أراء وقراءات

عبدالعزيز البابطين.. والسلام

بقلم/ أمجد زكي

عندما ينعقد المنتدى الثالث لثقافة السلام العادل في القاهرة خلال الفترة من 20 حتى 22 الجاري من خلال مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية وبرعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فإن ذلك يحمل العديد من الدلالات. الأولى والمباشرة منها تتمثل في عزم أبناء الراحل الكبير الوجيه عبدالعزيز البابطين استكمال ما بدأه والدهم من جهة نشر ثقافة السلام العادل، فيما يأتي إيمانهم بالمشروع الثقافي الذي أنشأه والدهم، رحمه الله، وبأنه يجسد أفكاره ومبادئه وقيمه الإنسانية الرفيعة التي كرس حياته من أجلها كدلالة ثانية، وفي الدلالة الثالثة نرى أن المنتدى يُخِلد جهوده النبيلة ويحمل وفاء لذكراه الملهمة، لذلك نأمل أن يحمل جانب من أعماله تأبيناً خاصاً لصاحب المبادرة وراعيها ومن حملها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وحاز اعترافاً بها وارتبطت باسمه رغم أنه وثقها ونادى بها باسم الوطن الذي أحبه .. الكويت.. وباسم العدالة الإنسانية.

واحدة من المبادرات الهامة التي صنعها الرجل في هذا الاتجاه كانت في المنتدى رفيع المستوى حول تنمية ثقافة السلام الذي نظمته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حينما قدم مشروعاً هاماً بعنوان: “ثقافة السلام من أجل أمن أجيال المستقبل”. والذي يقتضي وضع دروس خاصة حول السلام في برامج التعليم ومواده منذ مرحلة الحضانة وصولاً إلى الجامعة.

وقد شكل خطاب صانع الثقافة السيد عبدالعزيز البابطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 رسماً لخطوات تنفيذ المشروع وشَّرح فيه المناهج التي تعمل المؤسسة على إعدادها لتدريس ثقافة السلام العادل، ووصف المشروع بأنه يأتي من التزام دولة الكويت بالدعم الدائم للسلام في كل أنحاء العالم، وعرض “المنهج النموذج” لتدريس ثقافة السلام في مختلف المراحل الدراسية حول العالم، ليستأنس به الخبراء في التعليم ويعدون من خلاله سبعة عشر منهجاً، وتابع ذلك بتأسيس كرسي عبدالعزيز سعود البابطين من أجل ثقافة السلام في مدينة روما بإيطاليا، يضاف إلى عدد من الكراسي الثقافية في جامعات: قرطبة، وغرناطة، وملقة، وإشبيلية، وجامعة نيس في فرنسا.

كما عهدت مؤسسته التي تحمل اسمه إلى المركز الأوروبي المشترك بين الجامعات للديموقراطية وحقوق الإنسان أن يباشر تدريس ثقافة السلام من خلال المائة جامعة التي يضمها من مختلف بلدان العالم، وفي غمرة ذلك نظمت المؤسسة منتديين لثقافة السلام العادل، الأول في مقر محكمة العدل الدولية في “لاهاي”، والثاني في جمهورية مالطا بحضور رؤساء دول وحكومات وممثلون عن منظمات دولية، وها هي المؤسسة تقيم المنتدى الثالث الذي يحمل نفحة من نفحات الراحل الكبير لمجتمع إنساني يُبَّشر فيه بالخير والجمال.. ويأتي المنتدى والعالم في أمس الحاجة لأن يستعيد رشد السلام وأحكامه وأن يخفض أبواق الحرب التي تصدح في غير مكان.

في الواقع فإن مبادرة نشر ثقافة السلام العادل كانت هي الأحدث ضمن مبادرات خلاقة بدأها الرجل منذ أن أنعم الله عليه بوفرة في الخير، رصد جانب منها لفزعات إنسانية في أكثر من مجال، كان للتعليم نصيب مهم في ذلك؛ خصوصاً بعثات الدراسات العليا التي بدأها عام 1974 إضافة إلى العمل الخيري الذي عُرِفَ بعضه واحتفظ هو بكثير من أسراره، أما صنيعه المهم “مؤسسة عبدالعزيز الثقافية” فتبقى كيان شامخ وحاضرة من حواضر الأدب والشعر بل جامعة للثقافة ساهمت مساهمات ناجزة ومؤثرة في حفظ تراث الأدب والشعر وتراجم أصحابه ومخطوطاته ومعاجمه، تلك المعاجم المدهشة التي وصفتها شخصيات مرموقة من خارج الكويت بأن دولاً تعجز عن إصدار مثلها، بينما حازت مهرجانات المؤسسة الشعرية التي تحمل اسم الفقيد الكبير على مكانة رفيعة في أنحاء الوطن العربي. وفي كل ذلك أعادنا العم أبو سعود إلى أزمان النخوة والشهامة وصناعها من الراشدين الخالدين.

هنا يمكن القول أن المشروع الثقافي والإنساني الذي أنشأه السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رحمه الله، تتواصل ثماره وأعماله كتراث مضيء وقيمة تنموية مستدامة لرجل يخلده التاريخ وعائلة كريمة مازالت تحمل مشعل الثقافة وهمَّ السلام.

العم أبو سعود: لقد زرعت فحصدت.. عملت فأنجزت فنشرت الثقافة والسلام ثم رحلت.. فنم قرير العين متمتعاً برضوان الله ورحمته.. فسيبقى تراثك خالداً وتبقى صنائعك حية تذكرنا بأن الثقافة والعلم والتسامح تهيء للعالم غدٍ أفضل.

 أمجد زكي

كاتب وباحث 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.