احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 16 فبراير 2024….حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

الأهداف الدافعة للكلام حول هذا الموضوع :

يدفعني للكلام في هذا الموضوع عدة أسباب منها:

أولا: لوقوف على كمال هذا الدين وتمام النعمة، وأن الله ما فرط في الكتاب من شيء

ثانياً: لبيان مكانة ومنزلة النشء في الإسلام وما له علينا من حقوق ضرورية أو حاجية أو تحسينية .

ثالثاً: خطورة قضية التربية ومدى عناية الإسلام بها.

رابعاً: عدم احتياجنا لأعياد أو محاضن غربية أو شرقية لنشءنا، فلنا السبق في هذا كله.

هذا وغيره من الفوائد هو ما دفعني للكلام في حق الطفل ورعايته بين

الضروريات والحاجيات والتحسينيات.

خامساً: ولأننا في أمس الحاجة إلى التذكير بهذا الحق و أظهار هذه الرعاية.

سادساً: لتحصيل ما نستطيع تحصيله من فوائد وثمرات الحفاظ على حقوق هذا النشئ علينا والتي منها:

إخراج الجيل القوي علميًا وصحياً ونفسيًا وتربويًا لأنه هو أحب إلى الله من الضعيف؛ فــ«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ »().

أن يكون من السَبْعَةِ الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:…وفيه: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ”

لأن الوفاء بهذه الحقوق من شأنه أن يبعد الشّيطان عن النشء ويجلب لهم البركة.

إخراج جيل يستطيع القيام بالأعباء المنوطة به وبأمته .

لإخراج الجيل الصالح المصلح كمًا وكيفًا.

ولأن صلاح الولد حسنات للوالد ومن شاركه.

أما حق الطفل الضروري فَهِيَ الأُْمُورُ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا فِي قِيَامِ مَصَالِحِ الطفل الدِّينِية وَالدُّنْيَوية ولا تقوم إلا بها وتتمثل في الضروريات الخمسة وهي الحفاظ على 1- دينه 2- عقله 3- نفسه 4- ماله 5- نسله :

أماالضرورى الأول في تربيته والعناية وهو الحفاظ على دينه وذلك يكون بأمرين رأيسيين :

أحدهما : الحفاظ على عقيدته وفطرته وإيمانه.

والثانى : الحفاظ على عباداته:

أما الحفاظ على عقيدته وفطرته وإيمانه فيكون باتباع التالى:

العناية بدين الطفل منذ الولادة:فكل مولود يولد على الفطرة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟» ثُمَّ يَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم: 30] الْآيَةَ()،ولقوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].

ومن صور العناية بدينه وعقيدته منذ الولادة:

الأَذَانُ فِي أُذُنِ الطفل المَوْلُودِ:

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ»

تلقين الطفل كلمة التوحيد أَوَّلَ مَا يُفْصِحُ:

فعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: “كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَوَّلَ مَا يُفْصِحُ أَنْ يُعَلِّمُوهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا يَتَكَلَّمَ بِهِ ” ().

وعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ “يُعَلِّمُ الْغُلَامَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِذَا أَفْصَحَ سَبْعَ مَرَّاتٍ: { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (111) سورة الاسراء.

العناية بالطفل إيمانياً وحضه على تعلم الْإِيمَان حتى قبل تعلم الْفِقْه وَالْقُرْآن :

عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا»

التدريج إلى الإرشاد وترتيب درجات الاعتقاد:

قال الغزالى تحت عنوان :في وجه التدريج إلى الإرشاد وترتيب درجات الاعتقاد :” اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوه ليحفظه حفظاً ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئاً فشيئاً فابتداؤه

الحفظ

ثم الفهم

ثم الاعتقاد والإيقان والتصديق به وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان فمن فضل الله سبحانه على قلب الإنسان أن شرحه في أول نشوه للإيمان من غير حاجة إلى حجة وبرهان وكيف ينكر ذلك وجميع عقائد العوام مباديها التلقين المجرد والتقليد المحض نعم يكون الاعتقاد الحاصل بمجرد التقليد غير خال عن نوع من الضعف في الابتداء على معنى أنه يقبل الإزالة بنقيضه لو ألقى إليه فلا بد من تقويته وإثباته في نفس الصبي والعامي حتى يترسخ ولا يتزلزل وليس الطريق في تقويته وإثباته إن يعلم صنعة الجدل والكلام بل يشتغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخاً بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه وبما يرد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها وبما يسطع عليه من أنوار العبادات ووظائفها وبما يسري إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم وسيماهم وسماعهم وهيآتهم في الخضوع لله عز وجل والخوف منه والاستكانة له فيكون أول التلقين كإلقاء بذر في الصدر وتكون هذه الأسباب كالسقي والتربية له حتى ينمو ذلك البذر يقوى ويرتفع شجرة طيبة راسخة أصلها ثابت وفرعها في السماء ” . ()

5- دعوة الطفل أو الاطفال غير المسلمين إلى الإسلام:

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ ﷺ ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ ﷺ ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ”

تربية الطفل على حب الله تعالى والاستعانة به:

– عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، الحديث»

تربية الطفل على الخوف من الله تعالى ومراقبته:

– عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ: «لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَفيه ..وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ»

تربية الطفل على محبة النبي ﷺ وآل بيته الأطهار وأصحابه الكرام:

ولهذه المحبة صور منها:

عدم إفشاء سر الحبيب المحبوب ﷺ:

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ سِرًّا، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ

و من ثمرات محبة الطفل للرسول ﷺ:

1- حرصهم على قتال من كان يؤذي النبي ﷺ :

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ – حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا – فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟»، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟»، قَالاَ: لاَ، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلاَكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ»، وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ، ” قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا، وَإِبْرَاهِيمَ أَبَاهُ ” ().

2- حبهم لما يحبُّ النبي ﷺ ، وكراهيتهم لما يكرهه :

فعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خُبْزًا وَمَرَقًا، فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ «يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةِ»، قَالَ: «فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ»

– تربية الطفل على الثبات على هذه العقيدة حتى الممات:

وذلك من خلال التربية بالقصة كقصة غلام الأخدود قدوة للأطفال:

عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ” كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ ” ().

والأمر الثانى : الحفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاظ على عباداته:

وذلك يكون باتباع الآتى:

– تربية الأطفال بأمرهم بالصلاة وتعليمهم إياها :

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» »

أخذ الطفل إلى المسجد :

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ صَلاَةَ الأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا، أَوْ رِيحًا، كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ

ربط الطفل بالمسجد :

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، وَلِأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا”

عناية الإسلام بالأطفال والرضع في باب الصوم:

عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ»، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ

عناية الإسلام بالأطفال والرضع في باب الحج :

أ- عَبْدَ اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَقْبَلْتُ وَقَدْ نَاهَزْتُ الحُلُمَ، أَسِيرُ عَلَى أَتَانٍ لِي «وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى» حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ نَزَلْتُ عَنْهَا، فَرَتَعَتْ، فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ.

أماالضرورى الثانى في تربية الطفل والعناية وهو الحفاظ على عقله وذلك يكون باتباع التالي:

الأطفال يُوَقَّوْنَ مَا يُوَقَّاهُ الْكِبَارُ وَتُمْنَعُ مِنْ تَعَاطِيهِ وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بِالفَارِسِيَّةِ: «كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»

أماالضرورى الثالث في تربية الطفل والعناية به وهو الحفاظ على نفسه وذلك يكون بالحفاظ عليه جسدياً وصحياً:

وذلك يكون باتباع التالي:

بعد حسن الاختيار للزوجة والعناية بها وبحملهاوالنفقة عليها أثناء الحمل

والرضاع حتى بعد الطلاق رعاية لحق الطفل والجنين :{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } [الطلاق: 6] بل وتراعى إرضاعه المدة التى قررها القرآن بقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .

أماالضرورى الخامس في تربية الطفل والعناية وهو الحفاظ على نسله وذلك يكون باتباع التالى:-

عناية الإسلام بتزويج الصغار:

عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي ﷺ تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا .

النهى عن العزل: «ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ»،

عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، فِي أُنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ، فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا»، ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ»، زَادَ عُبَيْدُ اللهِ فِي حَدِيثِهِ: عَنِ الْمُقْرِئِ، وَهِيَ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}،

– عناية الإسلام بحياة الأطفال حتى في الحروب والمعارك:

عن عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ ﷺ مَقْتُولَةً، «فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»

حق الطفل ورعايتــــــــــــــــــــــــــــــــــــه الحاجيـــــــــــــــــــــــــــة:

و هى الحقوق الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَلَكِنَّهَا لاَ تَصِل إِلَى حَدِّ الحقوق الضَّرُورَية المتقدمة،ولكنها إِذَا لَمْ تُرَاعَ دَخَل عَلَى الطفل الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ، وَلَكِنَّ تركها لاَ يَبْلُغُ مَبْلَغَ الْفَسَادِ الْعَادِيِّ الْمُتَوَقَّعِ فِي مَصَالِحِ الطفل الْعَامَّةِ والتى تقدمت في الضروريات.

وَلذ تَأْتِي الحاجيات فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الضَّرُورِيَّاتِ، أَمَّا التَّحْسِينِيَّاتُ فَتَأْتِي فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ () .

فالحاصل أن الحاجيات هى الحقوق التى يترتب على تركها وقوع لطفل في مشقة وحرج كحقه في التربية و التعليم ولتحصيل ذلك الحق وتحقيقه للطفل علينا باتباع الآتى:

تربية الطفل على تعلم القرآن الكريم():

عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا»

حق الطفل ورعايته التحسينية :

حق الطفل ورعايتــــــــــــــــــــــــــــــــــــه التحسينيـــــــــــــــــــــــــــة:

وَأَمَّا التَّحْسِينِيَّاتُ فِي اصْطِلاَحِ الأْصُولِيِّينَ: فَهِيَ مَا لاَ تَدْعُو إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ وَلاَ حَاجَةٌ، وَلَكِنْ تَقَعُ مَوْقِعَ التَّحْسِينِ وَالتَّيْسِيرِ وَرِعَايَةِ أَحْسَنِ الْمَنَاهِجِ فِي الْعَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ ()

وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: تَحْرِيمُ الْخَبَائِثِ مِنَ الْقَاذُورَاتِ وَالسِّبَاعِ حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ ()

العناية بالطفل سلوكياً وأخلاقياً:

بيان منهج الإسلام في تكوين القيم الخلقية يتأتى كما يلي:

باستطلاع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تطالعنا طريقة فذة في معالجة القيم الخلقية من حيث تكوينها لدى الفرد المسلم والجماعة المسلمة. وقد أتى الإسلام لا ليصطدم مع الطبيعة البشرية بل ليضبطها، ويفجر أحسن ما فيها، وقد أقام السلوك على أساس خلقي ضابط بوعي واختيار واع وذلك كما يلي:

1- اهتم القرآن الكريم في مرحلته المكية ببناء الإيمان في نفوس الناس، والدعوة إليه بكافة الوسائل، وذلك بلفت النظر إلى خلق الله، والتأمل فيه، للاستدلال على الخالق- عز وجل- والإيمان به، والتصديق بما أنزله على رسوله.

2- وقد صحح القرآن علاقة الإنسان بما حوله بأن جعلها علاقة تعاطف وتعارف، فلا عبودية لها ولا تأليه، ولا استهانة ولا إنكار، وقد ربى القرآن الإنسان على حضور واع، واتخذ في هذا السبيل طرقا مختلفة لعملية التصحيح هذه، وهي لازمة لتكوين قيم صحيحة سليمة، وكان أول ما قام به هو تصحيح علاقة الإنسان بالله الخالق الراعي لخلقه المعتنى بهم، الرحيم، المبدع، التواب. وهو الواحد؛ غرس في نفس المسلم التوحيد، الذي دفع الإنسان إلى حب الخير وفعله، وتجنب الشر وكراهيته، وبالتالي كانت العلاقة بين الإنسان والله طريق الإنسان إلى الكمال، وكانت طريقا إلى امتلاء قلب الإنسان بالولاء والانتماء إلى الله وحده، ومنهجه الذي إذا تمسك به الإنسان أصبح إنسانا فاضلا يسارع إلى فعل الخيرات، ويبتعد عن فعل الشر، وبالتالي يتصف الإنسان بمكارم الأخلاق، ويتشبه بأخلاق الله تعالى من حيث الاتصاف بالكمالات والتنزه عن النقائص.

3- وصحح القرآن علاقة الإنسان مع نفسه ثم مع من حوله من الناس، وذلك بعد أن ضبط حركته بقيم خلفية معينة تجاه الخالق والأشياء، والآيات المدنية تأتي لبناء الإرادة الإنسانية وتكوين القيم السليمة لعلاقات الإنسان بنفسه، وبالإنسان في مجتمعه، وللجماعة كلها بعد أن قام البناء الإيماني في نفس المسلم.

4- وأتم رسول الله ﷺ بناء القيم الخلقية في النفوس المسلمة، وكانت طريقته في ذلك أبدع ما تكون الطريقة، وأساليبه أشهر ما تكون وأعظم، في ضربه المثل الأعلى والقدوة الصالحة من ذاته، في نفسه، وفي مجالسه، وتوجيهاته، وأفعاله، وأقواله، وباستخدام كافة الطرق لاستثارة إمكانيات الإنسان من أجل تمثل القيم الخلقية، والأمثلة على ذلك كثيرة في مواقف الرسول ﷺ ، نذكر منها- على سبيل المثال- ما يتعلق بمجلسه ﷺ ، فقد كان- كما جاء في حديث هند بن أبي هالة: «مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبّن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح ولا يقبل الثناء إلا من مكافيء» .

ولا عجب أن نجد في أثناء حياته ﷺ وبعدها مجتمعا إسلاميا ملتزما، وفردا مسلما ملتزما توجهه قيم خلقية صحيحة في كافة نواحي سلوكه المختلفة. ونجد الأفراد في المجتمع الإسلامي أصحاء أزكياء مبدعين ملتزمين بالإسلام..

وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية

لتنمية القيم في المجتمع الإسلامي وسائل عديدة ومتنوعة منها:

أ- العبادات:

العبادات هي الأسلوب العملي والوسيلة الأولى في التربية (أي عبادة الله حق العبادة) إلا أن العبادات ليست من وسائل التربية الروحية فقط، ولكنها من وسائل تربية الإنسان المسلم ككل، ففي العبادات تربية جسمية وتربية اجتماعية وتربية خلقية وتربية جمالية وكذلك تربية عقلية (انظر صفة العبادة) .

فالصلاة تربي الإنسان خلقيا وعقليا، فهي تربط الإنسان بالله، كما أنها تقوي إرادة الإنسان وتعوده على ضبط النفس والصبر والمثابرة»().

يقول الله تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].

ب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق:

القرآن الكريم يوصي ويفرض ضرورة التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر، يقول سبحانه وتعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] ، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [آل عمران: 110]

والتنبيه إلى الشر والضرر والنهي عنهما، هو من صميم الأساليب التربوية الإسلامية لتنمية القيم والأخلاق الإسلامية في نفس المسلم، وفي الحديث الشريف أن أبا ذر لما بلغه مبعث النبي ﷺ قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع فقال: «رأيته يأمر بمكارم الأخلاق» ().

ولما كانت هذه الوسيلة من أهم الوسائل التربوية التي حث عليها القرآن الكريم والتي يتحقق بها الهدف من التربية، لأنها تقوم بصيانة الحياة من الشر والفساد وفي هذه الطريقة يتحقق المبدأ الديمقراطي في التربية.

ج- ضرب الأمثال:

كما تضرب الأمثال لتربية الإنسان تربية روحية وخلقية- ففي الحديث الشريف عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر، ولا ريح لها» ().

(د) الموعظة والنصح:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». ().

هـ- القدوة:

الأم والأب

وأثر القدوة في التربية

القدوة في التربية هي أفعل الوسائل جميعا وأقربها إلى النجاح، فمن السهل تأليف كتاب في التربية ومن السهل تخيل منهج، وإن كان في حاجة إلى إحاطة وبراعة وشمول ولكن هذا المنهج يظل حبرا على ورق، ويظل معلقا في الفضاء ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض، وما لم تتحول إلى بشر يترجم بسلوكه وبتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ المنهج ومعانيه. عندئذ فقط يتحول المنهج إلى حقيقة، يتحول إلى حركة، يتحول إلى تاريخ ولقد علم الله – سبحانه وتعالى – وهو يضع ذلك المنهج العلوي المعجز أنه لابد من ذلك بشر، لابد من قلب إنسان يحمل المنهج ويحوله إلى حقيقة لكي يعرف الناس أنه حق ثم يتبعوه لابد من قدوة .. ().

ولأن الناس كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض ().

لذلك وضع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قدوة وهم الأنبياء بوجه عام وإبراهيم – عليه السلام – بوجه خاص، وذلك في قوله تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].

 

.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.