احدث الاخبار

رئيس التحرير يكتب : إلى متى نظل غائبين؟!

 

“يحبذ الخبراء الصهاينة نشر استراتيجياتهم المستقبلية علنا لتوعية أكبر عدد ممكن من اليهود والإسرائيليين بها، دون أدنى قلق من اطلاع العرب عليها، فإمكانية تصدي حكوماتهم لتلك الخطط في حال معرفتهم بها شبه معدومة “. تلك مقولة إسرائيل شاحاك الأستاذ بالجامعة العبرية بالقدس المحتلة ورئيس الرابطة الإسرائيلية لحقوق الإنسان ، يشخص فيها حالة الضعف الشديد التي يعيش فيه العرب لدرجة أن الأعداء يعلنون مخططاتهم ضدنا جهارا نهارا دون أدنى خوف من أي ردة فعلنا. تذكرت هذه المقولة وأنا أتباع تصريحات مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه ونظيره الأمريكي جون برينان والتي تداولتها وسائل الاعلام العربية والعالمية الثلاثاء الماضي ، ويعلنان فيها بكل وضوح اعادة تقسيم المنطقة العربية مجددا وذلك بعد مرور حوالى 100 عام على التقسيم الاول والذي جرى وفق الاتفاقية المعروفة باسم ( سايكس – بيكو ) الموقعة بين فرنسا وبريطانيا في مايو عام 1916. فقال باجوليه أمام مؤتمر حول الاستخبارات نظمته جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الامريكية : “الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة، وأن دولا مثل العراق وسوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة “، وأضاف أن “الشرق الأوسط المقبل سيكون حتما مختلفا عن الشرق الأوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية”. ووافقه مدير الاستخبارات الامريكية برينان قائلا : “عندما انظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن يصعب علي أن اتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة أو سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية”.

والتساؤل الهام الذي يجب طرحه هنا : اليست أمريكا وحلفائها هم المسئولين عن تدمير دول المنطقة ؟!. وان هذا التدمير اعلنوه رسميا قبل تنفيذه بحوالى 25 عاما ، أول مخطط مكتوب ومدعم بالخرائط لتقسيم المنطقة وضعه المؤرخ اليهودي الأمريكي الدكتور برنارد لويس عام 1980 في أعقاب تصريحات أدلي بها مستشار الأمن القومي الأمريكي في ذلك الوقت بريجينسكي ، بينما كانت الحرب بين العراق وايران مشتعله ، وقال فيها :” إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية من الآن فصاعدا هي كيف ستسعر نيران حرب ثانية في الخليج تستطيع من خلالها تعديل حدود سايكس بيكو في المنطقة “.

بعد هذا التصريح مباشرة كلفت وزارة الدفاع الأمريكية لويس شخصيا لوضع مخطط التقسيم. وجاء في هذا المخطط تقسيم 18 دولة عربية إلي مجموعة دويلات صغيرة تعيش إلي جانب دولة اسرائيل الكبري. بعد حوالى 3 سنوات فقط ، وفي عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي ( بمجلسيه النواب والشيوخ ) بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس”، وبذلك تمَّ تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة.

وفي 25 يوليو عام 1990 أعطت أمريكا الضوء الاخضر باشعال حرب ثانية في منطقة الخليج لا تزال نيرانها مستعرة حتى الآن ،بتشجيع صدام حسين على غزو الكويت . فطبقا لما ورد في وثاق ويكيليكس المسربة استدعى الرئيس صدام السفيرة الأمريكية ببغداد، أبريل غلاسبي، وعقد معها جلسة تاريخية، اعتبارها السياسيون لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة. وأوضحت الوثيقة أن صدام اتهم الكويت والإمارات بالبخل وبرفض مساعدته في ظروفه المالية الصعبة، رغم الحرب الطويلة التي خاضها مع إيران. ونقلت الوثيقة عن صدام قوله لغلاسبي :” إذا تعرض العراق للإذلال فإنه سيرد بصرف النظر عمّا يمكن أن يقال مستقبلاً عن الطبيعة غير المنطقية لهذا الرد وما يحمله في طياته من تدمير ذاتي”. وكان رد غلاسبي الذي اعتبره الخبراء تشجيعا له على العدوان بقولها :” أمريكا لم تتدخل بهذا الشأن العربي الخاص”. وبعد هذا اللقاء باسبوع وفي يوم 2 اغسطس 1990 قامت القوات العراقية بغزو الكويت .

وفي 17 يناير عام 1991 قادت أمريكا حربا ثالثة في الخليج واسمتها عملية عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت انتهت 28 فبراير 1991بانسحاب صدام من الكويت بعد ضربات جوية دمرت كل المقدرات الاقتصادية والعسكرية للعراق . ثم اكملت أمريكا مخططها بالحصار الذي استمر حتى شنها الحرب الرابعة بغزوها لبغداد في 20 مارس عام 2003 ولا يزال القتال محتدما حت الآن.

وقبيل الغزو الامريكي للعراق بعامين وبالتحديد عقب احداث سبتمبر عام 2001 بدأت أمريكا تعد للفوضى المدمرة في المنطقة العربية عبر ما اسمته ” مبادرة الشراكة الديمقراطية مع الشرق الاوسط ” بتمويل انشطة المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والحقوقية وفي نفس الوقت دعم الانظمة الدكتاتورية الحاكمة، حتى يكون الصدام حتميا ثم تتدخل لتأجيجه وتحويله الى صراع مسلح ليتحارب ابناء البلد الواحدة ، وقد نجح هذا المخطط الاسود كليا في سوريا وليبيا واليمن والعراق وجزئيا في مصر.

فإلى متى يظل العرب غائبين أو مغيبين، رغم صرخات التحذير الذي يطلقها باستمرارالمخلصون من أبناء الأمة ؟!. الى متى يتركون الأعداء يتلاعبون بمستقبلهم ، ويحددون في غيبتهم حدود دولهم وأنظمة حكمهم.


بقلم : مدبولي عتمان
Aboalaa_n@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.