حين يمر الزمن.. ويكبر الأب

بقلم / كريم صبحي
يمر الزمن سريعًا، وها هو الأب الذي كان رمزًا للقوة والصلابة، يخطو خطواته ببطء، ويشعر بثقل السنوات التي مضت. حين يكبر الأب، لا يتغير حبه، ولا يتبدل عطاؤه، لكنه يصبح أكثر احتياجًا لمن كان يومًا يسندهم بيده، ويقويهم بكلمته.
ذاكرة الطفولة المحفورة في الوجدان
كان يومًا يحملني على كتفيه، يركض بي كأن لا شيء في الدنيا يثقله. كان صوته جهوريًا يملأ البيت دفئًا، وضحكته تُشعرنا بأن كل شيء سيكون على ما يرام. لم نكن نلاحظ حينها التجاعيد التي بدأت تزحف على وجهه، ولا الخطوات التي صارت أبطأ يومًا بعد يوم.
تبدّل الأدوار.. وسندٌ لا يسقط
كبر أبي. لم يعد يحملني على كتفيه، بل صرت أنا من يسنده حين يتعثر. ينسى الأسماء أحيانًا، ويتردد كثيرًا قبل اتخاذ قرار بسيط. لم يعد صوته عاليًا كما كان، ولا خطواته سريعة كما اعتدنا. لكنه ما زال هو القلب الذي ينبض حنانًا، والذاكرة التي تحفظ تفاصيلنا الصغيرة. كانت الحياة قاسية عليه، لكنها لم تنجح يومًا في كسره. حتى حين انحنى ظهره، بقي شامخًا في عينيّ.
صمت الآباء أبلغ من الكلمات
عندما يكبر الأب، لا يعود يطلب شيئًا. يخجل من احتياجاته، يصمت كثيرًا، ويكتفي بمراقبتنا من بعيد. يفرح لفرحنا، ويحزن في صمت حتى لا يُثقل علينا. يصبح الطفل الذي نحتاج إلى العناية به، رغم أن قلبه لا يزال قلب الأب الذي يخاف علينا أكثر مما يخاف على نفسه.
رسالة وفاء في نظرة.. ودعاء في لمسة يد
عندما يكبر الأب، يصبح حضوره أعمق، وصمته أبلغ. يصبح النظر في عينيه رسالة وفاء، ولمسة يده دعاء لا ينقطع. يحتاج منا إلى الصبر كما صبر علينا، وإلى الاهتمام كما اهتم بنا، وإلى الكلمة الطيبة التي كانت تخرج من فمه لتداوي جراحنا.
لحظات الضعف التي لا تنقص من الهيبة
كم هو موجع أن ترى من كان سندك يضعف أمامك. أن تسمع تنهّداته بدلًا من ضحكاته. أن تبحث في عينيه عن القوة التي لطالما احتميت بها، فلا تجد إلا التعب والحنين.
كبر الأب، فليكن كبره عزيزًا، وليكن شيبه تاجًا نفتخر به، ولتكن أيامه الأخيرة معنا مليئة بالحب والرعاية والتقدير، كما كانت أيام طفولتنا معه مليئة بالعطاء والتضحية.
كلمة أخيرة إلى أبي
أبي… سامحني إن قصّرت، واغفر لي إن انشغلت عنك.
فكل ما أنا عليه اليوم، هو بفضلك.
وكل ما سأفعله من الآن فصاعدًا، سيكون لأجلك.