أراء وقراءات

قبل .. وبعد .. موسم حصد الأصوات

بقلم / حسن السعدني

يا لها من أيام!
تلك التي تُزهِر فيها الوجوه، وتُبسط فيها الأيادي، وتُفتَح فيها القلوب على اتساعها، وكأن الدنيا قد نفضت عن نفسها غبار الجفاء، وارتدت ثوبًا من الود والاهتمام.
إنه موسم الانتخابات البرلمانية؛ حيث تتحوّل الموازين، ويُكتَب للمواطن حياة جديدة، ينتقل فيها من هامش النسيان إلى مركز الاهتمام، من صوتٍ خافتٍ لا يُسمع، إلى قرارٍ حاسمٍ تهتزّ له المجالس، وتُعقَد له الاجتماعات، ويُنتظر منه القول كما يُنتظر الغيث في مواسم القحط.

ما أروعك أيها المواطن في تلك الأيام!
تصبح في لحظة واحدة مالكًا لسلطة لا تُجارى، وسيدًا للقرار لا يُضاهى.

مواسم الكرامة المؤقتة

ها هو نائب سابق يطرق بابك معتذرًا، وذاك مرشّح جديد يقبّل جبينك شاكرًا، وثالث يُسرف في الوعود كأنك صاحب العطايا، لا طالب الحقوق.
تُرفَع عنك حواجز العزلة، وتُبسط أمامك السجاجيد، وتُمهد لك الطرق وإن ضاعت من خرائط المدينة.
تُقضى حاجتك قبل أن تنطق، وتُجاب دعوتك قبل أن تهمس، وتُقدَّم لك الهدايا في ثوب المحبة، حتى لكأنك عزيز قوم لا يُرد له طلب، ولا يُكسر له خاطر.

آهٍ… لو طالت تلك الأيام!
ففيها نحيا حياةً غير التي نعرفها، نُرى ونُسمَع ونُحترَم، نشعر أننا لسنا مجرد أرقام في صناديق الاقتراع، بل قلوبٌ وعقولٌ لها وزن وقيمة في معادلة الوطن.

لحظة دفء… وإن كانت تمثيلاً

كم نتمنى أن تستمر اللقاءات، وتدوم الابتسامات، ويتواصل السؤال، ولو كان تمثيلًا.
فما أحوجنا نحن – المواطنين – إلى هذا الدفء، ولو كان عابرًا.
في تلك الأيام تستعيد الشوارع نبضها، وتلمع القرى المهملة بأضواء اللافتات، وتضج المجالس بحديث “المستقبل”.

حتى من لم يُسأل عن رأيه يومًا، يصبح خبيرًا يُستشار، وصاحب قرار يُحترم.
تُفتح دفاتر الاحتياجات، وتُسجّل المطالب، ويُصغى للكلمة التي طالما ضاعت في زحام الإهمال.
لحظة نادرة نرى فيها قيمة الفرد، وحرارة التواصل الإنساني الذي كدنا ننساه.

ثم… يعود الصمت

لكن… ما أقصرها من لحظة!
فما إن ينقضي الموسم، حتى تعود الحياة إلى صمتها الموحش، وتعود – أيها المواطن – إلى مقعدك المنسي.
تنادي فلا يُجاب نداؤك، وتطلب فلا يُستجاب لك.
تُطوى الخيام، وتُرفَع اللافتات، وتُغلق الهواتف التي كانت بالأمس لا تهدأ.
وتدرك حينها أن ما رأيته لم يكن إلا مشهدًا عابرًا من مسرح مؤقت، أبطاله يتبدّلون، أما أنت، فثابت في الخلفية… تنتظر دورك بعد سنوات.

سيادة القلوب لا تُشترى

أيها المرشحون، انتبهوا!
إن كسب القلوب أسمى من كسب الأصوات، وإن الوجوه التي أشرقت لكم اليوم، لن تنسى من أنصفها غدًا، ولن تغفر لمن تخلّى بعد أن فاز.

فالمواطن اليوم، ليس كما كان بالأمس؛ بات يميز بين الصادق والمتصنّع، بين من يخدمه بإخلاص، ومن يراه سلّمًا للوصول لا أكثر.

يا من تطلبون أصواتنا… تذكروا:
لسنا أوراقًا تُنتخب، بل أرواحًا تُحترم.

الانتخابات… ثقافة لا مناسبة

اجعلوا من خدمتكم للناس شرفًا لا تصنّعًا، وواجبًا لا مناسبة، وخلقًا لا حيلة انتخابية.
اعلموا أن السيادة الحقيقية لا تُستمد من مقعد في البرلمان، بل من محبة الناس ورضاهم، وهذه لا تُشترى، بل تُزرع، وتُروى، وتُثمر وفاءً لا يذبل.

فيا ليت موسم الانتخابات…
يتحوّل إلى ثقافة حياة، لا مجرد موسم مؤقت.

ويا ليت ما نراه في موسم الأصوات…
نراه كل يوم في موسم الوطن.

حسن محمد السعدني

كبير معلمي اللغة العربية -مدرسة السعدية الثانوية

إدارة شربين التعليمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى