة، وفى بعض المناطق، لا تتوفر أموال، مما يجعل الحياة صعبة للغاية، لذا ستتمثل إحدى المهام الأساسية للحكومة فى إصدار عملة جديدة، وسيتم تحديد اسمها لاحقًا، وسنعكس من خلالها المبادئ والقيم التى نؤسس عليها دولتنا الجديدة والميثاق الذى وقعناه”، كما قال إنه سيتم إصدار جوازات ووثائق ثبوتية، وستكون متاحة لجميع المواطنين.
موعد إعلان الحكومة
فيما يتعلق بموعد إطلاق الحكومة الجديدة، أوضح قيادى بارز فى “تأسيس” أن “هناك مشاورات مكثفة تجرى حالياً لتحديد موعد الإطلاق، نحن نتوقع أن يتم ذلك فى غضون شهر، وسيتم الإعلان من داخل السودان”. وأضاف أنهم لديهم مجموعة من الخيارات بشأن الأماكن والمدن التي يمكن أن يتم فيها الإعلان، وسيتم الكشف عنها خلال الأيام القادمة.
التواصل مع قيادة “الدعم السريع”
يقول الهادى إدريس: “نحن على تواصل مستمر مع قيادة (الدعم السريع)، وخاصة مع القائد محمد حمدان دقلو (حميدتى)”. وأضاف: “أنا شخصياً أتحادث معه تقريباً كل يوم، وكان آخر اتصال لي معه قبل يومين، وقد نتصل به مرة أخرى هذه الليلة (ساعة الحوار)”. نحن نتعاون معه في العديد من القضايا، ونبحث معه فى الاتفاقيات والوثائق الضرورية، ونعمل معه بشكل جيد، ولا توجد مشاكل فى التواصل، وهو بصحة جيدة، على عكس ما يشاع.
وفيما يتعلق بالانتهاكات التى تُتهم بها “قوات الدعم السريع” وما إذا كانت ستؤثر على الاعتراف بالحكومة الجديدة، يقول إدريس: “نرفض تماماً تلك الانتهاكات، وندين أى اعتداءات تحدث، لا يوجد أحد فوق القانون، وأى شخص يرتكب جرائم يجب أن يُحاسب. هذا ينطبق على جميع الأطراف، بما فى ذلك (الدعم السريع)، كما أن العقوبات الأمريكية والجهات الدولية الأخرى قد اتهمت كلا الطرفين المتحاربين بارتكاب انتهاكات ولم تستثنِ أى طرف”.
ويقول: “هدفنا الآن هو إنهاء الحرب، وبعد انتهاء الحرب، سنقوم كسودانيين بإنشاء آلية وطنية تكشف الحقائق للشعب: من المسؤول عن ارتكاب الجرائم؟ ومن بدأ الحرب؟ ومن تسبب فى وفاة الناس ونزوحهم؟ وإلا فلن ينعم هذا البلد بالاستقرار”
العلاقات مع «صمود»
وفيما يتعلق بالعلاقات مع زملائهم المدنيين فى تنظيم “صمود” الذى يرأسه الدكتور عبد الله حمدوك، يشير القيادى السودانى البارز إلى أنهم يتشاركون فى الأهداف الكبرى والتوجهات السياسية، وكذلك فى قضية إنهاء الحرب ومواجهة الحركة الإسلامية التى أشعلت الصراع، ومع ذلك، فإنهم يختلفون فقط فى الوسائل حيث يرون أن إنهاء الحرب يجب أن يتم عبر وسائل سلمية ومناشدات. نحن نعتقد أننا قد ناشدنا بما يكفى، والبلد فى طريقه نحو الانهيار بسبب تعنت الطرف الآخر، ولذلك رأينا أنه من الضرورى مواجهة هذا الطرف من خلال إنشاء حكومة تسحب الشرعية منهم.
وقال: “نحن على اتصال مستمر معهم واختلاف الطرق لا يؤثر على الروابط، سيكون هناك تعاون كبير بيننا فى المستقبل، خصوصاً فى جهود حل الأزمة”.
لا خوف من الفشل
يعتقد إدريس أن القادة الحزبيين وزعماء الجماعات المسلحة يمتلكون الخبرة والمعرفة المطلوبة، ولديهم خلفية واسعة فى إدارة الدولة، حيث شغل العديد منهم مناصب حكومية، وأوضح قائلاً: “كنت عضواً فى مجلس السيادة، وكذلك كان آخرون وزراء، إذا كنا نشك فى إمكانية الفشل، لما اتخذنا هذه الخطوة، وقد أبدى الكثيرين مخاوفهم، بما فى ذلك الأمم المتحدة وغيرهم، نحن ندرك هذه المخاوف الدولية، وستثبت التجربة العكس، حيث ستتحول الانتقادات إلى مديح، وسيتعاملون معنا.”
المشاركة فى المفاوضات
وفيما يتعلق بالمشاركة فى أى مفاوضات مستقبلية، يُعبر إدريس عن موقفه بالقول: “نحن نرحب بأى مبادرة جدية ومسؤولة تهدف إلى حل الأزمة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، ولكننا لن نتعامل معها إلا بصفتنا الجديدة كحكومة للسلام وحكومة شرعية”.