أراء وقراءات

تربية الضمير

بقلم / محمد ممدوح أبو الفتوح

الضمير في اللغة هو “الضَّمْر”، أي ما يضمره الإنسان في نفسه ويستره عن أعين الناس، بحيث يصعب على غيره الاطلاع عليه. أما في العُرف الأخلاقي، فهو ملكة عقلية نفسية يميز بها الإنسان بين الخير والشر، وبين الحسن والقبيح، فيدفعه ذلك إلى الإقبال على الخير والنفور من الشر.

وقد أجمع الفلاسفة وعلماء الأخلاق على أن عمل هذه الملكة إيجابي، فهو بمثابة البوصلة الأخلاقية التي تُوجه السلوك وتُقوِّم الأخلاق. فالضمير قوة داخلية دافعة نحو عمل الخير، ومانعة من الوقوع في الشر، وهذه القوة تنبع أساسًا من شعور الإنسان بقبح السيئات وحُسن الحسنات. وكلما كان هذا الشعور قويًّا، كان أثر الضمير أعمق وأوضح.

العلم وحده لا يكفي

يتضح لنا من ذلك أن تربية الضمير تبدأ من العلم، أي معرفة ما ينفع وما يضر، وما يُمدح وما يُذم من الأقوال والأفعال والصفات. لكن العلم وحده لا يكفي، بل لا بد أن يصحبه شعور داخلي بقيمة هذه الأفعال، من حيث صلاحها أو فسادها، ونفعها أو ضررها.

فالشعور هو الطاقة المُحركة، التي تدفع الإنسان إلى التمسك بالخير والإعراض عن الشر. ولهذا السبب، كانت التربية عملاً مكمّلاً للتعليم، لأن التربية تُغذّي الشعور وتُنمي الحس الأخلاقي، بينما يظل العلم وحده جافًا إذا لم يُترجم إلى سلوك.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعادلة في قوله تعالى:
“أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ “ (الجاثية: 23)،
فهو إنسان عالم، لكنه لم يُفعّل هذا العلم في ضميره وسلوكه.

نماذج قرآنية للهداية بالضمير

يُبرز القرآن كذلك قيمة الضمير في قوله تعالى:
“مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ “ (ق: 33)،
فالخشية هنا نابعة من ضمير حي، وقلب يقظ، يُراقب الله في السر قبل العلن.

إن تربية الضمير، إذن، هي تربية القلب والعقل معًا، وهي مسؤولية لا تقع فقط على المؤسسات التعليمية، بل على كل من يسهم في صناعة الإنسان الصالح والمجتمع الراقي.

مناصرة الكيان الصهيوني رِدّة حضارية وأخلاقية 2

محمد ممدوح أبو الفتوح

الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.