أراء وقراءات

للضرورة أحلام

بقلم / الفنان أمير وهيب 

استنادا الي تجربتي و خبرتي في علاقة الفن ب الموهبة هذه قصة فنان يمكن الاسترشاد بها. عادة تظهر الموهبة من تلقاء نفسها ، و كانت أول مرة سنة ١٩٧١ ، و كان عمري سنتين ، و كانت الأسرة مجتمعة و أغنية ” موعود ” تملأ الخلفية السمعية بموسيقى انجذبت إليها بشدة ، لدرجة أن بعد انتهاء الأغنية بدأت في البكاء مطالبا إعادتها مرددا ” انانا يا نونيا ” و المقصود ” أمانة يا دنيا “. و في سن ثلاث سنوات ، ظهرت موهبة الرسم و كانت من خلال رسمة ل اتوبيس زحمة ، متكدس بالركاب بعضهم واقفين على سلم الاتوبيس و كل شبابيك الاتوبيس خارج منها رؤوس ركاب. و كان مشهد مألوف في شوارع القاهرة في أوائل السبعينيات.

و مع مرور الأعوام و في سنوات الدراسة المدرسية ، بدأت الموهبة تنمو و تأكدت من خلال درجات التقدير في مادة الرسم انني من الأوائل.

و بدأ ” حلم ” أن أكون فنان تظهر مشاهده في افكاري وبشكل دائم الي حد الازعاج ، و لو كان هذا الحلم فيلم اكون قد كتبت السيناريو و الحوار و قمت بإخراجه و بدور البطولة.حتى التحقت بكلية الفنون الجميلة  ، و أتذكر اول مرة كنت في مواجهة امتحان أن اكون فنان ، كنت طالب في كلية الفنون الجميلة ، سنة ١٩٩٠ و طلب مني أن اقوم بعمل لوحة ، و ارتبكت ، و السبب ، هو اني لا اعلم كيفية عمل لوحة .و بعد تفكير طويل ، اخترت لوحة من أعمال فنان فرنسي شهير اسمه كاميل بيسارو و نقلتها و قدمتها لهذا الشخص.

المرة الثانية التي كنت في اختبار أن اكون فنان ، كانت بعد التخرج و إتمام الدراسة سنة ١٩٩٣ ، و طلب مني عمل لوحة ، و ارتبكت ايضا ، و لنفس السبب ، و هو اني لا اعلم كيف يكون عمل لوحة ، و بدأت مرة أخرى في البحث في الكتب ، و اخترت لوحة ، توافق الموضوع المطلوب رسمه ، و نقلتها و قدمتها.

بعد ذلك ، ببضعة اسابيع ، كنت اجلس بمفردي ، في مرسمي ، و أتأمل ،  الرسومات و الاسكتشات ، التي قمت بتنفيذها سنوات الدراسة ، و منها من حصل على الترتيب الأول.

و أثناء هذا التأمل ، و التفكير ، لحل هذه المشكلة ، و مضمون هذه المشكلة ، انني هذا الشخص الموهوب ، لا أعرف كيف اقوم بعمل لوحة ، و تأكدت أن الموهوب في الرسم و التلوين حتى لو كان متفوق دراسيا ، هذا ليس له علاقة بكونه ” فنان “.

* الموهبة لا تضمن الفن ، أي أن الموهوب ليس مرادف الفنان.

* أن تكون موهوب ، لديك موهبة ، هذا معناه ، أن لديك جزء من رأس المال المطلوب لمشروع فنان ، قد ينجح وقد يفشل.

* أن تكون فنان ، انت محتاج ، في حالة الفنان التشكيلي ، أن يكون لديك ” فكر ” ، أن تعرف ماذا سوف ترسم ، و ثانيا ، أن يكون لديك ” تقنية ” اي أن تعرف كيف ستقوم بتلوين هذا الرسم بطريقة أصلية غير منقولة.

* أن تكون فنان ، بشكل عام ، عليك اولا أن تمتلك ، بجانب الموهبة ، ” فكر ” و تمتلك ” تقنية “.

* و لكي تمتلك فكر عليك البحث داخل نفسك ، في ذاتك ، حتى تجد هذا ” البئر ” ،  بئر عميق لا يجف من تدفق الفكر.

* و لكي تمتلك تقنية في التلوين عليك التجريب كثيرا ، بالوان و ادوات و بطريقة لها خطوات و حرفية ذات طابع واضح المعالم داخله سر الصنعة.

* أي أن الفن هو هذه الخلطة السحرية بين الفكر و التقنية التي تميز هذا الفنان و التي تشبه إلي حد التطابق بصمة أصابع يده.

* و لكن اذا اعتقد شخص موهوب ، انه فنان لانه يجيد الرسم و التلوين ، يرسم أشياء و مناظر بلا فكر و يقوم بالتلوين بطريقة عشوائية ، هذا معناه انه ” حرفي ” صاحب صنعة و ليس فنان.

* لذلك ، يختلط على كثير من الناس و لا يعرفون التمييز بينهما ، بين صاحب موهبة دون فكر ، و هو الحرفي ، و صاحب موهبة و فكر و هو الفنان.

* بعد ذلك ، يبدأ الفنان ، في استعراض ما لديه من إنتاج ، إنتاج فن ، أصلي غير مقتبس ، يعرف فيما بعد ب عمل معلم.

* هذا الإنتاج يعتمد على ” راعي ” ، هو من يقوم بتمويل هذا المشروع ، مشروع فنان.

* أي أن الفنان ، لابد و أن يكون لديه ” موهبة ” و ” دراسة ” و فكر ” و ” تقنية ” و ” راعي “.

* بعد ذلك ، ما يقدمه الفنان سيتم تقييمه من خبراء و جمهور. خبراء ، تشمل متخصصين في هذا المجال و نقاد و الجمهور هم رواد و متذوفين هذا الفن.

* الفنان الناجح ، لديه مؤيدين من الخبراء و من الجمهور.

* و نسبة قليلة من الخبراء و الجمهور يمكنهم معرفة الفرق بين الصنايعي و الفنان.

و انا لم اطلب عدم تكريم الممثل ، و لكن المطلوب العدالة في التكريم و تكريم الفنان التشكيلى بنفس القدر.

هذا الترحيب بممثل في زيارة للقاهرة ، انا لم احظى به.

في حين ما حققته من إنجاز في مجال الفن التشكيلي في نيويورك ، و على مستوى العالم ، اؤكد لك ، دون غرور أو استعلاء ، لا يستطيع فنان مصري تحقيقه مهما كان شأنه و مهما كانت ميزانيته المخصصة لإقامة المعارض.

لأن إقامة المعارض تتطلب فن و ميزانية.

على مدار سنوات إقامتي في نيويورك اقمت قائمة من المعارض اههمهم ، كما هو موضح بالصور :

1- معرض الساعات و حوار جريدة النيويورك تايمز.

2- معرض مكتبة نيويورك العامة لمدة ٤ أشهر.

3- لوحة على غلاف مجلة في نيويورك.

4 -لوحة في فترينة مركز ثقافي شهير في وسط مدينة منهاتن.

أزمة الإبداع في السينما والدراما المصرية 2

أمير وهيب

فنان تشكيلي وكاتب ومفكر 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى