احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 30ديسمبر 2022….عناية القرآن بالزمن والزمان

اعداد/ الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

لقد أكد القرآن الكريم على أهمية الوقت مرارًا، وفي سياق مختلف وبصيغ متعددة؛ منها: الدهر، الحين، الآن، اليوم، الأجل، الأمد، السرمد، الأبد، الخلد، العصر، وغير ذلك من الألفاظ الدالة على مصطلح الوقت، وقد يكون لبعضها علاقة بالعمل وطرقه، أو له علاقة بالإدارة وتنظيمها، أو تعلق بالكون والخلق، أو ارتبط بعلاقة الإنسان بربه من حيث العقيدة والعبادة.

تتجلى أهمية الوقت في عدة نقاط:

أولًا: الوقت نعمة إلهية:

إن نعم الله على العباد لا تعد ولا تحصى، قال جل شأنه: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]. ومن أَجَلِّ تلك النعم وأعظمها نعمة الوقت، الذي هو من أصول النعم، فالوقت هو “عمر الحياة، وميدان وجود الإنسان، وساحة ظله وبقائه ونفعه وانتفاعه، وقد أشار القرآن إلى عِظم هذا الأصل في أصول النعم، وألمح إلى عُلوّ مقداره على غيره، فجاءت آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الزمن ورفيع قدره وكبير أثره” (). يقول الله عزَّ وجلَّ في معرض الامتنان على الإنسان وبيان عظيم فضله عليه: { {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34:33].

ثانيًا: الوقت مسؤولية:

وهذه النعمة العظيمة على الإنسان في تنظيم وقته سيسأله الله تعالى عنها.

قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [التكاثر:8].

والنعيم لفظ عام، فهو يشمل كل ما يتنعم به الإنسان في الدنيا، سيسأل عنه يوم القيامة ().

والوقت من أجل النعم، وقد أورد الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية حديثا عن النبي ﷺ في الإشارة إلى نعمة الوقت والحث على اغتنامها: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي ﷺ: (نعمتان مغبونٌ () فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) ().

ثم قال ابن كثير: «ومعنى هذا: أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون».

لذا سنسأل عنه :

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ».

ونحن نلحظ من هذا الحديث أن الإسلام يعتبر الوقت وحدة متكاملة لا تتجزأ، ويطالب المسلم باغتنام عمره بعامّة وفترة شبابه بخاصّة؛ باعتبارها فترة حافلة بالحركة والعمل والإنتاج. ومن هذا المنطلق جاء قول

ثالثاً: الوقت أغلى من المال:

الوقت في الحضارة الغربية والنظرية المادية للإدارة وغيرها فإنه لا يخرج عن نطاق المثل الشائع عندهم الوقت مال Time is money) ( ().

وإذا قارنّا هذه العبارة بقول الحسن البصري رحمه الله: (أدركتُ أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على درهمه ودنانيره.

رابعاً: الوقت عمر الإنسان، ورأس ماله

الوقت عمر الإنسان، ورأس ماله، ولولا الوقت لما تعلم متعلم ولا وصل سائر، ولولا الوقت لما بدا من اجتهاد نبي الله نوح عليه السلام في دعوته لقومه ما بدا، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)} [العنكبوت:14].

ولولا الوقت لما تعجب من قصة أصحاب الكهف من تعجب، {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)} [الكهف:25].

ولما كان الوقت بتلك الأهمية والقيمة في حياة الإنسان، أشار القرآن الكريم إلى أهميته، لينبه على ضرورة اغتنامه وصرفه فيما ينبغي من العبادات وأعمال البر التي يهدي إليها القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9].

خامساً:الوقت غنيمة:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» ().

لقد لخّص النبيُّ ﷺ في هذه الكلمات الموجزة البليغة ما تناوله الباحثون في كتب عديدة، وهذا من جوامع الكلِم، إذ تحدّث عن أهمية الوقت والمبادرة إلى استثماره واغتنام قوة الشباب، وفرص الفراغ في العمل الصالح المثمر، وحذر من خمس معوّقات تحول دون استثمار الأوقات، كل ذلك في عبارات وجيزة لا تبلغ كلماتها العشرين.

سادساً:الوقت وعاء العبادة:

الصلاة والزكاة والصيام والحج، جميعها عبادات محددة بأوقات معينة، لا يصح تأخيرها عنها، وهي لا تُقبل إلا إذا أُدِّيت في أوقاتها المعتبرة شرعًا؛ فهي مرتبطة إذًا ارتباطاً وثيقاً بالوقت، الذي هو عبارة عن الظرف أو الوعاء الذي تؤدى فيه.

ومن الإشارات القرآنية التي تدل على أهمية الوقت وفضله ما يلي:

أولًا: القسم بالوقت:

ولعظم مكانة الوقت أقسم الله تعالى به على مختلف أطواره (الليل، والنهار، والفجر، والصبح، والضحى، والعصر) في عدة مواضع من كتابه الكريم، ومما لا شك فيه أن الله تعالى إذا أقسم بأمر فإنما يدل هذا القسم على مكانة المقسم به العالية، وأهميته البالغة، ومنافعه الحسية والمعنوية التي يريد لفت أنظار الناس إليها.

فقد أقسم تعالى بالفجر، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ (1)} [الفجر:1] كما أقسم بالصبح في قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} [المدثر:34].

وقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} [التكوير:18].

القسم بعمر الرسول الذى هو ابرك عمر في الوجود:

قال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]

معناه وحياتك , وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً وقال: ما أقسم الله تعالى بحياة غيره ()

ثانياً: ارتباط الوقت وتعاقب الليل والنهار بالغاية من الخلق،و لِعِبَادَةِ عِبَادِهِ لَهُ:

قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].

ثالثاً: ارتباط العبادات جميعها بمواعيد ومواقيت محددة:

أما الصلوات الخمس، التي قال الله فيهن: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء: 103] أي ” مفروضة لوقت بعينه”

وأما الزكاة؛ فإنها لا تجب في المال حتى يتحقق فيه شرطان:

الأول : بلوغ النصاب؛ .

والثاني : حولان الحول أي سنة كاملة، فإذا تحقق هذان الشرطان وجبت الزكاة في المال إذا كان من النقدين، أي من الذهب والفضة، أو من عروض التجارة، وهو كل ما أعدَّه مالكه للبيع والشراء والمتاجرة، أما الزُّروع فإنّ زكاتها تجب عند الحصاد، قال الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا} [الأنعام: 141]. أي “ادفعوا زكاته يوم جَزِّه وقَطْعِه” () .

وأما الصوم فهو مؤقت برؤية الهلال ابتداءً وانتهاءً، قال الله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة: 185].

واما الحج ،فمحدداً بوقت معلوم () ؛ كما قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } [البقرة: 197] وقال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]

ارتبط التقويم الإسلامي بالأشهر القمرية التي تبدأ ببزوغ الهلال وتنتهي باختفائه وبزوغه من جديد ليعلن عن ميلاد شهر جديد، وقد سُئل النبيُّ ﷺ عن فائدة ذلك فأنزل الله عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]أي “هي مواقيت لكم، تعرفون بها أوقات صومكم وإفطاركم، ومَنْسَك حَجَّكم”

الأذكار والنوافل الموقته بالصباح والمساء والضحى والليل:

المسلمُ يتوجه إلى ربّه في كل صباح ومساء، بل في كل حين وعلى كل حال بالأذكار والنوافل الموقته بهذه المواقيت ، تحقيقاً لمثل قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130] { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } [غافر: 55] {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } [ق: 39، 40] {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 48، 49]

{ وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } [آل عمران: 41]

رابعاً: الثناء على مستثمري الوقت:

ومما يبين اهتمام القرآن الكريم بالوقت وعنايته به: ثناؤه على مستثمريه من العباد والصالحين والدعاة وغيرهم من الطائعين لرب العالمين، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.

صور من الثناء على مستثمري الوقت من القرآن:

قال الله تعالى في وصفه المحسنين من عباده: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:16 – 18].

كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلى السحر، ثم في السحر أخذوا في الاستغفار ()، فمدح الله أفعالهم وانتفاعهم بوقتهم.

الثناء على دائم الطاعة بالليل والنهار: قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9].

قوله في مدح صفوته وأحبائه: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64].

العقلاء هم الذين يستغلون أوقاتهم على جميع الهيئات قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم قال الله تعالى الثناء عليهم : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 – 191].إنهم يستغلون أوقاتهم على جميع الهيئات قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم، ولذلك كانوا أهلًا لاستجابة الله لهم، وإكرامه لهم، {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195].

إخباره تعالى عن نبيه زكريا عليه السلام ومسارعته في الخير: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء:90].فمدحه تعالى في إسراعه بالخير ودعائه له، وذلك كله من زكريا من حسن تصرفه في وقته وعمارته له.

خامساً: توبيخ مضيعي الوقت:

ومما يبين اهتمام القرآن الكريم بالوقت وعنايته به: توبيخه لمضيعيه من الكفرة والعصاة والغافلين عن طاعة رب العالمين، ممن أضاعوا أوقاتهم في اللهو واللعب، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.

صور من توبيخ مضيعي الوقت من القرآن:

قال الله تعالى في وصف حال أهل النار: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [فاطر:37].

فأخبر تعالى عن صراخهم واستغاثتهم وعويلهم ()، يقولون: ربنا أخرجنا من هذه النار لكي نعمل صالحا غير ما كنا نعمل في دنيانا من قبل، فيقال لهم جوابا على ما طلبوه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} «والاستفهام تقريع للتوبيخ والتعمير: تطويل العمر، كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة:96]»

التعريض بالكفرة لإضاعتهم أوقاتهم في اللعب والخوض في الباطل، وتوعدهم بالعذاب :

قال تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ }

سادساً: المفاضلة بين الأعمال بسبب الوقت:

ومن اهتمام القرآن بالوقت واعتنائه به أنه فاضل بين بعض الأعمال بسبب الوقت والتبكير فيه.

من صور تفضيل الأعمال بالوقت من القرآن:

السبق إلى الإسلام والهجرة:قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة:100].

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ:«لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ» ().

وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»

النفقه والجهاد قَبْلِ الْفَتْحِ وبعده لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

سابعاً: استثمار الوقت

لقد حث القرآن الكريم على استثمار الوقت، واستغلاله الأمثل بالعمل الصالح النافع، وذلك لأن الإسلام دين العمل والجد والإنتاج، لا دين الكسل والنوم، وسنبين من خلال المطلبين التاليين مجالات استثمار الوقت، والتي تتمثل في: عبادة الخالق وعمارة الأرض.

أولًا: عبادة الخالق:

من أشرف الأمور التي يجب على المسلم أن يشغل بها أوقاته ويعمرها به هي عبادته لربه وخالقه الذي خلقه وملك أمره، وبيده رزقه وهدايته ومصيره، فبعبادة العبد لربه يحصل نجاته وفوزه وسعادته، وبدونها يكون من الآبقين الخاسرين في الدنيا والآخرة.

والآيات في الأمر بعمارة الوقت في طاعة الله أكثر من أن تحصى، منها قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} [الشرح:7 – 8].

ومن الآيات التي تحث على توظيف الوقت وإعماره في تحقيق العبودية لله، قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } [الأحزاب:41 – 42].

وهي في الإكثار من ذكر الله تعالى وتسبيحه وتعظيمه، وإعمار المؤمن وقته بذلك.

ثامناً:معوقات استثمار الوقت

في هذا المبحث نذكر بعض المعوقات في استثمار الوقت مما أشار إليه القرآن الكريم، وذلك لخطورتها في إضاعة الوقت وإذهابه، وبالله التوفيق.

أولًا: طول الأمل:

وأول هذه المعوقات وأخطرها على الوقت والانتفاع به: هو طول الأمل، بمعنى «استشعار طول البقاء في الدنيا حتى يغلب على القلب فيأخذ في العمل بمقتضاه».

وقد ذكره الله تعالى في صفات أهل الكفر والشرك، قال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

والسبب في طول الأمل عند هؤلاء، واغترارهم به عدم رجائهم للقاء الله وحسابه، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)} [يونس:7].

وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)} [النبأ:27].

ثانيًا: الجهل بقيمة الوقت:

ومن أعظم أسباب إضاعة الوقت الجهل بقيمته، ولو فكر الإنسان في أن ما مضى من الوقت لن يعود ولا يعوض، لاغتنم كل لحظة من عمره فيما يعود عليه بالنفع عاجلا وآجلا، وقد قال الله تعالى في حق المال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5].

وذلك لأن السفيه لا يعرف قيمة المال، ولا يحسن التصرف فيه فيضيعه، فمن لم يعرف قيمة الشيء تهاون فيه وضيعه، وأما الوقت فما أكثر السفهاء في حقه، من الذين يضيعون أعمارهم وأوقاتهم في الباطل واللهو واللعب وتفاهات الأمور، ومن هؤلاء الجاهلين لقيمة الوقت، المضيعين له، أهل الكفر والشرك.

قال تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)} [المؤمنون:112 – 114].

ثالثًا: ضعف الإرادة والعزيمة:

من أهم أسباب استغلال الوقت والانتفاع به وجود الإرادة القوية والعزيمة الصادقة، وبدونهما يضيع الوقت هباء منثورا، وكلما قويت إرادة العبد واشتدت عزيمته كلما استثمر أكبر قدر من الوقت، والعكس صحيح، فكلما ضعفت هذه الإرادة وقلت العزيمة كلما ضاعت الأوقات سدى.

وقد أشار الله تعالى إلى لزوم تحقق الإرادة في الانتفاع بالوقت.

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)} [الفرقان:62]

رابعًا: نسيان الآخرة:

من أهم معوقات استثمار الوقت نسيان الآخرة وما أعده الله تعالى فيها من النعيم المقيم لمن أطاعه والتزم أوامره، وما توعد به من العذاب الأليم الدائم لمن عصاه وخالف أوامره، فيترك العبد العمل لها، ويضيع أوقاته في الشهوات والملهيات، كما قال تعالى في وصف حال الكفار: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)} [الأعراف:51].

اعتنت الشريعة الإسلامية عناية كبيرة بالوقت، حيث ربطت بين العديد من التشريعات والوقت، كما حرصت على غرس مفهوم العناية بالوقت، وتثبيته في نفوس المؤمنين، وعلى تربيتهم على مراقبة الوقت وحفظه، وبذلك تثمر الشريعة الإسلامية والالتزام بها أجيالا صالحة على مر القرون حتى يرث الله الأرض ومن عليها، تتصف بأكبر قدر من المسؤولية والانضباط، ولا تعرف للكسل والبلادة والفوضى والعشوائية طريقا.

وفي النقاط الآتية سنذكر بعض الشواهد التي تدل على الارتباط الوثيق بين الوقت والكثير من التشريعات المختلفة في مجال العبادات، والكفارات، والمعاملات، وأحكام الأسرة، والآداب، والأذكار، والأدعية.

أولًا: العبادات:

ارتبطت العديد من العبادات بالوقت، وسيتحدث في هذا المطلب عن بعض العبادات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالوقت.

1. الصلاة.

وهي من أعظم الأمور التي تضبط للمؤمن وقته وتنظمه، وقد افترض الله تعالى على المؤمن خمس صلوات في اليوم والليلة، تبدأ بصلاة الفجر، وفيه تعويد للمؤمن على الجد والنشاط، والاهتمام بوقت الصباح، وهو وقت مبارك، كما جاء في الحديث، عن صخر الغامدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) ().

ثم تأتي صلاة الظهر ثم العصر في وسط اليوم ثم المغرب ثم العشاء في آخر اليوم.

قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ?17?وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ?18?) [الروم:17 – 18].

ذهب جماعة من المفسرين إلى أن «المراد بالتسبيح في هذه الآية الصلاة، وأشار بقوله: (حِينَ تُمْسُونَ) إلى صلاة المغرب والعشاء، وبقوله: (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) إلى صلاة الصبح، وبقوله: (وَعَشِيًّا) إلى صلاة العصر، وبقوله: (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) إلى صلاة الظهر» ().

وفي هذه الصلوات تنبيه للمؤمن في كل حين، وإيقاظ لحسه بالوقت وساعاته، ثم إن فيها تدريبًا له على الانضباط به، وذلك لأن هذه الصلوات لها أوقاتًا محددة مضبوطة لا يجوز تقديمها أو تأخيرها عنها، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103].

أي: مفروضة في وقتها، لا تصح إلا به ()، وقال سبحانه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى? وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].

وقال ناهيًا عن إضاعتها، ومتوعدًا من تهاون فيها: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ? فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59].

وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ?4?الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ?5?) [الماعون:4 – 5].

وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) قال: ثم أيٌ؟ قال: (بر الوالدين) قال: ثم أيٌ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) ().

2. الزكاة.

قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ? فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ? وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ?60?) [التوبة:60].

وقد بينت السنة وجوب الزكاة في المال الذي بلغ النصاب، وحال عليه الحول، وأنه ليس في مالٍ زكاةٌ حتى يحول عليه الحول.

عن عليٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا كانت لك مائتا درهمٍ، وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيءٌ – يعني – في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينارٍ، فما زاد، فبحساب ذلك) ().

أما الزروع فتخرج زكاتها وقت الحصاد قال تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ? وَلَا تُسْرِفُوا ? إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام:141].

الصيام.

وقد بين الله تعالى وقته الواجب من كل عام وهو شهر رمضان، فقال عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى? وَالْفُرْقَانِ ? فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ? [البقرة:185].

وبين النبي صلى الله عليه وسلم علامة بدء هذا الشهر المبارك بظهور الهلال، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي (). عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) ().

كما بين تعالى وقت الصيام المحدد من كل يوم من أيام الشهر فقال سبحانه: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى? يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ? ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ?) [البقرة:187].

الحج.

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189].

كما بين تعالى أن للحج أوقات معينة معلومة لا يؤدى الحج في غيرها، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197].

«وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، وقيل: كله» ().

والاقتصار على الحج دون العمرة في الآيتين، لأن العمرة لا وقت لها في فعلها، فلهذا لم يذكرها في الآية ().

وهكذا يظل المؤمن في متابعة لأشهر العام، هذا شهر الصيام وذاك شهر الحج، وهكذا.

ورد في القرآن الكريم ذكر بعض الأوقات المخصوصة وبيان فضلها، وذلك تنبيها عليها وحضا على الانتفاع بها واغتنامها، وهو من طريقة القرآن في الهداية إلى خير الأمور وأقومها، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9].

وسنتحدث عن تلك الأوقات المخصوصة في النقاط الآتية:

أولًا: شهر رمضان:

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185].

فبين تعالى شرف هذا الشهر من بين سائر الشهور، باختياره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه ().

وذهب الجمهور في معنى نزول القرآن إلى أنه: نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مفرقا على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، وقيل: معنى إنزاله في شهر رمضان: ابتداء إنزاله فيه، وذلك لأن مبادئ الملل والدول هي التي يؤرخ بها لكونها أشرف الأوقات ().

وبعد أن بين تعالى فضل هذا الشهر وما حصل فيه من الفضل العظيم بإنزال القرآن المشتمل على الهداية والبيان والفرقان بين الحق والباطل، نبه جل شأنه عباده إلى اغتنام هذا الشهر المبارك، وأن يشكروه تعالى فيما أنعم به عليهم فيه، فأمر بصيامه، فكأنه قال: حقيق بشهر، هذا فضله، وهذا إحسان الله عليكم فيه، أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام ().

وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه) ().

ثانيًا: ليلة القدر:

وقد أنزل الله تعالى سورة كاملة في بيان فضلها، هي سورة القدر، ومما ذكره تعالى فيها من ذلك: أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن.

قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر:1].

وأن العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر خالية منها ().، كما في قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر:3].

وأن الملائكة يكثر نزولها فيها كما في قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} [القدر:4].

قال ابن كثير: «أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له» ().

وما ذكره الحافظ ابن كثير من كثرة بركة ليلة القدر جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)} [الدخان:3].

فالليلة المباركة هي ليلة القدر، ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان ().

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام هذه الليلة المباركة ورغب في ذلك، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) ().

ثالثًا: العشر الأوائل من ذي الحجة:

وقد أقسم الله تعالى بها في قوله: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} [الفجر:2] ().

وقسمه تعالى بها فيه إشعار بفضلها، وهي ليال عظيمة فيها تؤدى مناسك الحج، كالإحرام ودخول مكة وأعمال الطواف، وفي ثامنتها ليلة التروية، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر ().

وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيءٍ) ().

رابعًا: الأشهر الحرم:

وهي أربعة أشهر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

ففي الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، مضر الذي بين جمادى، وشعبان) ().

وقد ورد ذكرها في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} [التوبة:36].

قال الإمام القرطبي: «هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهرًا، لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج ().

وقوله تعالى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: هذا هو الشرع المستقيم، من امتثال أمر الله فيما جعل من الأشهر الحرم، والحذو بها على ما سبق في كتاب الله الأول أي: اللوح المحفوظ ().

وقد خص الله تعالى الأشهر الحرم من بين سائر الشهور بمزيد حرمتها.

خامسًا: يوم الجمعة:

وقد سمى الله تعالى سورة من كتابه باسمه (سورة الجمعة)، جاء فيها ذكر يوم الجمعة في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)} [الجمعة:9].

وهو أفضل أيام الأسبوع ()، كما جاء في الحديث عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) ().

وقد أقسم الله تعالى به كما في قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)} [البروج:3].

أقسم بشاهد، وهو يوم الجمعة، ومشهود وهو يوم عرفةالاسباب المعينة على الحفاظ على الوقت و عمر الإنسان :

ومن الأسباب المعينة على اغتنام الأوقات:

التأسي بالنبي ﷺ في المحافظة على الوقت:

كان النبيُّ ﷺ من أشدِّ الناس حفظًا لوقته؛ فكان لا يصرف وقتًا في غير عمل لله تعالى، أو فيما لا بد منه لصلاح نفسه وصلاح أمته.

عدم النوم قبل العشاء حتى تستطيع أن تنام بعدها مباشرة:

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا»().

اغتنام وقت البكور

عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا». وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ «وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهُوَ صَخْرُ بْنُ وَدَاعَةَ»()

تحويل العادات إلى عبادة

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلاَفٍ، قَالَ: وَاليَمَنُ مِخْلاَفَانِ، ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا»، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ، قَالَ: لاَ أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.