Site icon وضوح الاخبارى

مفهوم الكون الكبير (44… حول الكون في الدار الآخرة

مفهوم الكون الكبير (44... حول الكون في الدار الآخرة 2

بقلم: د.سعد كامل

يقول تعالى في بداية سورة الأنبياء: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1))، كما جاءت الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تشير إلى اقتراب وقوع الساعة، وتذكر تلك الآيات والأحاديث علامات أو أشراط قيام الساعة التي يصنفها أهل العلم إلى علامات صغرى وعلامات كبرى، فالعلامات الصغرى هي الأمور التي تشير إلى اقتراب وقوع الساعة، ويذكر الصلابي (2011) بضع وخمسون علامة منها ويقول أن ظهور معظم هذه العلامات دليل على قرب وقوع الساعة وعلى أننا في آخر أيام الدنيا، كما يذكر علماء آخرون عددا أكبر من تلك العلامات، ومن أبرز علامات الساعة الصغرى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ويشير بإصبعيه فيمدهما.

أما علامات الساعة الكبرى فهي أحداث تشبه الإنذار الأخير للضالين حتى يهتدوا ويعودوا إلى ربهم، فعند وقوع تلك الأحداث يغلق باب التوبة خاصة طلوع الشمس من مغربها، وسوف يناقش هذا المقال بعض هذه العلامات الصغرى أو الكبرى المرتبطة بالكون، فالخالق عز وجل لم يخلق هذا الكون عبثا ولا باطلا، بل خلقه بالحق المبين، وجعل لكل جزء من أجزاءه وظيفة ترتبط بحياة البشر في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا نقول إلا: سبحانك ربنا ما خلقت هذا باطلا فقنا عذاب النار.

أشراط الساعة الصغرى المرتبطة بالكون:

من علامات الساعة الصغرى المرتبطة بالكون كثرة الزلازل وعودة جزيرة العرب مروجا وأنهار، فقد روى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ((لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض)).

ونشير هنا إلى ظاهرة كثرة الزلازل التي وردت في الحديث، فمن المعلوم في العلوم الجيولوجية أن الزلازل عبارة عن موجات اهتزازية تصدر بسبب احتكاك طبقات القشرة الأرضية ببعضها، وذلك يؤدي لانبعاث موجات الزلازل التي ينتج عنها نتائج تدميرية متفاوتة باختلاف كمية الطاقة المنبعثة من الزلزال، أما من حيث عدد الزلازل التي يتم تسجيلها عبر العالم سنويا فيصل إلى عدة ملايين بسبب وفرة محطات رصد الزلازل حول العالم (حوالي 8000 محطة) وتشير هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية أنه يحدث سنويا زلزالا واحدا عنيفا جدا (بقوة أكبر من7 بينما لا يصل عدد الزلازل العنيفة إلى 20 زلزالا (بقوة 7 –  7.9)، لكن هل يمكن أن تشير ملايين الزلازل التي تقل شدتها عن (7) إلى كثرة الزلازل حاليا عن الفترات التاريخية السابقة؟ أم أن هذه الملايين بسبب وفرة محطات الرصد الزلزالي حول العالم؟ لا شك أن هذه النقطة تستلزم البحث العلمي المكثف للوصول إلى التفسير الأنسب، لكن يمكننا القول أن كثرة الزلازل مع اقتراب الساعة قد يكون شكل من أشكال التمهيد للزلزال الأعظم مع النفخ في الصور يوم القيامة، والله أعلم.

أما العلامة الثانية المرتبطة بالكون من العلامات الصغرى التي تشير إلى قرب قيام الساعة فهي عودة جزيرة العرب مروجا وأنهارا، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا))  رواه مسلم. فهذا الحديث الشريف يشير إلى ظاهرة علمية لم يكتشفها علماء الجيولوجيا إلا في بداية القرن العشرين الميلادي، وهذه الظاهرة هي ظاهرة التغير المناخي الذي تكرر أكثر من مرة عبر التاريخ الجيولوجي للكرة الأرضية.

وهذا التغير يتمثل في مرور الكرة الأرضية بفترات انخفاض عام لمتوسط درجة الحرارة، وذلك يؤدي إلى حدوث ما يعرف بالعصر الجليدي في مناطق دوائر العرض العليا (ما فوق دائرة عرض 40°) شمالا وجنوبا، بينما يسود العصر المطير في مناطق دوائر العرض الدنيا شمال وجنوب خط الاستواء، وقد تم رصد هذه الظاهرة من رواسب الفترات الجليدية الأخيرة (أربع فترات خلال آخر 2 مليون سنة من عمر الكرة الأرضية)، حيث وجدت بقايا جليدية في مناطق جنوب قارة أوروبا مثل إيطاليا واليونان، كما ازدادت كميات المياه السطحية في نطاق الصحراء الكبرى وجزيرة العرب، مما أدى إلى انتشار المروج والأنهار، وتذكر كتب التاريخ أن الفراعنة كانوا يصيدون الأبقار من الصحراء الليبية.

ويظن كاتب هذه السطور باعتباره من أساتذة الجيولوجيا التاريخية أن ظاهرة التغير المناخي العام للكرة الأرضية يحتمل أن تتكرر عدة مرات عبر الزمن القادم قبل يوم القيامة، لكن أين نحن الآن:

العلم عند الله عز وجل، فهل سوف تمر الكرة الأرضية قبل قيام الساعة بفترة باردة واحدة أم بفترات جليدية/مطيرة متعددة؟ لا أحد يعرف فالعلم عند الله سبحانه وتعالى الذي قال في كتابه الكريم في سورة الأعراف: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)).

ولعل العلامة المذكورة في نفس الحديث، وهي كثرة المال حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه، لعل اقتران هاتين العلامتين في إحدى الدورات الجليدية القادمة يجعلنا نستنتج أنها الأقرب لوقوع الساعة، فمما لا شك فيه أننا لا نوافق مثل هذا الاقتران في أوقاتنا الحالية  مع حدوث بعض الاختلافات في الظواهر المناخية، التي يظن البعض أنها يمكن أن تشير إلى اقتراب عودة جزيرة العرب إلى وفرة المروج والأنهار،  والله أعلى وأعلم.

أشراط الساعة الكبرى المرتبطة بالكون:

 

يقول تعالى في سورة الأنعام: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158))، فالشطر الأول من الآية يشير إلى بعض أحداث يوم القيامة (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك)، ويشير الشطر الثاني من الآية إلى علامات الساعة التي تحدث قبل يوم القيامة (أو يأتي بعض آيات ربك).

وفي نهاية الآية تذكر أهم الحقائق الكبرى عن تلك العلامات لهذا اليوم العظيم (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)، فهذه هي أهم الحقائق التي نحتاج إلى أن نلتفت إليها فيما يخص علامات الساعة الكبرى، فإذا وقعت هذه العلامات لا تصلح التوبة لمن لم يتوب قبلها، وقد أشارت الأحاديث إلى أن هذه العلامات هي عشرة، وتُخصِّص بعض الأحاديث شرط عدم قبول التوبة بطلوع الشمس من مغربها.

عن حذيفة بن أسيد الغفاري أنه قال: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ((ما تذكرون؟)) قلنا: نذكر الساعة، قال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات))، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تطرد الناس إلى محشرهم…رواه مسلم، وجاء في روايات أخرى زيادة: المهدي، وأمر العامة.

وقد أفرد الصلابي (2011) مبحثا في كتابه عن الإيمان باليوم الآخر حول أشراط الساعة الكبرى، نقتطف هنا بعضا مما ذكره الصلابي عن أشراط الساعة الكبرى المرتبطة بالكون:

أ‌) نزول عيسى عليه السلام: لا شك أن صعود عيسى عليه السلام إلى السماء يرتبط بالكون الكبير، فقد رفعه الله إليه والتقى بالرسول الكريم في ليلة المعراج في السماء الثانية، وجاء ذلك في سورة النساء ضمن قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158))، تدل الآية على أن اليهود لم يقتلوه ولم يصلبوه بل رفعه الله إلى السماء، ثم إنه سينزل قبل القيامة كما جاء في سورة الزخرف في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61))، وقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويقبض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها)).

ب‌)   طلوع الشمس من مغربها: من أعظم علامات الساعة، وبه يغلق باب التوبة، وقد ذكرنا أعلاه قوله تعالى في سورة الأنعام (أوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ…. الآية 158)، وقد ذكر القرطبي أن أقوى الأقوال عن (بعض آيات ربك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ذلك حين تطلع الشمس من مغربها))، وهذه العلامة تشير إلى أحد التغيرات الكونية الضخمة، فالشمس في حياتنا الدنيا تشرق من جهة الشرق حيث تدور الكرة الأرضية حول محورها من الغرب إلى الشرق، فتبدو لنا الشمس تطلع من المشرق وتغرب في الاتجاه الآخر، أما طلوع الشمس من مغربها فيعني أن الكرة الأرضية قد توقفت عن الدوران ثم عادت لتدور في الاتجاه المعاكس.

وقد درسنا ضمن التاريخ الجيولوجي للكرة الأرضية أن سرعة دوران الكرة الأرضية تتباطئ مع مرور الزمن فقد كانت السنة الأرضية منذ 500 مليون سنة تتألف من 444 يوما، ومنذ حوالي 250 مليون سنة كانت السنة تضم 389 يوما، والآن تضم السنة 365.25 يوما، وإذا استمر هذا التباطئ فسوف نصل إلى وقت تتوقف فيه الكرة الأرضية عن الدوران ثم تعود للدوران في الاتجاه المعاكس فتطلع الشمس من مغربها، لكن لا يمكن للبشر أن يستنتجوا موعد وقوع الساعة، فالساعة لا تأتي إلا بغتة.

ت‌) الخسوفات الثلاثة: أشهر الخسوفات حاليا في المنطقة العربية هو خسف البحر الأحمر الذي يفصل بين جزيرة لعرب والشرق الأفريقي، ولا تكاد تخلو كل قارة من قارات الأرض من شروخ القشرة الأرضية التي تنزاح على طولها صخور تلك القشرة فمنها ما يبدو مرفوعا، ومنها ما يبدو هابطا، ومن هنا نطلق على منطقة البحر الأحمر أنها خسفا كبيرا لوجود كتلة من الصخور هابطة في المنتصف تحيط بها من الجانبين الشرقي والغربي كتلتين من الصخور المرتفعة، وتشتمل على مرتفعات غرب الجزيرة العربية (الحجاز ونجران) من الناحية الشرقية، ومرتفعات الصحراء الشرقية في مصر والسودان من الناحية الغربية.

وقد وجدت الخسوف في مواقع مختلفة من سطح الكرة الأرضية، لكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما هو موجود، كأن يكون أعظم منه مكانا وقدرا، كما قال الحافظ بن حجر، ويحتمل أن تكون تلك الخسوفات نوعا من العقاب لتفشي الفساد والزنا في آخر أيام الدنيا، ويحتمل أن يكون عقابا لبعض القبائل التي انتشر فيها ذلك الفساد.

الخلاصة:

أشار المقال إلى أشراط أو علامات الساعة الصغرى المرتبطة بالكون، ومنها: كثرة الزلازل التي تمهد للزلزال الأعظم يوم القيامة، والعلامة الثانية من علامات القيامة الصغرى المرتبطة بالكون وهي عودة أرض العرب مروجا وأنهارا كإشارة للتغيرات المناخية على سطح الكرة الأرضية، حيث تنخفض حرارة الجو خمسة درجات مئوية في المتوسط أو أكثر قليلا، وقد أدى ذلك الانخفاض إلى انتشار الجليد في دوائر العرض العليا، وفي نفس الوقت ساد مناخا مطيرا في الحزام الصحراوي الذي تقع فيه أرض العرب.

ولا نعرف هل سوف يعود المناخ للبرودة مستقبلا مرة واحدة قبل القيامة أم سيتكرر عدة مرات؟ ولا نعرف متى ستتوافق مع ذلك العلامة الأخرى التي ذكرها الحديث الشريف وهي وفرة المال؟

أما عن علامات الساعة الكبرى وهي عشرة علامات كما جاء في الحديث الشريف ومنها:

(1) نزول عيسى -عليه السلام-، لأنه رفع إلى السماء ولم يقتلوه أو يصلبوه، وسوف ينزل لينشر الخير على الأرض.

(2) طلوع الشمس من مغربها بما ينذر بانقلاب كوني كبير لانقلاب اتجاه دوران الكرة الأرضية، وقد ثبت في الحديث ان هذه العلامة لا ينفع بعد ظهورها توبة ولا ندم.

(3)  الخسوف الثلاثة بالمشرق والمغرب وجزيرة العرب، وهذه الانخسافات الأرضية قد تكون عقوبة لمن زاد فسادهم.

المراجع:

مفهوم الكون الكبير (44... حول الكون في الدار الآخرة 1

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

Exit mobile version