الصراط المستقيم

فقه الأضحية .. (1) المقدمة

د. محمد صلاح شلبي

أنشر مقتطفات من كتابى( فقه الأضحية ) -لعله يكون نافعا- الكتاب صدر عام 2013 وطبع منه طبعتين -رقم الإيداع: 1879/2013

مقدمة

إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره ،وأشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، خير من رحم المساكين والفقراء ورفق بحال البائسين والضعفاء. فاللهم صل عليه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد

فقد شرع الله لعباده ما يضمن لهم سعادة الدارين،  وما تطمئن به وله قلوبهم وتصح به أبدانهم وعقولهم،وما يحقق لهم أقصى ما هو مقدر للإنسان على هذه الأرض من رقى ومن توازن دقيق بين حاجات القلوب وطلبات الجسد والغرائز،ومن اتساق بديع وتناغم بينه وبين الكون المحيط به.

فكان من تشريعاته البديعة المحكمة أن جعل للمسلمين عيدين،عيد الفطر وعيد الأضحى، وجعلهما خاتمة لفريضتين عظيمتين ،فشرع زكاة الفطر طهرة للصائم وطعمة للمساكين والفقراء وجبرا لما يكون قد ألم به من تقصير فى صيامه وعبادته فى رمضان ، كما شرع الأضحية فى العيد الثانى توسعة على النفس والأهل والأقارب والفقراء والمساكين حتى تعم الفرحة الجميع فقد قال فيا رواه مسلم :أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل.

وهذا البحث يتعلق بهذه الشعيرة الأخيرة ،شعيرة الأضحية ،التى هى إحياء لسنة شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين أمره ربه بذبح الفداء عن ولده اسماعيل ،ونحن مأمورون بإتباع سنة أبينا إبراهيم مصداقا لقوله تعالى: ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن.واتبع ملة إبراهيم حنيفا.واتخذ الله إبراهيم خليلا

ثم إن تدبر هذا الحدث التاريخى يذكر المسلم بالصبر الجميل الذى تحلى به إبراهيم وولده اسماعيل عليهما السلام ، وإيثارهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد ،فيقتدى المسلم بهما ويقدم محبة الله على هوى نفسه.

ومن ناحية أخرى فإن إقامة هذه الشعيرة هى بذاتها تحدث بنعمة الله بلسان الحال،وقد أمرنا الله بذلك حيث قال تعالى :وأما بنعمة ربك فحدث   و يتعلم المسلم من إقامته لهذه الشعيرة العظيمة دروسا وعبرا كثيره تفيده فى مسيره فى طريق الله ،ومن أجل هذه الدروس والعبر أن يجتهد ما استطاع ليجنب قلبه كل تعلق بغير الله مقتديا فى ذلك بنبى الله إبراهيم عليه السلام وهى درجة عليا من درجات الإخلاص لا يبلغها إلا نبى ولا يقاربها إلا صديق أنه حين تعلق قلب خليل الله بولده الذى جاءه فى سن متقدمة غار الخليل على خليله أن يشغله شىء عنه فكان الأمر أن يذبح ابنه .وهكذا ينبغى على المسلم أن يخلص نيته لله سبحانه ،فما من فعلة إلا وينشر لها ديوانان ،لم؟وكيف؟ فالأول سؤال عن الإخلاص والثانى سؤال عن المتابعة ،قال تعالى : لن ينالَ اللهَ لُحُومُها ولا ِدماؤهَا ولكن ينالُهُ التقوى منكم.

وفى الحديث الذى أخرجه مسلم لعن الله من ذبح لغير الله …ولعن الله من غير المنار ) فما أحوجنا حين نحى هذه الشعيرة أن نتذكر هذه المعانى القيمة ،عسى الله أن يهدينا بهذا التذكر إلى تمثلها فى حياتنا واقعا معيشا،فما أكثر ما أصاب قلوب كثير منا من شوائب تحول بيننا وبين توخى الإخلاص فى كل طاعة نؤديها،أو تقف حجرة عثرة أمام محاولتنا للارتقاء بأنفسنا لتكون طاعتنا أرجى لأن يقبلها الله منا،وما أكثر ما وقعت قلوب كثير منا أسيرة لأنواع من الشرك فهذا يشرك مع الله سلطانا أو نفوذا أو جاها زائلا ،وذاك تتحكم فيه المكاسب المادية فيدور معها حيث دارت فيصبح عبدا للدينار والدرهم ، فأنى يستجيب الله لنا ويكشف عنا البلاء ويرفع عنا ما تردينا فيه من ضيق وذل وتبعية لغيرنا.

ولما كانت للأضحية هذه الأهمية الكبرى فى الإسلام ،باعتبارها من أعظم شعائره ،حتى أن العيد نسب إليها فسمى عيد الأضحى.

 

فقه الأضحية .. (1) المقدمة 4

د.محمد صلاح شلبي

كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.