أراء وقراءاتالبحث العلمى

مفهوم الكون الكبير ..(33) من مواقف البشر نحو الإيمان بالملائكة

بقلم: د.سعد كامل 

من أفاق التفكر حول عالم الملائكة:

 كاتب هذه السطور يحمد الله تعالى على فضله بالسماح لنا أن نتفكر في مخلوقاته، ويرى كاتبنا أن عالم الملائكة يعتبر واحدا من أكبر مجالات ذلك التفكر، فالملائكة خلق من خلقه عز وجل، وشأنهم شأن جميع المخلوقات يظهر فيها الدقة والإبداع الرباني … وكان كاتبنا أثناء عمله في تدريس العلوم يرفض الصياغات الإلحادية لمناهج العلوم -التي تؤسس الفكر عند أبناء الأمة-، تلك المناهج التي كانت تشير إلى صفات وحواس الكائنات الحية على أنها من دروب تكيف تلك الكائنات -نباتات أو حيوانات- كما لو كانت تلك الكائنات عاقلة مختارة يمكنها الاختيار بين أدوات الحواس والصفات فتختار منها ما يمكنها من التكيف مع البيئة، لذلك كنت أقول للأبناء أن ذلك يعتبر من ضروب الملائَمةِ وليس تكيفا، فهذه الكائنات قد خلقها المولى عز وجل ملائِمةً للمهام التي خُلقت من أجلها وللبيئة التي تعيش فيها.

 وبالمثل يرى الباحث أن عالم الملائكة يسري عليه نفس القاعدة، قاعدة الملائمة للمهام والبيئة التي خلقهم الله تعالى لها.

من هنا نستنتج ونؤكد أن علماء القرون الأولى من أئمة المسلمين الذين كانوا أقرب إلى المعين الصافي للوحي الشريف الذي أُنزل على المعصوم صلى الله عليه وسلم، نستنتج أن هؤلاء الأئمة كانوا يتفكرون في خلق الله في السماوات والأرض والكون بطريقة تتناسب مع الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، ويعتقد كاتب هذه السطور أن هؤلاء الأئمة الأعلام قد قدموا للأمة خدمات جليلة بتناول تلك القضايا المهمة دون تكلف أو حرج، وهم في ذلك قد أسسوا الطريقة الصحيحة للتفكر حول تلك القضايا الغيبية فرفعوا عنا الحرج في أن نتفكر مثلهم ونتناول هذه القضايا ما دمنا لا نخرج عن مراد النصوص الشرعية، وما دمنا نتبع التأويل الصحيح للنصوص الشرعية، ذلك التأويل الوارد في تفسيراتهم الجليلة، ولا نخرج أيضا عن حدود فهم تلك النصوص وفقا لقواعد اللغة العربية.

تأمل أيها القارئ الكريم في كلمات الإمام ابن القيم –رحمه الله- التي تشير لمبدأ السببية في توزيع المهام على جنود الله من الملائكة الكرام في تسيير الكون في العالمين السفلي والعلوي، فالأمر لله عز وجل وما الملائكة الكرام إلا سببا في تنفيذ تلك المهام (مثل: حركة الأفلاك والرياح والسحب والجبال والنبات والحيوان، وتشكيل الجنين في الرحم والملائكة الحفظة للإنسان، وملك الموت، وخزنة جهنم، والملائكة الموكلة بالجنة… وغيرها) فالملائكة أعظم جنود الله تعالى كما قال الإمام ابن القيم.

ونحن حينما نتفكر في أهل الملأ الأعلى من الملائكة لسنا إلا سائرون على درب أئمتنا رحمهم الله، ويمكننا أن نضيف فهما للكون وللمخلوقات المؤثرة فيه بما يتناسب مع الفهم المعاصر للكون الضخم (أي الكون المدرك الذي على ضخامته يمثل أقل من ثلاثة أجزاء من مليون جزء من الكون الكبير) فإذا كان الكون المدرك هائل الاتساع… فما بالنا بالكون الكبير الذي يضم بقية السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما من ملائكة وخلق لا يعلمه إلا الله ويضم الكرسي والعرش؟

الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان:

بعد المقدمة الموجزة أعلاه حول طرف من معاني قول الإمام ابن القيم: “أن الملائكة أعظم جنود الله”؛ لا يملك الواحد منا إلا أن يقف ويتفكر في مفهوم ومعنى وأهمية أركان الإيمان، التي جعل الله تعالى الإيمان بالملائكة يمثل الركن الثاني منها… فأخبرني بالله عليك أيها القارئ الكريم:

  • ما وقع هذا الخبر العظيم على قلبك؟
  • وكيف استقبلت هذا الخبر متفكرا ومستشعرا بعظمته؟
  • وكيف ستفكر في عالم الملائكة العظيم بعد تلقي هذا الخبر الكبير؟

لا شك أنه خبر عظيم، ولا شك أنه سيكون مؤثرا على قلبك أيها المؤمن وعلى فكرك وعلى إيمانك، فقد ورد في سورة البقرة: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)) فهذه الآية تنص على أن الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان، وذلك بعد أعظم أركان الإيمان وهو الإيمان بالله، الإيمان بالله الواحد الأحد الذي تدور جميع آيات الكتاب الكريم حول تأكيد وحدانيته: ففي كل شيء له آية تدل أنه الواحد، ثم بعد ذلك يأتي الإيمان بالملائكة فيستشعر القلب أن لذلك أثر كبير على ترتيب مفهوم الإيمان في القلب وفق مراد الله عز وجل.

كما يؤكد ذلك أيضا ما ورد في صحيح مسلم ضمن حديث جبريل عليه السلام حيث قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم عندما سُئِل عن الإيمان: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره))، فالذي ينكر وجود الملائكة من غير جهل يعذر به فقد كفر، كما جاء ضمن قوله تعالى من سورة النساء: (… وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))، فالحمد لله أن جعلنا من المؤمنين، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن هذا الترتيب لأركان الإيمان لا يعني تفضيل الملائكة على الأنبياء والرسل خير خلق الله أجمعين.

هيا نتفكر حول عالم الملائكة:

يرجو كاتب هذه السطور أن يكون هذا المقال (والمقالات التالية) سببا لتعميق الإيمان في قلوبنا بالركن الثاني من أركان الإيمان، فسوف نطوف حول بعض جوانب الإيمان بالملائكة، ونستعرض عناد بعض الكافرين نحو ذلك الإيمان، ثم نطوف بين صفات الملائكة الكرام الخَلقية والخُلُقية وأسمائهم، وبعد ذلك سنأخذ جولة بين أعمال الملائكة الكرام في الدنيا والآخرة، وذلك توطئة لاستنتاج الأدلة والبراهين التي تدعم إحدى قضايا هذه السلسلة من المقالات، وهي قضية أن الملائكة تحمل الكون، وقد يستغرق ذلك ما بين ثمانية إلى عشرة مقالات من سلسلة مفهوم الكون الكبير، وبالله التوفيق:

المعنى اللغوي والشرعي لكلمة الملائكة:

جاء في مقال موقع (إسلام ويب) تحت عنوان “الإيمان بالملائكة” أن كلمة الملائكة جمع مَلَكْ وهو مشتق من الألوكة أي الرسالة، ويكون الملك هو الرسول الذي يحمل الرسالة، أو مشتق من المَلْك وهو الأخذ بقوة، أما التعريف الشرعي فيقول: “الملائكة أجسام لطيفة أعطيت القدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السماوات” وعلى هذا جمهور العلماء كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر. فتأمل أخي الكريم مفردات ذلك التعريف الشرعي لمفهوم الملائكة:

-فهي أجسام لطيفة مخلوقة من نور كما جاء في الحديث، وهذه الأجسام قوية فهي تحمل العرش أعظم المخلوقات.

-وقد ورد في القرآن الكريم كيف أن الملائكة جاءت بعض الرسل الكرام في شكل بشر، وكان جبريل عليه السلام يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة بشرية ايضا، ولعل هذا التشكل يكون مفتوحا ليشمل أشكالا أخرى يمكن أن تتشكل فيها الملائكة عليهم السلام.

-وأخيرا يذكر التعريف أن الملائكة مسكنها السماء، وهذه إحدى النقاط التي سيشملها الحوار في هذا المقال ضمن جوانب الإيمان بالملائكة عليهم السلام، كما سيتناول هذا المقال صفات هؤلاء الكائنات العلوية المكرمة.

كما جاء في رسالة دكتوراه قدمت إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة (المدهون، 2009) وصفا إجماليا عن الملائكة يقول:

“اعلم أن الملائكة أصل كل حركة في العالم –سواء الذي نسكنه (العالم السفلي) أو في العالم الغيبي (العالم العلوي)-، وحركة الملائكة هذه بأمر الله تعالى وإرادته –إذن هي تفعل هذا طاعة لله– فليس من طاعة في الكون إلا بأمره، وما من معصية إلا بإرادته (وليس أمره) وعلمه كذلك، وقد وكل الله عز وجل الملائكة بشئون العباد ظاهرا وباطنا، فيجب الإيمان بالملائكة بما ورد في الكتاب والسنة من أوصافهم وأعمالهم، ويجب الإمساك عما وراء ذلك”.

ونلاحظ أن هذا الوصف يتفق بشدة مع الوصف المذكور أعلاه نقلا عن الإمام ابن القيم.

وقد جاء في آية البر من سورة البقرة قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ …. الآية (177))، وذلك بعد تحويل القبلة جهة البيت الحرام فجاءت الآية لتؤكد أن البر (وهو اسم جامع لأعمال الخير) هو في تحقيق الإيمان وأركانه ومقتضياته، ومن هذه الأركان تأتي الملائكة هنا بعد الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر، ويذكر تفسير الوسيط للإمام الراحل الشيخ سيد طنطاوي أن عدم الإيمان بالملائكة يؤدي إلى أن من يفعل ذلك يقع في إنكار الوحي الذي جاءت به الملائكة للنبيين عليهم السلام، ويؤدي بعد إنكار الرسالة إلى إنكار الإيمان بالرسل عليهم السلام وإنكار الدار الآخرة… فيتضح من ذلك أن الإيمان بالملائكة ركن ركين من أركان الإيمان. لهذا قال الشيخ شلتوت في كتابه “الإسلام عقيدة وشريعة”: “إن الإيمان بالملائكة ليس باعتبارها كائنات موجوده فقط، وإنما باعتبار وظائفها التى تتصل اتصالا وثيقا بمهمة الدين، وهى التهذيب النفسى والتوجيه إلى الخير”.

درجات الإيمان بالملائكة:

يذكر مقال موقع (إسلام ويب) أن الإيمان بالملائكة ليس على درجة واحدة:

-فهناك الإيمان المجمل وهو الإيمان بوجودهم، وأنهم خلق من خلق الله سبحانه، وهذا القدر من الإيمان بالملائكة واجب على عموم المكلفين.

-وهناك الإيمان التفصيلي، وذلك بمعرفة ما يتعلق بالملائكة مما ورد به الشرع المطهر (مثل الموضوعات التي سيناقشها هذا المقال والمقالات التالية من هذه السلسلة)، وطلب هذا واجب على الكفاية، فلا يطالب به كل مكلف بل هو واجب على مجموع الأمة إذا قام به البعض، وحصلت بهم الكفاية سقط عن الآخرين.

ولا شك أن من يقومون بواجب الكفاية هنا بخصوص التعرف على تفاصيل عالم الملائكة، لا شك أن هؤلاء سيقومون بتوضيح تلك التفاصيل لعموم الأمة، وذلك سواءا بكتابة الكتب والمراجع التي توضح تلك التفاصيل (مثل كتابات ابن القيم وغيره)، أو بغير ذلك من وسائل الشرح والتوضيح مثل حلقات الذكر والبرامج التليفزيونية وغيرها… ولا ننسى هنا أن فرض الكفاية أخطر عند التقصير فيه من فرض العين، حيث أنه إن لم تحصل الكفاية تأثم الأمة جمعاء بعدم تحقيق ذلك.

مرتبة الملائكة عند ربهم: للملائكة مكانة عظيمة عند ربهم سبحانه وتعالى، ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)) فالآية توضح أن الله تبارك وتعالى يحتج بشهادة الملائكة على أعظم مشهود على الإطلاق، فالآية تقرن بين شهادته عز وجل على وحدانيته، وبين شهادة الملائكة على التوحيد هم وأولو العلم، فهذه الأية تدل على عظم قدر الملائكة وأولو العلم عند ربهم سبحانه وتعالى.

وقد ذكر الطبري في تفسيره حول قوله تعالى من سورة النساء: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)): “أن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يُنَزِّل عليهم كتابا من السماء وكذبوه، فنزلت هذه الآية بأن الله يشهد بتنزيله إليك، ويشهد بذلك ملائكته، فالملائكة شهود غير متهمة، وكفى بالله شهيدا”… فهنا شهادة عظيمة من خلق عظيم على رسالة عظيمة لنبي كريم صلى الله عليه وسلم، والآية أيضا تقرن بين شهادة الملائكة وشهادة المولى عز وجل على صدق تلك الرسالة مهما استكبر وعاند اليهود والمشركين.

ونظرا للمكانة العظيمة للملائكة عند ربهم نجد إشارة في القرآن الكريم أن الله عدوٌ لمن يعاديه سبحانه ويعادي الملائكة والرسل، وذلك ضمن قوله تعالى في سورة البقرة: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98))، والآية تخص بالذكر جبريل (أمين الوحي) وميكائيل (أمين القطر أو المطر)، فجبريل عليه السلام موكل بحياة القلوب، وميكائيل عليه السلام موكل بحياة الأبدان، ثم تشير الآية إلى أن من يعادي هؤلاء المكرمون هو عدوٌ لله ويعتبر من الكافرين والعياذ بالله… وعليه فقد تفاوتت ردود أفعال البشر حول الإيمان بالملائكة ذلك الخلق الكريم في العالم الغيبي:

  • فالمسلم يؤمن بالملائكة باعتبارهم الركن الثاني من أركان الإيمان كما ذكرنا أعلاه.
  • أما الكافرين والمشركين المعاندين فيرفضون التسليم بالدين من الأساس، وبالتالي نراهم يتجاوزون في شأن الملائكة الكرام فتارة يصفونهم أنهم بنات الله -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-، وتارة يدعون عبادتهم والملائكة براء من ذلك الشرك العظيم.
  • وآخرون يعاندون الرسل ويرفضون الإذعان للدين مطالبين بنزول الملائكة بالرسالة كما فعل فرعون وغيره من الكافرين.

صور من عناد الكافرين تجاه الإيمان بالملائكة:

1)  إدعاء الملائكة إناثا:

جاء في سورة الإسراء قوله تعالى: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40))، يقول مختصر تفسير ابن كثير أن هذه الآية تتضمن ثلاثة ذنوب عظيمة قام بها المشركين: (1) جعلهم الملائكة إناثا، (2) إدعاء أنهم بنات الله، (3) عبادتهم للملائكة. ويؤكد ابن كثير هذه الجرائم الثلاثة في تفسيره لقوله تعالى من سورة الصافات: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)) ثم يعقب ابن كثير أن كل جريمة من تلك الجرائم تكفي وحدها للخلود في جهنم، نعم فإن الشرك أعظم الذنوب.

2) طلب الكافرين رؤية الملائكة:

يتمثل عناد الكافرين للرسل الكرام في التعنت مع الرسل –كما فعل مشركي مكة مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم-، ويتضح ذلك العناد في الطلبات التعجيزية حسب ظنهم التي طلبوها من الرسل الكرام عليهم السلام، وهم في ذلك لم يكونوا ليؤمنوا حتى لو تحققت تلك الطلبات مثل نزول كتاب من السماء، أو نزول النعم على النبي، أو صعود النبي في السماء، أو نزول ملك من السماء لتصديق الرسول فيما جاء به، ومن ذلك ما جاء في سورة الفرقان: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)).

وقد تجادل البعض حول عيسى عليه السلام فنزل قوله تعالى من سورة الزخرف: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60))، وفي الآية إقرار أن عيسى عليه السلام عبد من عباد الله، وأن الله تعالى قادر على أن يجعل الملائكة خلائف في الأرض مثل البشر، إلا أن ذلك لا يناسب طبيعة خلق الملائكة لأنهم من سكان السماء ولا يمشون في الأرض مطمئنين.

3) طلب ملكا رسولا:

يتجاوز الكفار والمشركين كل حدود المنطق السليم في عنادهم وفي طلباتهم التعجيزية للأنبياء والرسل عليهم السلام، فالذي يطلب رؤية الملائكة أو يتبجح بطلب أن يكون الرسول مَلَكا، فذلك يتجاوز حدود الأدب مع الخالق عز وجل الذي أرسل الرسل من البشر رحمة بهم لتسهيل وصول الرسالة لهم، فكيف يتطاول بعض البشر بالاعتراض على الأمر الإلهي في جعل الرسل من البشر؟ وهذا التطاول والتجاوز من جهة المشركين والكافرين يخالف مبادئ التفكير المنطقي من حيث أن هؤلاء غير مؤمنين بالرسول ولا بالرسالة التي ينزل بها الملائكة، فكيف يطلبون رؤية الملائكة؟ وكيف يطلبون ملكا رسولا؟ فهل فرعون وأمثاله يؤمنون بوجود الملائكة؟ وهل يكون فرعون أفضل من الملحدين المعاصرين الذين لا يؤمنون بالخالق العظيم ولا بالملائكة؟ … لا … فواقع هؤلاء جميعا متشابه والذي يكفر بالله (ربا) ليس في إيمانه خير حتى لو كان يتظاهر بالإيمان بالملائكة، بل هو العناد والاستكبار.

  • جاء في سورة فصلت قوله تعالى: (… قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14))، يقول مختصر تفسير ابن كثير أن هذا القول من المشركين يأتي على سبيل استكبارهم عن قبول رسل من البشر مثلهم. وجاء في سورة الزخرف فوله تعالى: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)) وذلك حكاية عن عناد فرعون مع نبي الله موسى عليه السلام. وقد جاء الرد الإلهي على ذلك الاستكبار في قوله تعالى من سورة الأنعام: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)) يقول مختصر تفسير ابن كثير أن نزول الملائكة يأتي بالعذاب، وحتى لو نزل ملك فسيأخذ شكل البشر ويلبس ما يلبسون.

 

  • كما أن الملائكة لا ينزلون إلى الأرض إلا بأمر الله عز وجل كما جاء في سورة مريم ضمن قوله تعالى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)) فقد ورد عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرائيل: (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟) قال فنزلت: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) أخرجه البخاري في باب التفسير، ورواه أحمد كما ذكر مختصر تفسير ابن كثير.

المراجع:

-مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.

-المدهون، مي (2009): الملائكة والجن – دراسة مقارنة في الديانات السماوية الثلاث (اليهودية – النصرانية – الإسلام). رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى –مكة المكرمة، السعودية، 469 ص.

-موقع إسلام ويب (2003): مقال بعنوان “الإيمان بالملائكة”>

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.