احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق18 نوفمبر 2022…دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية.

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

الأسباب الدافعة للموضوع :

الأمر الأول :

أن الناس في هذه الايام قد تعلقوا بأوهام ظنوا فيها العزة والشرف لهم ولمصرهم حتى وان قلنا انها حقائق وليست أوهام فهى لا تساوي شرف ذكرنا في القرأن تصريحا وتلميحا ولا الوصية بنا في السنة.

قال ابن كثير:

قال جل جلاله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] قيل معناه لشرف لك ولقومك, قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد, واختاره ابن جرير ولم يحك سواه .

قلت : فمن ذكره الله في كتابه بل وأقسم به فهذا الذي اشرف في الشرف علي كل شرف فلا داعى بعد ذلك ان نستبدل الذي هو ادنى بالذي هو خير كمن يتشرف بنسبته إلي الفراعين والوثنيين لا الي القرآن والاسلام والمسلمين فلقد اعزنا الله بالاسلام وبذكرنا في القرآن فمهما ابتغينا العزة في غيرهما اذلنا الله كما قال عمر لأبي عبيدة – رضي الله عنهما – و اخرجه الحاكم . ()

الأمر الثاني :

رفع الهمة فمن اعظم اسباب رفع الهمة ان يقراء الانسان شرف تاريخه وتاريخ بلده وما حوى علي فضائل وبركات وعلم وبطولات فلا يتأثر بعد ذلك بدعاوى باطلة تحاول ان تنال من عزيمته وهمته وتفت في عضده بالطعن فيه و في تاريخه وتاريخ بلده .

الأمر الثالث :

ان موجة الارهاب الفكري التي يركبها العلمانيون الذين يدعون الوطنية وحب الوطن والحرص عليه في مقابل وصف الدعاة وطلبة العلم واتباعهم بالارهاب وعدم حب الوطن والحفاظ عليه فاردت بهذه الرسالة ان اريهم اننا نحب هذا الوطن اكثر منهم ونحافظ عليه عن قناعة دينية وعقيدة اسلامية فابحثوا عن السراق واللصوص من أخوانكم الذين ادعو الوطنية او القومية ممن سرقوا ثروات هذه البلاد وصدروها الي اعدائهم في الشرق اوفي الغرب وساموا اهلها سؤء العذاب باستيراد الامراض والسرطانات وغير ذلك من انواع البليات .

الأمر الرابع :

محاولة التأكيد علي صفاء معدن اهل هذا البلد الذى اظهرته احداث التاريخ على مر العصور والدهور حيث كانوا كالجسد الواحد يشد بعضهم بعضه وكانوا كالبنيان المرصوص في تعاطفهم وتراحمهم وجهادهم من أجل سقوط الظلمة فحق لهم أن يضربوا هذه الامثلة وهذا شرفهم وهذا تاريخهم وهذا كرمهم وهذه شيمهم وأخلاقهم التى لا يعرفون الا بها .

الأمر الخامس :

البعد عن العصبية الجاهلية حيث ان اعتزازنا بما اعزنا الله به في كتابه وسنة نبيه لا يسمى عصبية او جاهلية لاسيما اذا كانت لحاجة او لمصلحة من رفع همة ونحوه كما تقدم وكان على ما نقوله دليل وهذا خير من العصبية الجاهلية التى وقع فيها الغالبية من الافتخار بقوميات او دورات او كؤس او منتخبات او فرق او اندية او نحو ذلك مما ليس له ضوابط شرعية ولا آداب مرعية

فيأيها المصري ان اردت العز والمجد والسؤدد فهذا بابه وهذا طريقه فلا تتعلق بخيط العنكبوت ولا تركن الي هذا فقط بل اعلم انه لابد ان ينضم الي ذلك عملك واتقانك فيه كما قال علي ابن ابي طالب – رضي الله عنه – ” قيمة كل آمرىً ما يحسنه ” ().

وكما قال ﷺ : (وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)

نبذة عن حضارات العالم القديمة :

1- {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العماد التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد الذين طَغَوْاْ فِي البلاد فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} [الفجر: 6 – 12] .

قَالَ الشعراوي : إن الذي أقام هذه الحضارات ألا يستطيع أن يجعل لهذه الحضارة ما يصونها؟ كيف يتم القضاء على هذه الحضارات الواسعة واندثارها وذهابها؟ .

لا بد أن ذلك يتم بقوة أعلى منها، فهذه الحضارات رغم تقدمها الرهيب لم تستطع أن تحفظ نفسها من الفناء. إنها القوة الأعلى منها، وهكذا نصدق قوله الحق: {فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين} . إنه القّيوم الذي يرى كل الخلق، فمن يطغى ويفسد فليلق النهاية نفسها. إذن فقوله سبحانه يحمل كل الصدق:

2- قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)} [سبأ: 15 – 19].

قال ابن باديس : الآيات صريحة في أن مدنية سبأ كانت مدنية زاهرة مستكملة الأدوات.

الوصية النبوية بأهل مصر خيرا:

اسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا:

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا».

قال الكندي : وغيره من المؤرخين: فمن فضائل مصر أن الله عز وجل ذكرها في كتابه العزيز في أربعة وعشرين موضعاً؛ منها ما هو بصريح اللفظ، ومنها ما د لت عليه القرائن والتفاسير.

فأما صريح اللفظ فمنه قوله تعالى:{اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61]

وقوله تعالى يخبر عن فرعون: { وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51] وقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87] ومنه قوله عز وجل مخبراً عن نبيه يوسف عليه السلام: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]

وأما ما دلت عليه القرائن فمنه قوله عز وجل:

قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [يونس: 93] وقوله عز وجل {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50].

قال ابن عباس وسعيد بن المسيب ووهب بن منبه وغيرهم: هي مصر. وقوله تعالى: {وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الشعراء: 58] ،

وقوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137] يعني مصر، وقوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) } [الدخان: 25 – 29] يعني قوم فرعون، وأن بني إسرائيل أورثوا مصر.

وقوله تعالى {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } [القصص: 5] وقوله عز وجل مخبراً عن نبيه موسى عليه السلام: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } [المائدة: 21] وقوله عز وجل مخبرا عن فرعون: {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ } [غافر: 29]. وقوله عز وجل {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف: 137]

وقوله تعالى مخبراً عن فرعون {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127] يعني أرض مصر.

قوله تعالى مخبرا عن نبيه يوسف عليه السلام: { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] ، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 56] ،

وقوله تعالى مخبرا عن بني إسرائيل: { رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [يونس: 88]

وقوله تعالى مخبراً عن نبيه موسى عليه السلام {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} [الأعراف: 129] ،

وقوله تعالى: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26]. يعني أرض مصر.

وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص: 20] وقوله عز وجل: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص: 4] وقوله تعالى مخبرا عن ابن يعقوب عليه السلام: { فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: 80]. يعني مصر.

وقوله تعالى: { إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 19].

أسباب ذهاب البركة بوجه عام ومن مصر بوجه خاص:

وقد يظن البعض اننا قد بالغنا في وصف مصر وبركتها وخيرها لانه قد لا يلمس هو ذلك احياناً او في بعض الاوقات والازمان فنقول ان الله تبارك وتعالى قد جعل للبركة اسبابً قدرية واسبابً شرعية وآخرى مادية

فأما الاسباب القدرية : للبركة في مصر فهى موجودة لا دخل لنا فيها كوجود نهر النيل ووجود بركاته وخيراته والوادى المقدس وطور سيناء ونحو ذلك ، واما الاسباب الشرعية : فكالايمان بالله وطاعته وعدم معصيته وشكره علي نعمه ، فأما الايمان بالله فقوله تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) } الأعراف

قال ابن كثير : وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، وَصَدَّقَتْ بِهِ وَاتَّبَعَتْهُ، وَاتَّقَوْا بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أَيْ: قَطْرَ السَّمَاءِ وَنَبَاتَ الْأَرْضِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أَيْ: وَلَكِنْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، فَعَاقَبْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ عَلَى مَا كَسَبُوا مِنَ الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ. ().

وقال تعالي { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } {النحل 112}

قال ابن كثير :هَذَا مَثَلٌ أُرِيدَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ آمِنَةً مُطَمْئِنَةً مُسْتَقِرَّةً يُتخطَّف النَّاسُ مِنْ حَوْلِهَا، وَمَنْ دَخَلَهَا آمِنٌ لَا يَخَافُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: 57] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا} أَيْ: هنيئها سَهْلًا {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} أَيْ: جَحَدَتْ آلَاءَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَأَعْظَمُ ذَلِكَ بِعْثَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إِبْرَاهِيمَ: 28، 29] .

وَلِهَذَا بدَّلهم اللَّهُ بِحَالَيْهِمُ الْأَوَّلَيْنِ خِلَافَهُمَا، فَقَالَ: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} أَيْ: أَلْبَسَهَا وَأَذَاقَهَا الْجُوعَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُجبى إِلَيْهِمْ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَذَلِكَ لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبَوْا إِلَّا خِلَافَهُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَذْهَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ لَهُمْ، فَأَكَلُوا العِلْهِز -وَهُوَ: وَبَرُ الْبَعِيرِ، يُجْعَلُ بِدَمِهِ إِذَا نَحَرُوهُ.

وأما عن الأسباب المادية فهى كثيرة ٌكثيرة َ منها :

الاهتمام بالزراعة وادواتها وآلاتها المستخدمة في الحرث والرى وبتحديث ذلك بصفة مستمرة

قال ابن الكندى : وسبب نزول خراج مصر أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في حفر ترعها وإتقان جسورها، وإزالة ما هو شاغل للأرض عن الزراعة كالقصب والحلفاء والقضاب وغير ذلك.

وحكى عبد الله بن لهيعة: أن المرتبين لذلك كانوا مائة ألف وعشرين ألف رجل: سبعون ألفاً بصعيد مصر، وخمسون ألفاً بالوجه البحري. ()

فكيف تحفظ علينا هذه النعم وهذه الجنات وهذه البركات ولم نأخذ بالاسباب الشرعية والمادية التي تحفظها علينا كيف وقد اخذنا بأضدادها وأسئل سراق المسئولين وكبار المختلسين وان لله وانا اليه لراجعون.

 

 

 

 

 

 

.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.