رئيس التحرير يكتب : التاريخ يوثق الأطماع الصهيونية في سيناء

في توثيق تاريخي نادر، يكشف المؤرخ اللبناني نعوم شقير في كتابه الشهير “تاريخ سينا القديم والحديث وجغرافيتها”، الصادر في مارس 1916، عن محاولة صهيونية مبكرة لإنشاء مستعمرة في مدينة رفح بشمال شبه جزيرة سيناء عام 1908، أي قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بأكثر من أربعين عامًا.
ويوضح شقير أن مجموعة من رجال الجمعية الصهيونية حضروا إلى رفح، وقاموا بشراء بعض الأراضي من أهلها، رغم أن جزءًا من هذه الأراضي كان مملوكًا للحكومة المصرية، وجزءًا آخر كان متنازعًا عليه، ما حال دون حصولهم على مساحة كافية لتأسيس مستعمرة، فتوقفت مساعيهم.
مشروع العريش… محاولة أسبق لهرتزل
أكد هذه الرواية الباحث صبري أحمد العدل، المحقق بوحدة البحوث الوثائقية بدار الوثائق القومية المصرية، أثناء تحقيقه للكتاب، موضحًا أن هذه الواقعة لم تكن الوحيدة، بل سبقتها محاولة أخطر قادها الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل نفسه في عام 1903، عُرفت بـ”مشروع العريش”.
فبعد زيارته إلى القاهرة، سعى هرتزل لإقناع الخديوي عباس حلمي الثاني (1892-1914) بمنح اليهود وطنًا قوميًا في سيناء، وطلب دعم أثرياء اليهود في مصر لتحقيق هذا الهدف.
الأطماع الدينية… سيناء في الذاكرة اليهودية
تاريخيًا، ترتبط سيناء في الوعي اليهودي بسلسلة من المشاهد الدينية التي تجعلها، وفق مزاعمهم، أرضًا مقدسة. وقد أشار الباحثون إلى أن أربعة من أبرز مشاهد قصة النبي موسى عليه السلام وقعت عند جبل الطور بسيناء، وهي:
-
تلقي الوحي الأول من الله عز وجل
-
تسلمه للألواح
-
قدومه بـ70 من قومه للتوبة
-
أخذه الميثاق عليهم
هذه المزاعم تفسر الإصرار الصهيوني على التمسك بسيناء، حتى بعد اضطرارهم للانسحاب منها في 25 أبريل 1982 تنفيذًا لاتفاقية كامب ديفيد.
استراتيجية مستمرة رغم الانسحاب
الدكتور عماد جاد، مستشار رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يؤكد أن الأطماع الإسرائيلية في سيناء لم تنتهِ، مشيرًا إلى أن مناحم بيجين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي وقع اتفاقية السلام مع مصر، أصيب بحالة اكتئاب لازمته حتى وفاته حزنًا على إعادة سيناء إلى السيادة المصرية.
أرض الفيروز… مطمع القوى الاستعمارية عبر التاريخ
لم تكن إسرائيل وحدها الطامعة في أرض الفيروز، فقد كانت سيناء على مدار التاريخ مطمعًا لكل القوى الاستعمارية، نظرًا لموقعها الجغرافي الفريد وثرواتها الطبيعية الهائلة. ومع ذلك، فإن هذه الأطماع دائمًا ما تحطمت على صخرة الإرادة المصرية، وسواعد رجالها الذين رووا ترابها بدمائهم، متمسكين بها كجزء أصيل من تراب الوطن.
معركة الإرهاب والتنمية… وجهان لملحمة سيناء المعاصرة
اليوم، تخوض مصر على أرض سيناء ملحمة مزدوجة، تجمع بين محاربة الإرهاب واستكمال مشروع التنمية الشاملة. وقد أصبح من الضروري تفعيل وتنفيذ قانون تنمية سيناء الصادر في 15 أغسطس 2015، واستغلال ما تزخر به من ثروات معدنية وسياحية وزراعية لتكون نموذجًا للتنمية المستدامة والأمن القومي.