الصراط المستقيم

لماذا أسْلَمْت؟ ..حلقة (11) إسلام عالم الرياضيات الأمريكي جيفري لانج  (الجزء الأول)

بقلم / الدكتور محمد النجار 

والدي يقهر أمي ويضربها  بقسوة رهيبة

“والدي شديد الغضب ، صعب المزاج ، يشرب الكحول ، و بداخله حجم مهول من الغضب المكبوت لأسباب مجهولة ، شديد القسوة على أمي وعلينا نحن أبناءه ، يضرب أمي  بلا رحمة ، فتهرب من قسوة ضرباته ولكماته  الى القبو -البدروم-  فيزداد غضبا ويطاردها إلى القبو ويظل يضربها حتى تخور قواه ، ويظل في حالة عنف لساعات طويلة الى أن يغلب عليه التعب وينام”. بهذه الكلمات الحزينة كان يتحدث البروفيسور جيفري لانج عن طفولته .

طفولة مُرعبة

يتذكر تلك الطفولة المُرعبة ، ويتذكر الخوف من غضب وغليان وقسوة ورعونة والده ، ويقول في محاضرة له بعنوان ( الهدف من الحياة ): “كنت انا واخوتي-أنا اصغرهم- نعيش طفولة مليئة بالرعب..لكن لابد أن أذكر أن أسوأ ما عانيته هو رؤيتي لأبي وهو يسئ الى أمي ويعتدي عليها ويتكرر هذا باستمرار، شراسة وعنف شديد مستمر “.

وأضاف جيفري : رُعب عندما يلكمك والدك بجثته الضخمة أو يصدمك أو يطاردك وأنت طفل صغير مسكين ،  والرعب عندما يهددك بأنه سيسبب لك الأذى أيها الولد السيئ فكل ماتفكر به هو الهرب.. لاتفكر فيما سيحدث بعد ذلك أو في العواقب لما يحدث أو للصدمات النفسية .. كنت أحيا في كابوس دائم.

ويواصل جيفري سرد مسلسل الرعب الذي كان يعيش فيه :”الأسوأ مما سبق هو الرعب الذي يسيطر عليك عندما ترى والدك يبدأ في مطاردة والدتك لأنها هي المصدر الوحيد الذي يمثل لك الحب والحنان والدفئ والحماية ،، فإذا أخذ كل هذا منك ، من وجهة نظرك كطفل ، فإنك تكون قد فقدت كل شئ “.

اختبئ في غطاء السرير عند ضرب أبي لأمي

لم يكن الطفل يملك أي وسيلة لحماية أمه من قسوة والده وجبروته على أمه المسكينة التي كانت مكافحة.  الطفل يتألم نفسيا ويشعر بالذنب لأنه لم يستطع أن يُحرك ساكناً لإيقاف والده عن مهاجمة أمه وهو يصب جام غضبه عليها  في القبو- الدور السفلي ، فكان يختبئ تحت الغطاء متألماً ..حزيناً.. باكياً.. قائلا لنفسه : أنك ضعيف عاجز ومنعدم القدرة على المواجهة وتافه وجبان .

  وفاة أمه المكافحة المسكينة مقهورة

يتحدث عن أمه بكل حزن وألم ، فيقول : أمي كانت سيدة محترمة ، عملت في التمريض قسم المرضى المشرفين على الوفاة  بمهارة وإخلاص ، وكانت تعمل لساعات متأخرة في الليل ، وكنت أذهب لاستقلها في الليل ، وكثيرون من المرضي يخبرونني أن والدتي سيدة رائعة .

جنازة والدته القديسة الحزينة

عند وفاتها كانت الجنازة ممتلئة ، كثيرون لديهم قصص حضروا ليروها  لنا عن طيبة أمي وإخلاصها في العمل ، كثيرون قالوا إن والدتك قديسة.  أمي كانت سيدة عميقة التدين ، وأم رائعة ، ومُدرسة مميزة ، لم تلعن أحداً قط في حياتها ، لم تتصنع ذلك بل كان سلوكها اليومي بهذه الطريقة..

أصعب لحظة حزن :  عند دفن الحبيب لحبيبه

أصعب لحظات حياة الإنسان “الحقيقي” عندما يرى وفاة المظلوم مقهوراً لاحول له ولا قوة ، فما بال لحظات دفن الإنسان لأمه التي كانت له مصدر الحنان والرحمة وهي تغادر الحياة مقهورة مظلومة حزينة بينما كانت هي الشمعة المضيئة في حياة الإبن أو الإبنة

أكره والدي لقهره أمي مع شعوري بالذنب

أشعر بالذنب نتيجة تنامي كراهيتي لوالدي ، لأننا تربينا على إحترام والدينا ، ونولد وبداخلنا هذه الرابطة التي تربطنا بهم  ، لكن شعوري بالظلم والقهر لوالدتي ، والقسوة علينا ونحن أطفال ، ولم استطع فعل شئ  يمنع هذا القهر وتلك القسوة ، فكنت أشعر بالكراهية تجاه والدي.

الدعاء للهِ بإزاحة والدي من حياتنا

كان جيفري يتمنى ان يتخلص من والده ويقول :  تتنامى الكراهية وتتضخم في داخلك ، ليس فقط تجاه الرجل الذي تدعوه بأبيك ، ولكن تجاه نفسك  أيضاً على حد السواء ..إنه لأمر مروع أن تتجبر على طفل عليه أن يختار بين أمه ونفسه .. إنها قمة الظلم .

أحلم باليوم الذي لا أرى فيه والدي

إعتدت وأنا طفل صغير على أحلام اليقظة التي أعيش فيها بدون والدي..

كل ماكنت أرجوه أن يذهب العنف بلا رجعة وألا اكون خائفاً مرة أخرى.

شعرت أنني أعيش في كابوس بلا مخرج منه !!

فكنت أدعو الله أن يزيح والدي من حياتنا ..

تساؤلات هامة

وفي محاضرته القيمة( الهدف من الحياة ) يعترف جيفري  ان قهر والده لوالدته دفعه لطرح تساؤلات حول الايمان بالله ويقول:

قهر أبي لأمي دفعني للتساؤل عن حقيقة وجود الله

هل الله موجود حقاً؟كيف ويترك أبي يقهر أمي؟

لم استطع تخيل الذنب البشع الذي من الممكن أن تكون قد إقْتَرَفَتْهُ  أمي وما فعلناه نحن أبناؤها لكي نستحق وجود والدي!!!

لم أكن ناضجاً بشكلٍ كافٍ لكي أطرح مثل هذه الأسئلة ، ولكن كان يملؤني غضب عارم يفجر داخلي هذه التساؤلات!!!

كنت حدثا صغيراً لا أعرف حكمة أمي وهي تتحمل مساوئ والدي!!

كنت حدثا صغيراً لا أعرف السبب الذي يجعل الله يترك أطفالاً صغاراً يشعرون بالرعب كل ليلة في أَسِرْتِهم أي في”سرايرهم التي ينامون عليها” خوفا أن لا يروا والدتهم بينهم في اليوم التالي!!!

كنت حدثا صغيرا لايتصور كيف يمكن لرحمة الله أن تصل لرجل مثل والدي!!

كل ما كنت أراه في عالمي هو الفوضى والعنف والخوف وهو ماجعل التساؤل عن صحة وجود الإله ؟؟؟؟؟

جبروت الأب دفع إبنه للإلحاد والكفر

أدى جبروت وطغيان الأب ضد والدته الى قتل فطرة  إبنه  السليمة ، وبدلا ً من الدعاء  لوالده أصبح  يدعو عليه  مراراً وتكراراً أن يزيح  اللهُ والدهَ عن حياتهم .

بل الأكثر من ذلك ، أن طغيان والده على والدته دفعت ذلك الطفل يتسائل عن حقيقة وجود الإله!!!

ونحن بدورنا نتساءل :هل زيارة الطاغية “والداً أو حاكماً” للكنيسة أو المسجد تجعله مؤمناً؟؟

ما أغبى ذلك الأب القاسي الطاغي الذي يحاول غرسَ الإيمان في قلوب أبناءه بإصطحابهم الى الكنائس أو أماكن  العبادة ظناً منه أنه يغرس الإيمان في  نفوسهم بمجرد وجودهم في الكنيسة أو المسجد أو أي مكان للعبادة ؟؟

ألا يظن أمثال هذا الرجل سواء كان أب أو حاكم أن طغيانه الذي يراه أبناؤه في تصرفاته ومسالكه هو الذي يرسخ في أذهان وقلوب أبناءه؟؟

أليس هو المثل الأعلى لأبناءه ورعاياه وشعبه؟؟؟

ألا  يعلم أمثال هؤلاء أن أبنائهم وشعوبهم يتمنون زوالهم سواء بالموت أو القتل   للتخلص من شرورهم وطغيانهم وجبروتهم؟؟ وهذا الأنتقام الإلهي من هؤلاء الطواغيت في الحياة الدنيا ، ثم حسابهم العسير عند لقاء الله ((ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين))  سورة المطففين

ألا يعلم أمثال هؤلاء أن طعام أبنائهم من الحرام الذي سوف يأكل بطونهم وأحشائهم إن لم يكن في الدنيا ، فحتما في الآخرة؟؟

إن قيم الإيمان تتحقق في الحب والرحمة والعطاء وليست في الكراهية  والتجويع وقهر الآخرين.

غطرسة أمريكا تدمر فيتنام وتحرق أطفالها

إن غطرسة القوة التي كانت تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية ، والمذابح التي كانت ترتكبها ضد الدول الضعيفة مثل فيتنام ، وقنابل النابلم الحارقة التي كانت تلقيها على الشعب الفيتنامي ، ومنظر الأطفال وهم عرايا يجرون من شارع الى شارع وأجسادهم تشويها حرائق قنابل النابلم  الحارقة كانت تهز العالم كله ، لكنها لم تكن تهز قلب حكام أمريكا ، بل كانت كل تزداد غطرسة وجبروت .

هكذا يفعل الطغاة  .. يدفعون الشعوب للكفر

ولقد هزت تلك المشاهد هذا الصبي وأمثاله الذي شاهدها على شاشات التلفزيون ، وكانت فطرته لاتزال تحمل بعض الخير ، فيتسائل ألا توجد قوة تستطيع أن تقف في وجه أمريكا لوقف تلك القنابل والإبادة الجماعية ضد فيتنام؟؟ في الوقت الذي إغتيل  فيه  الرئيس جون كيندي ، وزعيم الحركة ضد العنصرية الامريكية مارتن لوثر كنج . وكانت هناك مشكلات عرقية ، ونهب وسلب خاصة في المدن الصناعية كمدينتي. وكنا نشاهد الضحايا على شاشة التلفاز كل مساء ، ولقد كان هناك خوف دائم من أن أحدا سوف يؤذيك ، وخوف من شئ ما لم تكن تعلمه!!

يقول جيفري :إن فكرة أن الله خلق الدنيا على هذه الحالة(من الألم والحزن والخوف)ثم فوق ذلك يعاقبنا في النهاية جميعا ماعدا نفراً قليلا منا ، كانت أكثر رعباً وسيطرةً على عقولنا من فكرة ألا نؤمن بالله على الإطلاق ، وهكذا أصبحت ملحداً في سن الثامنة عشرة من عمري .

وعندما لم يجد تلك القوة التي تهزم أمريكا التي تعربد وتحرق وتقتل شعب وأطفال في فيتنام!!

وعندما لم يجد تلك القوة التي تهزم الشر وتحاكم المجرمين الذين قتلوا الرئيس كيندي ومارتن لوثر كينج  داخل أمريكا !!

بدأ يتساءل وهو في سن مبكرة:

لماذا يخلق الله الكون على هذه الشاكلة..؟؟

لماذا يدع الله الأطفال في فيتنام يتعرضوا للقنابل ويجرون في الشوارع عراة وأجسادهم محترقة علما بأنهم لم يقترفوا مايستحقون هذه المعاناة؟؟

لماذا يدع الله  الصراع العنصري يستمر؟

لماذا يدع الله  الصراعات تستمر مراراً لأناس لم يقترفوا ذنبا ولم يتسببوا في هذا العنف ؟؟

وظل هذا السؤال يطارده حتى وصل الى درجة الإلحاد وهو في الثامنة عشر من عمره ، وظل يبحث طيلة عشر سنوات حتى وجد الأجابة الشافية التي تخاطب العقل والمنطق..

هذه نهاية الجزء الأول من قصة إسلام عالم الرياضيات جيفري لانج وللحديث بقية في الجزء الثاني بإذن الله

د.محمد النجار 11-01-2023م

الخميس 19جمادى الثاني1444هـ

الموافق 12 يناير 2023

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.