ماذا يقول المعلم في أمريكا اليوم؟
عرض وتحليل: د. عبدالباقي أبوزيد *
لا يستطيع أحد التقليل من أهمية المعلم على مر العصور والأزمان، فعلى الرغم مما يتميز به القرن الحادي والعشرين من خصائص كزيادة استخدام التكنولوجيا بأدواتها المختلفة وخاصة الذكاء الاصطناعي ، إلا أن أهمية المعلم ستزداد في المستقبل، وذلك لأنه يعد طرفاًً فاعلاًً في مواجهة متطلبات القرن الجديد، حيث يعد المعلم الكفء الركيزة الأساسية للعملية التعليمية، والقائد الذي يسير بها إلي تحقيق أهدافها المنشودة، ويضفي عليها الحيوية والنشاط، وهو الذي يصنع بيئة التعلم الفعال، فمهما كانت السياسات التربوية والمناهج والإدارة والإمكانات من كتب وأنشطة ومعامل وأبنية وإرشاد وتوجيه …إلخ، فلن يمكن تحقيق أهداف التربية إلا بالمعلم المتمكن من مادته العلمية، ولديه مهارات تدريسية ودافعية لتحقيق أهدافها، حيث أكدت الدراسات على أن دور المعلم في العملية التربوية يمثل نسبة 60% من التأثير في تكوين من الطالب، بينما تمثل بقية العناصر الأخرى في العملية التربوية 40% .
ويري كثير من التربويين أن نجاح المدارس أو فشلها في تحقيق أهدافها إنما يرجع بالدرجة الأولي إلى معلميها وما يتوفر لديهم من معارف ومهارات وقيم وسلوكيات، حيث يتحدد من خلالهم نوعية حياة الأمة ومستقبل أجيالها، ولهذا حث تقرير معلمو الغد Tomorrow’s Teachers: A Report of The Holmes Group الذي أعدته مجموعة هولمز بالولايات المتحدة الامريكية في ثمانينيات القرن العشرين القيادة السياسية والتعليمية على ضرورة توافر الفهم الجاد والصحيح لمكانة المعلم في حياة الأمة، وطالب بإحداث إصلاحات جذرية في أساليب إعداد وتدريب ومكافأة وتقويم المعلمين للوفاء بمتطلبات القرن الحادي والعشرين.
ولأهمية معرفة واقع المعلمين ورضاهم عن وظيفتهم، وما يواجهونه من تحديات، وآراؤهم في القضايا التربوية المختلفة، وعلى نسق تقرير مجموعة هولمز، قام مركز بيو للأبحاث بالولايات المتحدة الأمريكية (Pew Research Center, USA) بالدراسة التي بين أيدينا، حيث هدفت إلى معرفة آراء المعلمين الأمريكيين بالمدارس الحكومية في ست قضايا أساسية هـي: (1) رضا المعلمين عن وظائفهم (2) كيفية إدارتهم لعبء العمل (3) التحديات التي تواجه المعلمين مع الطلاب (4) المشكلات داخل الفصول الدراسية (5) آراء المعلمين حول مشاركة أولياء الأمور (6) نظرة المعلمين العامة إلى نظام التعليم الحكومي في أمريكا.
ولتحقيق أهداف الدراسة تم تطبيق استبانة عبر الإنترنت على (2531) معلم بالمراحل التعليمية من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلة الثانوية، والمدرجة أسماؤهم بقاعدة بيانات معلمي المدارس الحكومية الأمريكية. ونشر التقرير الخاص بهذه الدراسة في أبريل 2024، وفيما يلي عرضاً لما جاء بهذ التقرير من نتائج.
نتائج الدراسة: فيما يتعلق بالقضايا الست التي تناولتها توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الهامة منها:
أولاًً: فيما يتعلق بالقضية الأولى وهي: رضا المعلمين عن وظائفهم.
أوضحت النتائج أن: %77 من المعلمين وصفوا عملهم بأنه مرهق للغاية، %52 من المعلمين لا ينصحون الشباب بالدخول للعمل في مجال التعليم، %33فقط من المعلمين قالوا أنهم راضون جداً عن وظائفهم، %48 من المعلمين أشاروا إلى أنهم راضون إلى حد ما، بينما قال 18% من المعلمين أنهم غير راضون على الإطلاق عن وظائفهم، وكانت أكثر جوانب رضا المعلمين هي العلاقة مع زملاء العمل بنسبة 71% ، تلتها العلاقة مع الإدارة المدرسية بنسبة 52%، وفي المرتبة الثالثة جاءت الحرية في تنفيذ المنهج الدراسي بنسبة 46% ، وفي المرتبة الرابعة جاءت العلاقة مع أولياء الأمور بنسبة 45% ، أما أقل جوانب الرضا فجاءت كما يلي: الوصول إلى الموارد اللازمة للقيام بالوظيفة بنسبة 36%، الفرص التدريبية لتطوير المهارات بنسة 36%، مستوى الراتب بنسبة 15% فقط راضون جدًا عن رواتبهم، بينما أعرب 51% عن عدم رضاهم عن رواتبهم، وأكدت النتائج أن معلمي المرحلة الابتدائية أقل رضا عن الحرية في تنفيذ المناهج الدراسية بنسة 39% مقارنة بمعلمي المرحلتين المتوسطة والثانوية، والتي بلغت النسبة 50% ، 53% على التوالي.، وعن رضا المعلمين عن العلاقة مع أولياء الأمور فقد أكد 55% من معلمي المرحلة الابتدائية أنهم راضون للغاية عل علاقتهم بأولياء الأمور، مقارنة بـ 38% من معلمي المرحلة المتوسطة، 35% من معلمي المرحلة الثانوية، وعن مستوى رضا المعلمين بناءً على الاختلافات في مستوى الفقر في المدارس، فقد أكد المعلمون في المدارس منخفضة الفقر أنهم أكثر رضا عن علاقاتهم مع أولياء الأمور بنسبة 51% مقارنة بالمعلمين في المدارس متوسطة الفقر 39% ومرتفعة الفقر%40 ، وأكد %30 من المعلمين في المدارس مرتفعة الفقر أنهم غير راضون عن حريتهم في تنفيذ المناهج الدراسية، مقارنة بـ 22% في المدارس متوسطة الفقر، 17% في المدارس منخفضة الفقر، وفيما يتعلق بمستوى رضا المعلمين عن ثقة المجتمع الأمريكي وزملائهم فيهم، فقد أوضحت النتائج ما يلي: 18% فقط من المعلمين يعتقدون أن الجمهور الأمريكي يثق في قدرة معلمي المدارس الحكومية على أداء عملهم بشكل جيد، ويشعر معظم المعلمين بثقة زملائهم تجاههم بنسبة 58% والإداريين بنسة 53% والطلاب بنسة 52%.
ثانياً: فيما يتعلق بالقضية الثانية وهي: كيفية إدارة المعلمين لعبء العمل.
أوضحت النتائج أن: 84% من المعلمين قالوا أنهم لا يملكون وقتًا كافيًا خلال ساعات العمل الرسمية لإنجاز المهام المطلوبة منهم مثل: تصحيح الواجبات، إعداد الدروس، الأعمال الورقية، والرد على رسائل البريد الإلكتروني، وقد أشار 81% منهم إلى أن السبب الرئيس هو وجود الكثير من الأعمال الأخرى التي يجب عليهم إنجازها مثل: أداء مهام غير تعليمية مثل الإشراف على الممرات أو فترات الغذاء بنسبة 24%، ومساعدة الطلاب خارج أوقات الحصص الدراسية بنسة 22%، وتغطية فصول المعلمين الآخرين عند غيابهم بنسبة 16%، وتختلف هذه الأسباب باختلاف المرحلة الدراسية، حيث أشارت النتائح إلى أن 88% من معلمي المرحلة الابتدائية يرون عدم كفاية الوقت لإنجاز مهامهم، مقارنة بـ 83% من معلمي المرحلة المتوسطة، 78% من معلمي المرحلة الثانوية، وعن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية أكد 54% من المعلمين أن تحقيق التوازن بين العمل وحياتهم الشخصية صعب جدًا، وأنها تختلف باختلاف النوع، حيث إن المعلمات يجدن صعوبة في تحقيق التوازن بنسبة 57% مقارنة بالمعلمين بنسبة 43%، وأكد 26% فقط من أنهم يجدون هذا التوازن سهل جدًا أو سهل إلى حد ما، وفيما يتعلق بالشعور بالإرهاق أكدت النتائج أن المعلمات أكثر عرضة للشعور بالإرهاق مقارنة بالمعلمين بنسة 74% ، 49% على التوالي، وعن التفكير في ترك الوظيفة أكدت النتائج أن 29% من المعلمين قالوا أنهم يفكرون في البحث عن وظيفة جديدة ، 40% من هؤلاء يخططون لترك قطاع التعليم بالكامل، 29% يبحثون عن وظائف غير تدريسية داخل قطاع التعليم ، 18% يبحثون عن وظائف تدريسية في مدارس أخرى.
ثالثاً: فيما يتعلق بالقضية الثالثة وهي: التحديات التي تواجه المعلمين مع الطلاب.
أوضحت النتائج أن: الأداء الأكاديمي للطلاب يعد من التحديات الأساسية، وقد أظهرت النتائج أن48% من المعلمين أكدوا أن الأداء الأكاديمي للطلاب ضعيفاًً أو متوسطاًً، في حين وصف 17% فقط من المعلمين الأداء الأكاديمي للطلاب بأنه ممتاز أو جيد جدًا، ويتأثر الأداء الكاديمي بمستوى الفقر، حيث وصف 73% من المعلمين في المدارس مرتفعة الفقر أداء الطلاب بأنه ضعيف أو متوسط، في المقابل قال 27% من المعلمين في المدارس منخفضة الفقر قالوا الشيء نفسه، ومن التحديات ما يتعلق بالصحة النفسية والسلوكية، حيث أكد 58% من المعلمين أنهم يتعاملون مع مشكلات سلوكية يوميًا، 28% قالوا إنهم يقدمون دعمًا يوميًا للطلاب الذين يواجهون تحديات نفسية، وأشارت النائج أن المعلمين في المدارس ذات الفقر المرتفع يتعامون مع مشكلات سلوكية يومية بنسبة67% مقارنة بالمدارس منخفضة الفقر بنسبة 54% ومتوسطة الفقر بنسبة 56%.
رابعاً: فيما يتعلق بالقضية الرابعة وهي: المشكلات داخل الفصول الدراسية.
أوضحت النتائج أن: 47% من المعلمين قالوا أن قلة اهتمام الطلاب بالتعلم تمثل مشكلة كبيرة في فصولهم الدراسية، وأكد 33% من المعلمين أن انشغال الطلاب بهواتفهم المحمولة يمثل مشكلة كبيرة، عن إجراءات التعامل مع الهواتف المحمولة أكد 82% من المعلمين أن مدارسهم أو إداراتهم لديها سياسات بخصوص استخدام الهواتف في الفصول الدراسية، من بين هؤلاء 56% أكدوا إن هذه السياسات سهلة التنفيذ، بينما أكد 30% إنها صعبة التنفيذ، وأن 60% من معلمي المرحلة الثانوية يجدون صعوبة أكبر في تنفيذ سياسات الهواتف، مقارنة بمعلمي المرحلة المتوسطة 30% والابتدائية12%، وأكد 21% من المعلمين أن الطلاب يتجولون داخل الفصل دون إذن باعتباره مشكلة كبيرة، في حين أكد 21% من المعلمين أن عدم احترام الطلاب لهم يُعد تحديًا رئيسيًا، وعن اختلافات هذه التحديات باختلاف المرحلة الدراسية أشارت النتائج إلى أن معلمي المرحلة الثانوية وصفوا انشغال الطلاب بالهواتف المحمولة كمشكلة كبيرة بنسة 72%، مقارنة بـ 33% من معلمي المرحلة المتوسطة، مقابل 6% فقط من معلمي المرحلة الابتدائية، وأكد 58% من معلمي المرحلة الثانوية أن قلة اهتمام الطلاب بالتعلم تمثل مشكلة كبيرة، مقارنة بـ 50%في المرحلة المتوسطة، 40% في المرحلة الابتدائية، وكان التجول داخل الفصل هو الأكثر شيوعًا في المدارس الابتدائية بنسبة 23%، والمدارس المتوسطة بنسبة 24%، مقارنة بالمدارس الثانوية 16%، وفيما يتعلق بعدم الاحترام أشارت النتائج أن: 27% من معلمي المرحلة المتوسطة، 23% من معلمي المرحلة الابتدائية أشاروا إلى أن عدم احترام الطلاب يمثل مشكلة كبيرة، مقارنة بـ 14% فقط من معلمي المرحلة الثانوية، وبخصوص سلوك الطلاب تجاه المعلمين أكدت النتائج أن 68% من المعلمين قالوا أنهم تعرضوا لإساءة لفظية من الطلاب، مثل الصراخ عليهم أو التهديد، 21% أشاروا إلى أن هذه الإساءات اللفظية تحدث بضع مرات شهريًا أو أكثر، 40% قالوا إنهم تعرضوا للعنف الجسدي من الطلاب في مرحلة ما خلال حياتهم المهنية، 9% قالوا أن ذلك يحدث بضع مرات شهريًا أو أكثر. وهذه السلوكيات تختلف حسب مستوى الفقر، حيث أكد27% من المعلمين في المدارس ذات الفقر المرتفع أنهم يتعرضون لإساءة لفظية من الطلاب عدة مرات شهريًا، مقارنة بـ 19% في المدارس متوسطة الفقر، 18% في المدارس منخفضة الفقر، وبجانب هذه المشكلات توجد مشكلات أخرى، ولمستوى الفقر دوراًً اساسيا فيها، ومن هذه المشكلات: التغيب المزمن، حيث يرى %66 من المعلمين في المدارس مرتفعة الفقرأنها مشكلة كبيرة، مقارنة بـ 34% في المدارس منخفضة الفقر، والقلق والاكتئاب، حيث يرى %44 من المعلمين في المدارس مرتفعة الفقر أنها مشكلة كبيرة، مقارنة بـ 51% في المدارس منخفضة الفقر، والعنف والمشاجرات، حيث يُنظر إليها على أنها مشكلات أكبر في المدارس مرتفعة الفقر مقارنة بالمدارس الأخرى.
خامساًً: فيما يتعلق بالقضية الخامسة وهي: آراء المعلمين حول مشاركة أولياء الأمور.
أوضحت النتائج أن: %79 من المعلمين يرون أن أولياء الأمور لا يتحملون مسؤولية كافية تجاه سلوك أبنائهم إذا أساؤا التصرف في المدرسة، 63% يعتقدون أن أولياء الأمور لا يضمنون حضور أبنائهم بشكل كافٍ، وأكد 68% من المعلمين أن أولياء الأمور لا يساعدون أطفالهم بشكل كافٍ في الواجبات، وتختلف المشاركة باختلاف المرحلة الدراسية، حيث يؤكد 75 % من معلمي المرحلة الثانوية قلة مشاركة أولياء الأمور في ضمان حضور الأطفال مقارنة بمعلمي المرحلة المتوسطة 60% والابتدائية %56، وفيما يتعلق بطبيعة التفاعلات مع أولياء الأمور هل هي إيجابية أم سلبية، أوضحت النتائج أن %65 من المعلمين يرون أن أولياء الأمور يظهرون تقديرًا لجهودهم أحيانًا، وأن %يرون أن هذا يحدث كثيرًا، في حين أكد% 40 من المعلمين أن أولياء الأمور يتواصلون معهم بشكل غير محترم أحيانًا، وأن %24 من المعلمين أكد أولياء الأمور يعبرون عن اعتراضهم على ما يتم تدريسه أو مناقشته في الفصل أحيانًا، وفيما يتعلق بالعنف من جانب أولياء الأمور أظهرت النتائج أن %91 من المعلمين قالوا إنهم لم يتعرضوا أبدًا لعنف جسدي من أولياء الأمور، وأن %7أشاروا إلى أنهم تعرضوا لذلك في مرحلة ما.
سادساًً: فيما يتعلق بالقضية السادسة وهي: نظرة المعلمين العامة إلى نظام التعليم الحكومي في أمريكا.
أوضحت النتائج أن: الغالبية العظمى من المعلمين 82% يرون أن الوضع العام للتعليم الحكومي من مرحلة الروضة حتى الصف الثاني عشر( المرحلة الثانوية) قد أصبح أسوأ في السنوات الخمس الماضية، وأن 5% يقولون أن الوضع تحسن، في حين يرى 11% يرون أنه لم يتحسن ولا أصبح أسوأ.
وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع 53% من المعلمين أن تكون حالة التعليم الحكومي أسوأ بعد خمس سنوات من الآن، ويرى واحد من كل خمسة أن الوضع سوف يتحسن، ويتوقع 16% ألا يكون أفضل أو أسوأ، وعن مدى مساهمة المناخ السياسي والتمويل في مستقبل التعليم الحكومي، يرى 60 % من المعلمين أن المناخ السياسي هو السبب الرئيسي وراء تفاقم وضع التعليم، في حين يرى %46 من المعلمين أن توافر التمويل والموارد هو السبب وراء تفاقم وضع التعليم الحكومي.
وختاماًً: يتضح من نتائج هذه الدراسة أننا في الوطن العربي بحاجة ماسة إلى أن نولي مثل هذه الموضوعات أهمية خاصة، وأن تكون مثل هذه الدراسات أحد الوسائل الأساسية لوضع سياسات التعليم عامة وما يتعلق بالمعلمين خاصة، وآمل أن تكون هذه الدراسة محل اهتمام من جانب كل من له علاقة بهذا المجال.
د. عبدالباقي أبوزيد
*أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد بجامعتي البحرين وسوهاج
عضو مجلس أمناء مركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية