أراء وقراءات

طيور الظلام والباطل القانوني

 

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير

لا يزال الفيلم المصري الشهير “طيور الظلام” حاضرًا في أذهاننا، ليس فقط كعمل فني متميز، بل كوثيقة سياسية تحمل بين سطورها فلسفة ساخرة عن استغلال القانون لخدمة الباطل. وكما قال فتحي نوفل، الشخصية التي جسدها الفنان عادل إمام:
“القانون زي ما بيخدم الحق، بيخدم الباطل.. وإحنا الباطل بتاعنا لازم يكون قانوني!”

ما كان مجرد سيناريو سينمائي عبقري للكاتب الراحل وحيد حامد، تحول اليوم إلى واقع سياسي عالمي، حيث تُوظَّف القوانين لتبرير الظلم، ليولد مفهوم جديد يمكن تسميته بـ”الباطل القانوني”.

ترامب و”الباطل القانوني” في غزة

يبدو أن بعض الزعماء قد وجدوا أن هذه المقولة تلائم فلسفتهم لذا نضع لها اسم مبتكر أيضا هو “الباطل القانوني”

فمن هؤلاء الزعماء رئيس أكبر دولة في العالم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي طبق هذه المقولة بالحرف إذ برز موقفه الأخير في تهجير أهل غزة من غزة كمثال حي على استخدام القانون لتبرير ما هو أبعد ما يكون عن العدالة فلم يكن قرار تهجير أهل غزة مجرد مسألة لوجستية أو أمنية، بل تحول إلى مسرحية تُكتب عليها كلمات قانونية صيغت لتبدو شرعية على الورق والرئيس ترامب، لا يفوت فرصة لإعادة تعريف الحدود بين الحق والباطل، اختار أن يُجسد في هذا الموقف روح “الباطل القانوني”، حيث تُحوَّل القرارات الجائرة إلى نصوص قانونية منمقة تبرر الإبعاد والتشريد حتى وإن كان ذلك على حساب حقوق الشعوب ومستقبلها.

خرافات ترامب ونتنياهو

فمن أبرز تصريحات ترامب أو بالأصح خرافاته، ما جاء في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، إذ أوضح ترامب أن الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة إلى غزة وذلك بموجب خطته، التي تقضي بـاستيلاء الولايات المتحدة على القطاع الفلسطيني وترحيل الفلسطينيين منها، قائلاً إنه “ملتزم بشراء وامتلاك غزة”، والتأكد من أن حماس لن تعود إليها.

ولم يكن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بعيدًا عن هذا النهج، بل وصف مقترح ترامب بشأن السيطرة الأمريكية على غزة بأنه “نهج ثوري إبداعي”، في إشارة واضحة إلى التواطؤ في استخدام القانون لتبرير التهجير القسري واستغلاله لتحقيق أهداف سياسية تخدم القوى الكبرى.

القانون.. بين الحق والباطل

ربما يكون الموقف الذي اتخذه ترامب ونتنياهو وغيرهم من المؤيدين لفلسفة “الباطل القانوني” سواء في الظاهر وهم الاقبح أو في الظلام وهم المنافقين درسًا في كيفية استغلال الثغرات القانونية لتحقيق أهداف سياسية لا ترقى إلى مستوى العدالة الحقة، أو ربما هي مجرد دعابة ساخرة تثير تساؤلات حول مصداقية القانون في زمن الفوضى السياسية في كلتا الحالتين، يبقى السؤال قائمًا: هل سنظل نُشاهد الباطل وهو يرتدي ثوب الشرعية القانونية، أم أن العدالة ستسطر نهاية لهذا الفصل من المسرحية السياسية الساخرة؟

في النهاية، يبدو أن “الباطل القانوني” قد أصبح شعارًا يردد في أروقة الكثير من السياسيين، مما يدفعنا للتفكير بعمق في كيفية استعادة قيمة الحق في زمن يُستغل فيه القانون لتبرير كل ما يخدم مصالح الأقوياء.

السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.