عالم “الميتافيرس”…فرص اقتصادية ضخمة بقيمة 13 تريليون دولار لا ينبغي تفويتها
كتب عبدالله الينبعاوي
توماس كوروفيلا، الشريك الإداري في شركة «آرثر دي ليتل» الشرق الأوسط
ما لم تكن من محبي الخيال العلمي أو من ألعاب الفيديو، فقد يبدو العالم الافتراضي وما يدور في فلكه قليل الصلة بحياتك اليومية، ولكن هذا الواقع ربما يكون على وشك التغيير. فمنذ تغيير شركة فيسبوك اسمها إلى “ميتا” في أكتوبر 2021، تحول الانتباه إلى تطور ما بات يعرف بعالم “الميتافيرس”، عالم الواقع الافتراضي الذي يتمتع بإمكانات كبيرة ليصبح اقتصاداً بقيمة 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، مع آثار وتحولات هائلة على الشركات في العديد من القطاعات في مختلف أنحاء العالم.
والحقيقة التي لا يمكن لأحد إنكارها أن ما كان في البداية مجرد فضاء تفاعلي مدعوم بتقنية الواقع الافتراضي وينشط فيه عدد من اللاعبين عبر الإنترنت، يتحول اليوم إلى نسخة مستقبلية لشبكة الويب العالمية، والتي تلتقي فيها العوالم الافتراضية مع شبكات التواصل الاجتماعي والمساحات التشاركية والأسواق الإلكترونية. وفي الواقع، لا تعتبر عناصر مفهوم “الميتافيرس” جديدة – حيث تم إطلاق منصة الألعاب، Roblox، لأول مرة في عام 2006 – لكن مفهوم “الميتافيرس” يتطور من فضاء غير مترابط يغوص فيه المستخدمون كما يحلو لهم، إلى اقتصاد متطور قد يترتب على الانسحاب منه خسائر كبيرة بالنسبة للشركات.
وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تبلغ القيمة الاقتصادية لعالم “الميتافيرس” 800 مليار دولار في غضون عامين، ويمكن أن يتحول التفاعل مع هذا العالم إلى ضرورة استراتيجية بالنسبة للشركات خلال العقد المقبل، مع احتمالية انتقال ما يصل إلى 25٪ من الاقتصاد إلى العالم الافتراضي.
وللوهلة الأولى، قد تبدو هذه التأكيدات غريبة، لكن بعض من أكبر العلامات التجارية عبر العديد من القطاعات قد دخلت بالفعل إلى عالم الواقع الافتراضي. وكمثال على ذلك العلامة التجارية “غوتشي”، الرائدة في مجال الأزياء الفاخرة والتي افتتحت “حديقة” على منصة Roblox للألعاب العام الماضي، وكشفت النقاب عن حقائب افتراضية بيعت كل واحدة منها بأكثر من 4000 دولار. كما قامت علامات تجارية عالمية أخرى مثل نايكي وكوكا كولا أيضاً ببيع أصول رقمية، وقدمت للمستهلكين تجارب تفاعلية افتراضية، إضافة إلى مزادات وجولات في المصانع، كل ذلك ضمن عالم “الميتافيرس”.
وبعيداً عن قطاع التجزئة، تستفيد قطاعات أخرى بما في ذلك الطيران، والسيارات، والرعاية الصحية، من التطورات في مجال الواقع الافتراضي لتقديم برامج تدريبية متطورة وإنشاء توائم رقمية، ومن الأمثلة على ذلك شركات بوينج، ورولز رويس، وفايزر. أما في قطاع العقارات، في عالم “الميتافيرس”، فسيتمكن المهتمون بشراء الأصول العقارية من القيام بجولة افتراضية في المنزل أو الشقة أو المتجر قبل اتخاذ قرارات الشراء، وربما يتطور الأمر ليصبح إلزامياً على الأطراف لتوقيع عقود ملزمة قانوناً في العالم الافتراضي.
كما سيتمكن عشاق الطعام أيضاً من استخدام عالم “الميتافيرس”، وعلى الرغم من أنهم قد لا يكونون قادرين على تذوق نكهات الطعام، لكنهم سيكونون قادرين على الوصول إلى مطبخ قائم على السحابة، ليتمكنوا من طهي الطعام وتجربة المكونات قبل اختيار الوجبات من مطاعمهم المفضلة.
وبغض النظر عن نوع القطاع، فإن تطور عالم “الميتافيرس“ يجلب معه فرصاً ضخمة في عصر نشهد فيه اتخاذ المزيد من قرارات الشراء وقرارات الأعمال رقمياً. وتشير البيانات المتاحة إلى أن الأفراد من ذوي المهارات الرقمية يقضون وقتاً أطول في حياتهم كشخصيات رقمية أكثر من التفاعل المادي، ومع استمرار نمو عالم “الميتافيرس” قد يرفض المستهلكون قريباً شراء المنتجات غير الموجودة أو المجرّبة ضمن هذا العالم.
وفي ظل هذه التحولات الناشئة، فإن الفرصة سانحة أمام الشركات لبناء علاقات مباشرة وغامرة مع المستهلكين، وتجربة المنتجات في العالم الافتراضي، وحتى تقديم عناصر يتم تصميمها من جانب العملاء بأنفسهم. علاوة على ذلك، هناك قيمة مالية يمكن تحقيقها، فمن خلال القضاء على الوسيط، وتقليل الهدر (المنتجات غير المباعة)، فإن عالم “الميتافيرس” سيمكّن الشركات من خلق المزيد من القيمة، وتحفيزها لتقديم إبداعات ذات جودة أفضل فضلاً عن خفض التكاليف. على سبيل المثال، يمكن تقليل المبالغ الضخمة المرتبطة بإقامة المعارض التجارية، حيث تكلف العروض الافتراضية أقل من 5٪ من الأموال المطلوبة لتنظيم الفعاليات على أرض الواقع.
ويساهم عالم “الميتافيرس” أيضاً في تحقيق مستوى أعلى من التكافؤ في الفرص بين الشركات والمجتمعات على حد سواء. ومع إزالة العوائق المادية التي تحول دون الوصول إلى هذا العالم الافتراضي، ستجد الشركات الصغيرة نفسها على قدم المساواة مع الشركات الكبرى، وسيتيح لها العالم الافتراضي القدرة على الوصول مباشرة إلى المستهلكين والمنافسة على الساحة العالمية. وفي الوقت نفسه، سيتمكن مقدمو الرعاية الصحية من تقديم الخدمات للمجتمعات المحرومة والنائية – وبتكلفة أقل – ما يؤدي إلى تسهيل وصول عدد اكبر من السكان حول العالم إلى خدمات الرعاية الصحية التي يحتاجونها.
وهناك ميزة أمنية أيضاً. ستكون المعاملات في عالم “الميتافيرس” قابلة للتتبع بنسبة 100٪، وذلك بفضل تقنية “بلوك تشين”، واستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال او ما يسمى بال”NFTs”، ما يزيد من ثقة المستهلكين والأعمال في التعاملات ضمن الفضاء الرقمي.
وفي حين أن تحويل العديد من هذه الفوائد إلى واقع ملموس قد يستغرق بعض الوقت، إلا أن عناصر عالم “الميتافيرس” ومتطلباته، بدايةً من اللوائح التنظيمية ووصولاً إلى قبول المستخدم، تشهد مستوى متسارعاً من النضج، وستتمكن الشركات التي تتحرك اعتباراً من الآن من اكتساب ميزات تنافسية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الشركات التي ليس لديها وجود في عالم “الميتافيرس” ستفقد فرص ضخمة، وقد يتم إقصاؤها تماماً من جانب المنافسين الذين يستحوذون على حصتهم في السوق الرقمية. إنه سيناريو يذكرنا بالمخاطر التي تتعرض لها الشركات التي تفشل في مواكبة متطلبات العالم الرقمي والتفاعل من خلال الانترنت.
ومن حسن الحظ أن الحكومات ذات التفكير والنهج المستقبلي بدأت مسبقاً في إرساء أسس متينة لازدهار الاقتصاد الافتراضي، ومن بين الأمثلة المميزة على ذلك، حكومة دبي التي طورت استراتيجية يمكن أن تجعل عالم “الميتافيرس” يساهم بـ 4 مليارات دولار في اقتصادها بحلول عام 2030. ووضعت الحكومة مسبقاً اللوائح التنظيمية المطلوبة، وتجري المعاملات في هذا العالم الافتراضي في جميع أنحاء الإمارة.
ومع بدء تبلور ملامح هذه المنظومة، تشير الأبحاث إلى مستقبل واعد ينتظر عالم “الميتافيرس”، حيث من المتوقع أن يصل معدل النمو السنوي إلى 44٪ بحلول عام 2028، مع خلق أكثر من 10,000 وظيفة ذات صلة على مدى السنوات الخمس المقبلة. ومع ذلك، فإن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من إمكانات عالم “الميتافيرس” لن يخلو من بعض التحديات.
ويجب على الحكومات والشركات على حد سواءً معالجة نقاط الضعف في البنية التحتية للشبكة ومستوى الموثوقية، وسيتطلب ذلك معالجة النقص الحالي في اللوائح التنظيمية المتعلقة بـ “الميتافيرس” وذلك من أجل حماية الملكية الفكرية والتحصن ضد الأنشطة الإجرامية. وسيكون من الصعب أيضاً تحقيق إمكانية التشغيل البيني بشكل كامل، والاتفاق على معايير موحّدة بين مختلف الأطراف في عالم “الميتافيرس”، في حين ستكون المنافسة محتدمة على استقطاب المواهب.
وإضافة إلى ذلك، ستحتاج العلامات التجارية الراسخة في العالم المادي إلى تعلم كيفية العمل في العالم الافتراضي، ومواجهة التهديدات من المنافسين الرقميين الأصليين. وفي الوقت نفسه، سيكون من الصعب التنبؤ بسلوكيات المستهلكين، حيث كانت هناك بعض أمثلة على مستهلكين يدفعون رسوماً إضافية او باهظة على المنتجات الافتراضية على أساس ما يعرف بـ “الندرة المصطنعة”، ولكن بمجرد أن يصبح عالم “الميتافيرس” أكثر اعتماداً، هل ستستمر مثل هذه السلوكيات؟
لا تزال العديد من الأسئلة بلا إجابة، ولم تتضح بعد بالتحديد كيفية تطور عالم “الميتافيرس”، ولكن هناك شيئان مؤكدان: ستكون الآثار والتداعيات المترتبة على الشركات كبيرة، وسيحصد أوائل الشركات التي تتبنى هذه المنظومة الجديدة أكبر المنافع. وبالطبع، لن يكون اغتنام الفرص بدون تحديات أو حتى قدر من المخاطرة، ولكن مع وجود اقتصاد بقيمة 13 تريليون دولار في طور التكوين، فإن تفويت فرصة الاستحواذ على حصة منها قد يكون من أكبر الأخطاء التي ترتكبها الشركات على الاطلاق.
أنتهى-