رسالة الفن

بقلم / الفنان أمير وهيب
ما هي رسالة الفن :
الفن ، هو العمل الناتج الذي تم التوصل اليه عن طريق مزج الفكر بالحرفة . و الفكر مرجعيته الموهبة والتأمل والإلهام والوحي . و الحرفة مرجعيتها التعليم و القدرات و المهارات والتدريب. و الذي يجيد مزج الفكر مع الحرفة في عمل ما يعرف بأنه ” فنان ” .
و في حالة تفوق الفكر على الحرفة يصبح مفكر و اذا تفوقت الحرفة على الفكر يصبح صنايعي . لذلك فإن الفن هو منتج لعمل فردي لانه ينتج من ذات الفنان ،وبناء عليه يكون الفنان هو الرسام والنحات والكاتب والموسيقي الملحن والمؤلف ، وكل من يخلق مادة جميلة من ذاته معتمدا على نفسه فقط .
ومعنى الفن باللغة الانجليزية Art و الفنان Artist ، اما العمل الناتج الذي تم التوصل اليه عن طريق مزج الاستعراض بالحرفة ، فيعرف ب ” الترفيهه ” . و اذا تفوق الاستعراض على الحرفة يكون راقص أو بهلوان و اذا تفوقت الحرفة على الاستعراض يكون ممثل .
والترفيه يمارس في شكل جماعي و معناه باللغة الإنجليزية Entertainment ويشمل التمثيل في السنيما و المسرح و كل ما يقدم على المسرح من الباليه و الغناء و السيرك والملاهي و البهلوان و الساحر ،وكل من يقدم عمل من خلال ” فريق عمل ” . ودخول هذه الاماكن ب ” تذكرة ” بند من بنودها ” ضريبة ملاهي ” .و من يقوم بهذا العمل يعرف ايضا ب فنان و لكن من باب الدعاية و تشبه الي حد التطابق لقب ” الدكتوراة ” ف الشخص الذي بحث ،واثبت شئ جديد أو قام بتطوير شئ متعارف عليه ،وناقش ” الرسالة ” مع لجنة من الدكاترة المتخصصين فحصل على شهادة الدكتوراة فيكون بذلك و لذلك هو ” دكتور ” .وهناك ايضا شخص معروف تم منحه شهادة الدكتوراة ” الفخرية ” من جهة ما ، و لكن من الناحية القانونية لا يمكنه التعامل رسميا على انه دكتور.
اذن الفن هو من إنتاج فنان و الترفيهه هو من إنتاج فنان فخري.
والاستمرار من قبل الإعلام في مصر في ترديد أن الممثل هو فنان و الترفيه هو الفن هي مغالطة شديدة وتحايل وتضليل غير مقبول. فيه إهدار لقيمة الفن و الفنان بدليل أن هناك لاعبي كرة قدم وأطفال قاموا بتمثيل افلام سينمائية ومن المستحيل اعتبارهم فنانين ويمكن لأي شخص أن يمثل بما فيهم ” الأطفال ” .و لابد على الإعلام في مصر أن يزيد من بث أعمال الفنون الجميلة الراقية لعودة الاتزان لشخصية المواطن المصري و تهذيب الأخلاق بدلا من التنويه المباشر الساذج من حملات ” تجمل بالأخلاق ” لأن الفن الحقيقي هو الجمال و الأخلاق.
والخلاصة ان الفن عمل فردي له أبواب بمفاتيح واسرار وشفرة وكلمات مرور يعرفها الفنان فقط .اما الترفيه فهو عمل جماعي و ساحة مفتوحة للجميع ، من كل الفئات ، و من كل الأعمار ، المتعلم و الجاهل ، الكبير و الصغير و يقوم به كل الناس بما فيهم الاطفال.
والفن هو العمل الأساسي لنهضة الشعوب والأمم . فتاريخ مصر الحضاري اساسه الرسم والنحت . و عصر النهضة الأوروبية اساسه الرسم و النحت و الأمثلة عديدة على مر التاريخ ولم و لن تكون هناك نهضة بسبب ” مسلسل تليفزيوني “.
و لمزيد من الايضاح ، يوجد في الشوارع ” يافطة إرشادية ” ، بها ” رسمة ” ل ” غرض ما ” ، ك ” ممنوع الدخول ” ، ” ممنوع استخدام اله التنبيه ” ، و غيره كثير من هذه ” الرسومات “.
هذه ” الرسومات ” لا يمكن اعتبارها ، على أي مستوى ، إنها ” عمل فني ” ، لأن مضمونها و الهدف منها واضح و محدد و هو ” الإرشاد ” و اتباع التعليمات.
إنما في حالة الرسومات ” الفنون الجميلة ” ، المضمون هو ” رفع المعنويات ” ، وتذوق وادراك الفكرة . هذه هي الرسالة الأساسية الجوهرية في الفن ، أي كان مجال الفن ، لوحة أو نحت أو أغنية أو فيلم أو مسلسل ، بمجرد أن ” تنتشي ” ، و العمل الفني يعجبك وبالتالي يسعدك ، هذا معناه ان الرسالة وصلت.
اما اذا تحايل الفنان وتوهم أنه لابد أن يكون العمل ” هادف ” و هذا معناه ان يكون هناك ” درس ” و ” موعظة ” ، من خلال هذا العمل ، هنا فقد الفن دوره و رسالته ، لأن ” الدرس ” في ” المدرسة ” ، و ” الموعظة ” في ” دور العبادة “.
على صناع الفن ، و المنتجين ، في جميع المجالات أن يستوعبوا هذا الكلام ، الفن الجميل ، هو رسالة انسجام و تناغم لرفع المعنويات و الاستلهام ، اي إعادة الهام الفنان لكي يستفيد منه غير الفنان.
اي تصنع و افتعال بحجة زيادة اهمية ليس له مكان في الفن.
اتمنى ان يدرك كل ” الفنانين ” و ” متذوقي الفنون ” هذا الكلام ، منعا لسوء التفاهم بين الفن و الموعظة ،وبين الفن والترفيهه ، لأن الترفيهه هو فن فخري للتسلية وللاضحاك.
اهم حاجة أن يكون العمل جديد و جميل و غير منقول و يتسم ب الذكاء و الإبداع الملهم ل الآخرين.
و ليتذكر دائما ، الفنان و المتلقي ، أن الفن فعل جميل و الأفتعال ليس فن بل فعل ردئ.
أمير وهيب
كاتب وفنان تشكيلي