أراء وقراءاتالبحث العلمى

مفهوم الكون الكبير ..(15) إشارات القرآن الكريم حول السماوات والأرض

بقلم: د.سعد كامل

البحث القرآني حول السماوات والأرض:

جاء في المقال الثالث من هذه السلسلة بعنوان: “قصتي مع بحث مفهوم الكون” (كامل، 2022) الذي ناقش مسيرة ذلك البحث بداية من الاهتمام بالبحث حول حقيقة قوة الجاذبية، إلى دراسة كتاب حقيقة السماوات والأرضين (حناوي، 1958؟)، ثم تأليف بحث “مفهوم الكون بين النقل والعقل” (كامل، 2019)، وتلا ذلك البدء في حصر الآيات القرآنية حول السماوات والأرضين وما يرتبط بها من مفاهيم، وقد نتج عن ذلك الحصر تحديد آيات من أكثر من 700 موضع في القرآن الكريم، وتم البدء بدراسة تفسير هذه الآيات (أكثر من 1400 آية) في مختصر تفسير ابن كثير، وفي تفسير الوجيز للإمام الواحدي، وذلك كبداية لبحث قرآني حول ما يتضمنه تراثنا الزاهر من مفاهيم تنتشر ضمن طيات الكتب وتحتاج لمن يجمعها.

ويمكن القول بناء على استقراء ما كتبه المفسرين حول الآيات الكونية في القرآن الكريم أن الآيات التي تم حصرها تدور حول فكرة محورية عامة وهي تأكيد وحدانية الخالق سبحانه وتعالى، فالكون لم يُخلق عبثا ولا ارتجالا من قبل طبيعة صماء، بل خلقه الخالق عز وجل، وأن ذلك الكون يؤكد عظمة وقوة وقدرة الخالق سبحانه وتعالى مالك المُلك ذو العرش المجيد.

وقد قام الباحث بحصر أكثر من 150 موضعا في القرآن الكريم يتضمن كلمة “السماوات والأرض” بمعنى السماوات السبع والأرضين السبع (الجدولين 1، 2)، وتم حصر حوالي 70 موضعا تتضمن كلمة “السماء” بمعنى السماوات، إضافة إلى أكثر من 150 موضعا يشير إلى كلمة “الأرض” بمعنى الكرة الأرضية التي نعيش عليها… ويؤكد الباحث على أن هذا الحصر يعتبر حصرا مبدئيا لا يدعي استقصاء جميع ما ورد في القرآن من الكلمات المشار إليها، فقد يتم وضع آية في أكثر من موضوع، وقد يتم وضع آية ضمن موضوع وعدم وضعها ضمن موضوع آخر لعدم التكرار… من هنا يؤكد الباحث على أن هذا الحصر يعتبر مبدئيا. وسيتم تناول ما تم جمعه ضمن موضوعي “السماء” و “الأرض” في مقالات قادمة.

جدول (1): ((لو كان الجدول غير ظاهر، نرجو الضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

 

جدول (2): ((لو كان الجدول غير ظاهر، نرجو الضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

إشارات حول السماوات والأرضين في القرآن الكريم:

فيما يلي عرض موجز لأهم نتائج الجزء الأول من ذلك البحث القرآني حول “السماوات والأرضين”: ويمكن تقسيم الآيات التي تم حصرها ضمن هذا الموضوع إلى مجموعتين عامتين:

المجموعة الأولى تضم الآيات التي تتناول وصف مكونات السماوات السبع وتذكر تفاصيل خلقهما، وهذه المجموعة تضم آيات من حوالي 30 موضعا من الكتاب الكريم، وسيتم استقراء مفاهيم بعض هذه الآيات تفصيلا في المقالات التالية وفي مقالات خلق السماوات وخلق الكون.

أما المجموعة الثانية فتضم 117 موضعا من القرآن الكريم (الجدولين: 1 و 2)، وتتضمن أساليب لغوية متعددة تهدف إلى تأكيد وحدانية الخالق سبحانه وتعالى، وتعتبر من أبرز الشواهد على منهج القرآن الكريم في تربية المعاني الإيمانية في قلوب المؤمنين:

أساليب تربوية في القرآن الكريم:

جاء في الجدولين (1 و 2) آيات من 117 موضعا من القرآن الكريم  تتضمن كلمتي السماوات والأرض في أساليب لغوية تهدف إلى تأكيد وحدانية الخالق سبحانه وتعالى، والناظر في المصحف الشريف يلاحظ ذكر هذه الأساليب في مواضع عديدة بطريقة توضح المنهج التربوي للقرآن الكريم، فعندما يدور السياق حول التصدق والبذل في سبيل الله تجد قوله تعالى: (ولله ميراث السماوات والأرض)، وعندما يدور السياق حول مايحيك في الصدور من أسرار تجد قوله تعالى: (ولله غيب السماوات والأرض)، وفي المواضع التي تتناول البعث والنشور يأتي قوله تعالى: (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)، فهذا الكون الواسع يقف شاهدا على القدرة والعلم والحكمة البالغة لخالقه عز وجل.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعدد هذه الأساليب اللغوية عن قدرة الخالق سبحانه وتعالى وعلمه الواسع بذلك الكون العظيم وبجميع ما فيه من مخلوقات لا يعتبر تكرارا كما أجمع على ذلك المفسرون، فكل كلمة بل كل حرف يتكرر في القرآن الكريم يأتي للإشارة إلى قضية مختلفة عن الموضع الذي يسبقه حيث تتكرر كلمة أو أكثر للإشارة إلى قضية جديدة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما جاء في سورة النساء ضمن قوله تعالى:

(وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132))

نجد قوله تعالى (ولله ما في السماوات وما في الأرض) قد تكرر ثلاث مرات في آيتين متتاليتين، لكن لا تكرار هنا كما يقول الإمام البغوي في تفسيره: ” فأي فائدة في تكرار قوله تعالى  (ولله ما في السماوات وما في الأرض) قيل: لكل واحد منهما وجه، أما الأول: فمعناه لله ما في السماوات وما في الأرض وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته، وأما الثاني فيقول: (فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا) أي: هو الغني وله الملك فاطلبوا منه ما تطلبون, وأما الثالث فيقول: (ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) أي: له الملك فاتخذوه وكيلا ولا تتوكلوا على غيره”، بالتالي لا تكرار كما نرى…. وهكذا في كل كلمة وكل حرف بالمصحف الشريف.

دقة اللفظ القرآني

كما نلاحظ دقة اللفظ القرآني في هذه الأساليب اللغوية التي تشير إلى السماوات السبع والأرضين السبع: فعند الكلام عن المخلوقات عموما يأتي قوله تعالى: (ما في السماوات والأرض)، أما عندما يشير السياق إلى المؤمنين من المخلوقات فيأتي قوله تعالى: (من في السماوات والأرض) تكريما وتقديرا من المولى عز وجل للفئة المؤمنة من عباده، وهكذا يتغير الأسلوب اللغوي الذي يذكر مكونات الكون حسب ما يناسب السياق من لفظ دقيق ليعبر أفضل تعبير عن مراد الله عز وجل في ذلك السياق.

نقطة نظام واجبة:

يشير الباحث هنا إلى أن البحث الحالي لا يهدف إلى مناقشة تفسير جميع الآيات القرآنية الكريمة حول السماوات والأرضين، حيث أنه يهدف إلى مناقشة تفاصيل وصف هذا الجزء من الكون وفق ما أورده الإمام ابن كثير في تفسيره بشكل أساسي -نقلا عن مختصره- وذلك ضمن تفسير بعض الآيات الثلاثين من المجموعة الأولى المذكورة أعلاه. لكن يؤكد الباحث أن الرجوع إلى تفسير الآيات المذكورة في الجدولين (1 و 2)، والتوسع في كتب التفسير الأخرى حول موضوع السماوات السبع والأرضين السبع بما يخدم مفهوم الكون في الإسلام يعتبر من الأهداف المستقبلية لهذا البحث الكبير، ويتمنى الباحث أن يلتفت أهل العلم إلى هذه القضية العلمية الكبرى –مفهوم الكون- حتى نتعاون في استخراج الكنوز التي تنتشر ضمن طيات كتب التراث الإسلامي الكبير بإذن الله تعالى.

المراجع:

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: أبي الحسن الواحدي ( – 468هـ).

تفسير البغوي (معالم التنزيل): لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (- 516 هـ).

حناوي، مصطفى (1958؟): حقيقة السماوات السبع والأراضين السبع وما بينهما، 518 ص، متاح نسخة PDF  للاطلاع والتنزيل لدي الكاتب بعد إلغاء موقع المؤلف على الفيس بووك.

كامل، سعد (2019): مفهوم الكون بين العقل والنقل، دار نور للنشر الإلكتروني.

كامل، سعد (2022): مفهوم الكون الكبير (3) قصتي مع بحث مفهوم الكون، وضوح الإخباري.

مختصر تفسير ابن كثير: اختصار وتحقيق محمد على الصابوني، 3 مجلدات (1973م).

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.