أراء وقراءاتاحدث الاخبار

دولنا العربية بين عجز أنظمتها وهشاشة جامعتها !! بقلم : الدكتورة وفاء الشيخي

احدى اجتماعات الجامعة العربية ( الارشيف)

تشهد منطقة الشرق الأوسط بعد الثورات العربية انعطافة خطيرة في مجال إعادة تشكيل وهيكلة النظم السياسية الحاكمة التي من المفترض أن تؤسس بدورها لإعادة تكوين الدولة بشكل عام ، فقد تجاوزت الدول التي تغيرت فيها الأنظمة السياسية الحاكمة مرحلتها الأولى وهي عملية إسقاط رؤوس الأنظمة ، ويبقي عليها بحسب التصنيفات التقليدية في النظم السياسية  ثلاث مراحل ، هي الانتقال الى الديمقراطية،  ثم تثبيت الديمقراطية، ورابعها نضوج هذه الديمقراطية .

وبحسب دراسة أجراها معهد كارنجي الأمريكي تشير الى أن 100 نظام من عام 1970 لغاية عام 2000 شهدت هذه المراحل ، 20% منها فقط وصلت للمرحلة الرابعة وهي النضوج الديمقراطي ، وتراجعت 5% منها إلى النظام الدكتاتوري القمعي، مع بقاء 75% منها قابع في المرحلة الانتقالية الثانية والثالثة وهي مرحلة الفوضى وعدم الاستقرار، وكثرة الأزمات الداخلية والخارجية بسبب عدم وجود رؤية إستراتيجية واضحة المعالم لمرحلة ما بعد تغيير النظام .

بل إن احتمالات عودة الأنظمة القمعية والدكتاتورية واردة في بعض الدول العربية بعد ثورتها على انظمتها السابقة،  مع ترجيح استحالة الانتقال للمرحلة الرابعة (النضوج الديمقراطي) في المدى القريب أو المتوسط ، وتعتمد هذه الاحتمالات على الكثير من العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في مدة كل مرحلة من مراحل الانتقال من الدكتاتورية للديمقراطية ، فأبرز المؤثرات أو العوامل الداخلية المؤثرة تكمن في ثقافة الشعوب وتطورها ،ومدى وعيها ومكوناتها الديمغرافية، والأسس الإيديولوجية السائدة فيها.

و من نافلة القول أن شعوب المنطقة من الناحية الإجتماعية تعد شعوب غير مؤهلة وغير ناضجة سياسياً لكي تباشر وتطبق الديمقراطية وتمر بالمراحل الأربعة بسلاسة وسهولة ،إلى جانب انه 40% منها امي،  كما لا يوجد دولة عربية لديها تجربة او تاريخ جيد يحتذى به في ممارسة الديمقراطية ، ناهيك عن أن البيئة الشرق أوسطية غير مواتية لممارسة الديمقراطية حاليا ، فلم نشهد تداول سلمي على السلطة في اي حالة من دول مابعد الثورات،  وبعض دول المنطقة التي يمكن اعتبارها مجازا ديمقراطية مازالت قابعة في المرحلة الثانية والثالثة، وذلك بسبب درجات التخلف والامية العالية كما تشير  إحصائيات ودراسات الأمم المتحدة، وهناك دول عربية ربع سكانها تقريبا لا يعرفون القراءة والكتابة،  وربعها الآخر لم يكمل تعليمه الثانوي ، والثالث تعليمه جامعي ولكن ليس على أسس عصرية متطورة،  كإتقان الحاسوب أو المهارات الأخرى المطبقة في العالم المتقدم ، ومعرفة اللغات الأجنبية ، والربع الاخير منها تعليمه ما بين المتوسط والجيد، و يرغب بالهجرة خارج بلاده،  أو  يعمل في مجال غير اختصاصه ، أو عاطل عن العمل .

لذلك لم تكن أغلب الشعوب العربية جاهزة للحرية والتعبير،  والعمل الحزبي، وممارسة الديموقراطية بعد الثورات ،بل ما زال النظام العربي، وبسبب تأصل سياسة التعسف، وسواد المصالح الضيقة، يسجن معارضاً لانه أعرب عن رأيا مخالفا ً، ويضع مثقفين في السجون لأنهم ألفوا كتباً، ويحكم بالإعدام على نشطاء لأنهم تظاهروا ورفضوا قانوناً محدداً، بل ما زال يصادر الصحف ويمنع الكتب، ويحد من مساحات التعبير والحريات البسيطة.

العالم العربي مازال مسجون داخل آلة عنف كبيرة وعصور مظلمة امتهنت كرامته وحريته، و دعاة الإصلاح  داخل هذه الأنظمة وخارجها محاصرون، وتنقصهم الإرادة والإدارة السياسية والقوة المجتمعية.

ولايخفى عن الجميع في أن الوضع العربي مدمى ومنهك كما تؤكد لنا الحالة الليبية ، السورية ، العراقية ، اليمنية،  وغيرها  من الدول العربية ، ففي المجتمعات العربية  تتجلى ظاهرة فساد النخب والسياسيين والمثقفين ورجال الاعمال ،  وبالتالي فساد الاقتصاد والسياسة، وهذا يؤزم المشهد، و يؤكد صعوبة المخرج ، ويزيد من حالات إنتشار العنف والغبن والغضب.

و لا يوجد في هذه المرحلة ما يخفف من تدهور الوضع العربي العاجز، بل العكس تماما ، فأسعار العملة الاجنبية  في ازدياد مرعب مقابل العملة المحلية ، واسعار النفط تراجعت ولن تعود الى سابق عهدها مما سيدفع الدول الغنية الى مزيد من استنزاف الأموال للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات والقدرات الدفاعية، وستفشل سياسات التوطين والتنمية والصحة والتعليم والإنتاج في ظل هذا الواقع ، وتتزايد هجرة للعقول ، في غياب تام لشراكة وتفاعل المواطن الذي يفترض انه يتمتع بقوانين تحمي حقوقه وتضمن مشاركته.

ومما لا شك فيه أن إنعدم الاصلاح بشقيه السياسي والإقتصادي هو طريق أكيد لإنهيار الدول والأوطان، وطريق ثابت لمزيد من التدخل الأجنبي.

والسؤال الذي يطرح نفسه : ما الذي تحتاجه أنظمتنا السياسية لتعتنق عملية الإصلاح السياسي والديموقراطي خصوصا بعد الثورات العربية وسقوط الانظمة السابقة ؟!.

وللأسف ليس لدينا ما نعول عليه في إعادة التوازن الداخلي والاقليمي لمنطقتنا العربية، حتى جامعة الدول العربية ما زالت تراوح مكانها وقد وصلت إلى حالة من التراجع والهشاشة والتردي لم تصل إليها في تاريخها، فوضعها الحالي يعكس ضعفا وهوانا كبيرين، كما تعاني من ضمور وتراجع في مكانتها ودورها العربي والاقليمي، وأصبحت عاجزة حتى عن اصدار القرارات الصحيحة ناهيك عن تنفيذها ، بدليل أن قضايا المنطقة تتجه إلى المزيد من التعقيد والدمار،  والدم العربي مازال يزهق ويراق وهي لا تحرك ساكنا.

د. وفاء الشيخي

 

 

في الايام الماضية تابعنا أعمال القمة العربية  التي انتهت ولم يخرج عنها أي مبادرات تدفعنا للتفاؤل بالمستقبل،  ولم تقدم جديدا  في إصلاح البنية الداخلية للعمل العربي ومعالجة خللها، واكتفت بقرارات أقل ما يقال إنها شكلية  ولا ترتقي لمستوى الحدث ، وتبين لنا   فشل وعجز الجامعة التام، وربما عدم جدواها من الاساس.

 

فقد عجزت عن القيام بوظائفه الأساسية، كالأمن الجماعي العربي،  أو التكامل الاقتصادي، وتنسيق السياسة الخارجية ، وتُولية أهمية قصوى لقضايا التنمية والتعاون الاقتصادي والقضاء على الفقر، وتعزيز العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي والعسكري ، ما فتح الباب لقوى إقليمية أخرى لملء الفراغ وتجييره لمصلحتها، و ضاعت دولنا العربية  في هذه المرحلة الحرجة بين عجز أنظمتها وهشاشة جامعتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.