الصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 3ديسمبر 2021…. إنسانية الحضارة الإسلامية

كتب/هاني حسبو.

خلق الله الخلق وجعل الإسلام هو الدين الذي ينظم لهم شئونهم ويلبي لهم حاجاتهم.

ومن أعظم الجوانب التي اهتم بها الإسلام والحضارة الإسلامية جانب”الإنسانية”.

تلك الصفة التي تعلي من شأن الفرد وتجعله فاعلا ومتميزا في المجتمع.

تتجلى الإنسانية في الإسلام في عدة وجوه منها:

أن لفظ “الإنسان”ورد في القرآن في أكثر من ستين موضعا صريحا كما ورد بألفاظ أخرى كلفظ الناس وبني ادم والبشر ونحو ذلك.

بل إن أول سورة نزلت في القران ذكر فيها لفظ الإنسان مرتين قال تعالى:

“اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 – 5].

بل جعل الله عز وجل سورة كاملة في القرآن بإسم”الإنسان”ليعلمنا إن هذا هو كتاب الإنسان الذي ما نزل الا لأجله.

ومن عظيم اهتمام الاسلام بالإنسان التصريح بتكريم الإنسان وبني ادم والبشر قال تعالى:

“ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا “الإسراء 70.

وصرح القران أيضا بأن الإنسانية أسرة واحدة فقال تعالى:

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا “[النساء:1].

ومن أعظم مظاهر الإنسانية في القرآن ما حوله الكتاب العزيز من عبادات ومعاملات تظهر فيها جوانب الإنسانية منها:

فالصلاة مثلا يراعى فيها رفع الحرج عن المريض فهذا عمران بن الحصين  يقول:

‘كان بي البواسيرُ ، فسألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عن الصلاةِ ، فقال : صلِّ قائمًا ، فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا ، فإن لم تستطعْ فعلى جنبٍ” رواه البخاري.

وكذا راعى الإسلام الكبير والمريض وذا الحاجه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدُكم للناس فلْيُخفِّفْ؛ فإن فيهم الضعيفَ والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدُكم لنفسه، فليُطوِّلْ ما شاء))؛ متفق عليه، وفي رواية: ((وذا الحاجة)).

بل إن الإسلام راعى النساء والأطفال .

“إنِّي لأدخلُ في الصلاةِ أريدُ أن أطيلَها فأسمعُ بكاءَ الصبيِّ فأتجوزُ في صلاتي خشيةَ أن تُفتنَ أمُّهُ”

رواه ابو داوود.

وكذلك الزكاة والصدقة شرعنا لتهذيب النفس البشرية من الشح والبخل وتزكية النفس قال تعالى:

“خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم”التوبة 103.

كما شرعت الزكاة لإعانة الفقراء على القيام بأعباء الحياة المادية وتأليفا للقلوب وجمعا للكلمة حينما يجود الأغنياء بجزء من أموالهم للفقراء قال تعالى:

‘إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.التوبة 60.

وعلى الجانب الآخر نجد أن السنة تظهر جانب الإنسانية في الإسلام بشكل واضح وبين وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

“لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ رواه مسلم”

كما ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين السماحة في البيع والشراء وبين دخول الجنة :

“رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى ))

وشدد النبي صلى الله عليه وسلم على الغش وجعل من يفعل ذلك أنه ليس من أمته وليس على هديه وسنته:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا. فقال: ((ما هذا يا صاحب الطَّعام؟ قال: أصابته السَّماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطَّعام كي يراه النَّاس؟ من غشَّ فليس منِّي”

ومن صور إنسانيته صلى الله عليه وسلم أنه جعل لكبار السن مكانة خاصة جدا فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ’.

وبلغت الإنسانية ذروتها عندما أظهرها النبي صلى الله عليه وسلم حتى مع اليهود وفي ذلك :

أنَّ غلامًا يهوديًّا كان يخدُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فمرِض فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعُودُه فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( أسلِمْ ) فنظَر إلى أبيه وهو جالسٌ عندَ رأسِه فقال له أطِعْ أبا القاسمِ قال: فأسلَم قال: فخرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عندِه وهو يقولُ: ( الحمدُ للهِ الَّذي أنقَذه مِن النَّارِ ).

واخيرا نجد اية واحدة في القران جمعت خصال الإنسانية كلها وهي قوله تعالى:

‘خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، الأعراف (199)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.