البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير ..(41) هل الملائكة تحمل الكون؟

الحلقة الثالثة: رفع السماوات وليس جذب السماوات

بقلم: د.سعد كامل  

رفع السماوات بغير عمد ترونها:

بدأ هذا البحث -عن مفهوم الكون الكبير- عندما توقف الباحث أمام قضية حقيقة قوة الجاذبية التي يعتبرها العلماء الماديين أكثر القوى المعروفة أثرا في حمل وانضباط الكون، وقد ثارت لديه عدة استفسارات حول تلك القضية بعد مراجعة آيات القرآن ذات العلاقة:

o             ماذا لو كانت السماوات تقوم على الرفع وليس الجذب؟

o             هل القوة بين الأجرام السماوية هي نفسها قوة الهبوط على كل جرم؟

o             ما سبب تجمع النجوم في المجرات؟ هل هو المادة المظلمة؟ أم شيء آخر؟

o             وما طبيعة المادة التي تمسك بها وتجعلها تدور؟ أو بالأحرى ما الذي يحمل الكون؟

o             وهل الانفجار العظيم حقيقة صحيحة أم أنها نظرية تحتمل الخطأ؟

يبدو أن الإجابة على هذه الأسئلة بطريقة صحيحة تتفق مع ما ورد في القرآن والسنة، وتتفق حتى مع ما ورد في الكتب السماوية (غير المحرفة)، يبدو أن ذلك يعتبر طريق الحل فيما يخص قضية حقيقة الجاذبية وما يرتبط بها من أمور حول طبيعة القوى السائدة في الكون وحول نشأة ذلك الكون الكبير.

وقد عكف كاتب البحث الحالي على دراسة تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتناول حقيقة الكون وخلق الكون عبر شبكة  المعلومات  الدولية ومن  خلال كتاب الأستاذ  مصطفى حناوي (1958؟)، حيث لمس بوضوح شديد حيادية ورسوخ علماء السلف الصالح ومَنْ بعدهم في وصف الكون الشاسع مقارنة بالعلماء المعاصرين المتأثرين بالمفاهيم المادية، وأدرك كاتبنا أن علماء الطبيعة المعاصرون يتناولون جزءا محدودا من الكون (الكون المدرك)، ولا يناقشون ما بعد ذلك من مُلك الله سبحانه وتعالى، أما علماء السلف فيسبحون وفق الثابت من النصوص الشرعية في الكون الواسع من الأرض التي نسكنها إلى السماوات العلى والكرسي والعرش، ويعتبرون أن الأرض كروية وأن السماوات تحيط بالأرض إحاطة تامة، وأن الأرض في مركز الكون (ولو ظاهريا) وأنها الأساس للبنيان العظيم، صحيح أنهم قد اختلفوا غالبا حول مفهوم الأرض و/أو الأرضين السبع، ولم يحددوا علاقتها بالسماوات السبع بوضوح إلا نادرا، لكنهم ذكروا حقيقة تقوم عليها الشواهد القرآنية وهي أن للملائكة دورا في ذلك الكون الكبير.

ولننظر إلى قوله تعالى في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ…. الآية 2} ويجب أن نتوقف هنا مع مفردات الوصف الرباني في هذه الآية فيما يخص القوة الممسكة بالكون فهناك عدة أسئلة:

(1) هل هذا الكون العظيم شاسع الامتداد تمسكه قوة التجاذب بين الأجرام السماوية ((وفق معادلات كيبلر ونيوتن، وجميع تعديلاتها مرورا بأينشتين ثم هوكنج))؟

(2) فإذا كان الأمر كذلك فلماذا جاءت كلمة “رفع السماوات” ولم تأتي هنا كلمة شد أو جذب أو ربط … من الكلمات التي تدل على التجاذب؟

وبالنظر إلى قوله تعالى في سورة فاطر: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا – 41}  فما حقيقة تلك القوة الممسكة بالكون؟:

(أ) هل هي تلك الأوتار الفائقة التي يناقشها ستيفن هوكنج ومن معه؟

(ب) أم هي انبعاجات الزمكان وفق أينشتين؟ وتأثير  المادة المظلمة؟

(جـ) أم أن الملائكة تحمل الكون؟

ويعتقد الباحث أن افتراض أن القوة التي تقوم برفع السماء بغير عمد هي قوة الجاذبية – كما يشير إلى ذلك العديد من أساتذة العلوم المادية المسلمين-، يعتقد أن ذلك الافتراض يحتاج إلى مراجعة لأن قوة الجاذبية تعتبر قوة جذب وشد لأسفل، بينما رفع السماوات يعتبر فعل مقاوم للجاذبية، وقد استعرض المقال السابق بعض التضارب حول قانون الجاذبية توضح: أن قانون نيوتن قد يفشل خارج حدود المجموعة الشمسية بعد انحراف المسبارين بيونير، وأن الطاقة الفاعلة في الكون تتخطى ما يمكن حسابه بأرقام فلكية، ووصف علماء الفلك أنه هناك أيد خفية تمسك بالأجرام السماوية لا نراها!

وفي الحقيقة يتعدى فعل الإمساك بالسماء محدودية الكون المدرك – الذي لا يزيد حجما عن ثلاثة أجزاء من مليون جزء من الكون الكبير-، فالمقصود هنا الإمساك بالكون بالكامل، فهل الذي يدرس تلك الكرة الصغيرة المسماة بالكون المدرك يمكنه أن يطلق أحكاما صحيحة عن الإمساك بالسماوات السبع والكون الكبير؟ وكيف يمكن ذلك وشهادات العلماء الماديين تؤكد ضعفهم عن وضع قوانين دقيقة لتفسير ما يرونه في الكون المدرك الذي لم يتمكنوا من دراسته بشكل كامل حتى الآن.

وقد جاء في القرآن الكريم وفي الأحاديث الصحيحة أن الملائكة عليهم السلام يحملون العرش، وجاءت الأخبار عن بعض أعمال الملائكة الكرام تشير إلى عظم خلقهم، والجدول (أعلاه) يذكر بعض النصوص الشرعية بهذا الخصوص.

ما هو المفهوم الأكثر صحة حول القوى الممسكة بالكون؟

إن قانون السببية يدفعنا دفعا للتفكير في بدائل منطقية مقبولة لتفسير حقيقة قوة الجاذبية، صحيح أن بعض السادة علماء الفلك والفيزياء ينتفضون عند إقحام الأمور الغيبية في مجال القضايا التجريبية، وقد التقى كاتبنا أثناء البحث بالعديد من الأساتذة الذين يعتبرون ذلك تعديا على العلم المادي، بل ويرفض بعض أساتذة الفلك المؤمنين وضع مفهوم الملائكة للتجريب بينما القول أن “الملائكة تحمل الكون” لا يعتبر بدعا من القول، كما أن هذا القول لا يعدو أنه مجرد تفسيرا مناسبا لحقيقة تلك القوة التي تمسك بالكون، ولا يمنع قبول فكرة أن الملائكة تحمل الكون أبدا من تطبيق المعادلات الرياضية الصحيحة على تلك الظاهرة التي نلاحظها  بالتجريب، ولا يمنع من أن نقول أن الملائكة تمسك بالمجرة بقوة مقدارها كذا وكذا مما يجعلها تدور بما فيها من تريليونات النجوم بدقة بالغة.

وبمعنى بسيط نقول أن السبب في قوى التجاذب بين الأجرام السماوية وإمساك النجوم داخل إطار المجرات وتدوير المجرات…. وغير ذلك من التأثيرات الملاحظة فلكيا هو أن الملائكة تحمل الكون، أو أن الملائكة تدير شؤون الكون وليس في ذلك أية غرابة فلنأخذ مثالا من أنفسنا: فالإنسان يتحرك ويمارس كل الأنشطة كأي كائن حي له صفات بيولوجية معروفة يتم قياسها وتحليلها بالأجهزة، حتى يأتي الأمر الإلهي وتصعد روحه إلى بارئها فيموت الإنسان وتتوقف أجهزته البيولوجية عن العمل، وتبدأ تأثيرات التحلل على البدن المادي، أما الروح فلا نعلم إلى أين تذهب، كما لم نعلم من أين أتت وفق المقاييس العلمية المادية…. لكن المؤمنين بالخالق العظيم يعرفون أن ما نراه من شواهد وحركات في عالم الشهادة يكتمل بالحقائق الغيبية من عالم الغيب…. فنحن أمام عالمين متكاملين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر شئنا أم أبينا.

حول أعمال الملائكة:

ناقشت مقالات سابقة من هذه السلسلة – عن مفهوم الكون الكبير- بعضا من أعمال الملائكة الكرام (المقالين 37 و 38)، وقد استعرض المقالين جانبا من أعمال الملائكة الكرام مع التركيز على أبرز الأعمال المرتبطة بالكون والملكوت، وذكرنا قول الإمام ابن القيم – رحمه الله – أن الملائكة أعظم جنود الله، لأنهم موكلون بأصناف المخلوقات مثل الجبال والسحب والمطر ، وفيما يخص بني آدم هناك ملائكة حفظة وملائكة كتبة وملائكة الموت وسؤال القبر، ومن شؤون الكون خارج الكرة الأرضية هناك ملائكة موكلون بالشمس والقمر وبالأفلاك يحركونها، وملائكة موكلون بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها، وملائكة موكلون بالجنة وعمارتها وغراسها وعمل الأنهار فيها… فسبحان الخلاق العليم.

وتتفاوت أقوال أهل العلم فيما يخص تصنيف أعمال الملائكة الكرام، وتضم هذه التصنيفات المجالات التالية:

  • عبادة الله تعالى.
  • تدبير أمر الملكوت أو الأعمال المتعلقة بالكون.
  • تدبير امر المكلفين (من الجن والإنس) ومنها الأعمال المتعلقة ببني آدم.
  • أعمال أخرى تتضمن تثبيت المؤمنين وتنفيذ بعض الأعمال الموجهة لفئات محددة.

وتتصف أعمال الملائكة بصفات مميزة منها ما يلي:

  • ورد في التفسير قيام الملائكة الكرام بأعمالهم في سرعة هائلة، حيث يقطعون المسافات الضخمة بين السماوات في غمضة عين.
  • والملائكة الكاتبين يكتبون الأعمال كتابة حقيقية لإقامة الحجة على العصاة.
  • وتوكيل الملائكة لتنفيذ الأعمال المتعددة في العالمين السفلي والعلوي – رغم عدم احتياج المولى عز وجل للأسباب – لكن من رحمته تعالى أنه جعل ذلك يتناسب مع مألوف الخلق باعتبار ذلك التوكيل مظهرا لسلطان الله تعالى.
  • ومن ذلك أنه سبحانه قد وكل ملائكته لتنفيذ القوانين التي تحكم سير المخلوقات ورعايتها تناسبا مع مألوف الخلق، كما أن رعاية الملائكة الكرام لتلك الأعمال تعتبر رعاية إلهية كاملة لبني آدم في كل ما يخصهم في الدنيا والآخرة.

ومن أمثلة أعمال الملائكة الكرام ما يلي:

  • تأييد الملائكة للمسلمين في غزوة بدر.
  • قبض أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين.
  • حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين.
  • النفخ في الصور الذي يسمعه كل من في السماوات والأرضين.
  • ملك الجبال واستعداده لإطباق الأخشبين على أهل مكة.
  • وعن الملائكة الموكلون بالسحب والمطر جاء حديث سؤال يهود عن الرعد، وحديث الرجل والسحابة، ودور الملائكة في إنزال الغيث بعد صلاة الاستسقاء، وإتيان الملائكة لله تعالى – وهو أعلم – بمآل كل قطرة من المطر، وبيبوسة ورطب النباتات.

وفي ختام هذا المقال يبرز السؤال: هل الملائكة تحمل الكون؟

وهو سؤال يعتقد كاتب هذه السطور أن الإجابة عنه بالإيجاب تعتبر أقرب للصواب من اعتماد قوة الجاذبية المبهمة حتى الآن، وهو بذلك يضع حدا للجدال حول القوى الممسكة بالكون، ويعيد الأمور إلى نصابها فيما يخص القدرة الإلهية المطلقة في خلق هذا الكون الواسع، وفي جعل الأسباب المناسبة لضبط حركة ذلك الكون بالدقة والإحكام الكاملين وفق مشيئته عز وجل….. والله أعلى وأعلم.

المراجع:

  • مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
  • حناوي، مصطفى (1958؟): حقيقة السماوات السبع والأراضين السبع وما بينهما، 518 ص، (متاح للتنزيل المجاني على صفحة المؤلف فيس بوك).

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.