Site icon وضوح الاخبارى

مفهوم الكون الكبير (46 ب) من أهوال يوم القيامة

مفهوم الكون الكبير (46 ب) من أهوال يوم القيامة 2

بقلم: د.سعد كامل 

استعرض المقال السابق بعض أهوال يوم القيامة، من خلال الآيات والأحاديث وأقوال بعض المفسرين، ومن هذه الأهوال ما يلي:

1)            دك الأرض ونسف الجبال.

2)            قبض الأرض وطي السماء.

3)            تفجير البحار وتسجيرها بالنار.

4)            موران السماء وانفطارها.

ونستكمل في هذا المقال بعض أهوال القيامة مع أمور أخرى من أحوال القيامة والحساب.

أولا: من أهوال يوم القيامة:

5)            تكوير الشمس وخسف القمر وتناثر النجوم:

جاء في معارج القبول قول ابن جرير: التكوير جمع الشيء بعضه على بعض، ومنه تكوير العمامة، وجمع الثياب بعضها على بعض، فمعنى قوله تعالى (كورت) جمع بعضها إلى بعض ثم لُفَّت فَرُمِيَ بها، وإذا فُعِلَ بها ذلك ذهب ضوؤها. وخسف القمر يعني ذهاب نوره وضوؤه، أما جمع الشمس والقمر فيشرحه ما رواه البخاري عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشمس والقمر مكوران يوم القيامة)) يعني مجموعان مظلمان. ويبدو ان حال جميع الأجرام السماوية التي نراها في هذه الحياة الدنيا سوف تظلم وتنظفئ يوم القيامة فهذا هو أيضا معنى (وإذا النجوم انكدرت) أي انتثرت وانفرط عقدها وتساقطت على اهل الأرض، كقوله تعالى (وإذا الكواكب انتثرت)، وطمس النجوم أيضا يعني ذهاب ضوؤها كما في قوله تعالى (فإذا النجوم طمست).

6)            تبديل الأرض:

قال الصلابي (2011) أن هذه الأرض تبدل وتتغير صفاتها، ويكون عليها الحشر الأول ثم تذهب هذه الأرض تماما يوم يحشر الناس لمكان الحساب أمام الجسر كما تذكر الآية والأحاديث المذكورة أعلاه، ثم يعقب الصلابي بعد ذكر هذه النصوص الشرعية نقلا عن كتاب اليوم الآخر في القرآن العظيم بقوله: بهذا يتضح أن تبديل الصفات في الحشر الأول إلى أرض المحشر، عندما تنسف الجبال والمرتفعات وتسوى الأرض، فلا يبقى في تلك الأرض معلم لأحد، وأما ذهاب الأرض بالكلية ففي الحشر الثاني إلى أرض الحساب قبل جسر جهنم، والله تعالى أعلم.

وجاء في مختصر تفسير ابن كثير في تفسير قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) ما قاله الربيع عن أبي بن كعب قال: تصير السماوات جنانا, وقال الأعمش، عن عبد الله بن مسعود: الأرض كلها نار يوم القيامة، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن كعب في تفسير هذه الآية قال: تصير السماوات جنانا ويصير مكان البحر نارا وتبدل الأرض غيرها. وقوله تعالى (وبرزوا لله) أي خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله (الواحد القهار) أي الذي قهر كل شيء وغلبه، ودانت له الرقاب وخضعت له الألباب…. ويتوقع كاتب هذه السطور أن يكون تحقيق هذه النصوص التي تشير إلى أن السماوات تصير جنانا وأن الأرض كلها نار، يتوقع أن يكون في ذلك تأكيد لما جاء في مخطط الكون المقترح (الصورة الرئيسية للمقال) من أن السماوات العلا باتجاه العرش فيها الجنة، وأن السماوات السفلى بعيدا عن العرش فيها النار، مع العلم أن الدليل الذي يستند إليه الباحث في ذلك هو حديث سؤال هرقل وتأويل ابن كثير له الذي جاء في تفسير الآية 21 من سورة الحديد عنده.

7)            خضوع الخلائق لله تعالى عند إتيانه للفصل بين العالمين ونزول الملائكة:

وقد استنتج العلماء (كما جاء عند الصلابي(2011) من أقوال المفسرين حول الآيات المذكورة عن خضوع الخلق للملك الجبار في يوم الحساب، استنتجوا ترتيبا تقريبيا لأحداث يوم القيامة اعتبارا من البعث إلى بدء الحساب كما يلي:

1)            البعث وقيام الخلق من القبور بعد النفخة الثالثة.

2)            الحشر لأرض المحشر بعد خروج النار من أرض اليمن.

3)            أهوال القيامة.

4)            تبديل هذه الأرض.

5)            حشر الخلق لأرض الحساب عند الجسر.

6)            نزول الملائكة صفوفا.

7)            مجيء الملك الجبار ليوم الفصل، فتشرق أرض المحشر بنور ربها.

ثانيا: أحوال الكفار يوم القيامة:

من رحمته عز وجل بالبشر أنه يذكر في كتابه الكريم مصائر الخلق يوم القيامة، فيوضح أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين، وذلك البيان يأتي تذكيرا وتنبيها لمن لم يتوب وينضوي تحت كنف الحق المبين، فمن يصل إليه هذا البيان الرباني الكريم ثم لا يؤمن فلا يلومن إلا نفسه عندما يعود إلى ربه تبارك وتعالى، وسيجد يوم القيامة ذلك حقا، ولكن يقول: ولات حين مناص!! ففي يوم القيامة لا يهلك على الله إلا من كان من الهالكين كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك بيان واضح للرحمة الإلهية والعدل الرباني المبين. ويقول الشيخ الصلابي (2011) أن الذي يتأمل في نصوص الكتاب والسنة التي تتحدث عن مشاهد القيامة يرى الأهوال العظام والمصائب التي تنزل بالكفرة المجرمين في ذلك اليوم العظيم، فمن تلك الأحوال:

1) ذلتهم وهوانهم وحسرتهم وبأسهم: حيث يأخذهم الندم على ما فرطوا في جنب الله، ويرجو كل منهم لو يفتدي من العذاب ببنيه وصاحبته وأخيه وقبيلته… لكن هيهات.

2) إسوداد وجوههم وتغيرها.

3) إحباط أعمال الكفار: فسيجدون سرابا يزيدهم حسرة وندامة، وأعمالهم ستكون هباءا منثورا.

4)  فضيحتهم أمام الخلائق: فسوف يشهد الملائكة عليهم أنهم كذبوا على ربهم ويلعنونهم.

5)  تخاصم الكفرة في الموقف:

  1. تخاصم العابدين والمعبودين.
  2. تخاصم الأتباع مع القادة المضلين.
  3. تخاصم الضعفاء مع السادة والملوك.
  4. تخاصم الكافر وقرينه.
  5. تخاصم المرء مع أعضائه.

ويسرد الصلابي الأدلة والنصوص الشرعية التي توضح هذه الأحوال، لكن نكتفي هنا بالعناوين المذكورة أعلاه على اعتبار أن هذا البحث يركز على ما يرتبط بالكون من مشاهد وأحداث، ومن أراد التوسع يمكنه مراجعة المرجع المذكور وغيره من المراجع التي تصف أحداث ومشاهد يوم الدين.

ثالثا: أحوال عصاة الموحدين:

كتب الله تبارك وتعالى على من عصاه من عباده المؤمنين أن يدخل بعضهم -ممن لم تشملهم الشفاعة- يدخل النار ليتم تنقيته مما علق به من الخطايا، ثم يخرج منها إلى جنة النعيم، وهؤلاء من أقل الناس عذابا يوم القيامة ومن أواخر من يدخل الجنة، وسوف يقع ذلك لهؤلاء العصاة بسبب ما وقعوا فيه في الدنيا من كبائر الذنوب، ويذكر الصلابي (2011) من ذلك ما يلي:

1)  الذين لا يؤدون الزكاة: الذين يأتيهم المال كثعبان أقرع، والذين تكوى جباههم بما كانوا يكنزون.

2)  ذنوب لا يكلم الله أصحابها ولا يزكيهم: الذين يكتمون الحق من العلماء، والذين يشترون بعهد الله وأيمانهم متاع قليل من الدنيا.

3) الغلول: الذي يأخذ من الغنيمة خفية طمعا وأشرة، فإن الله سيفضحه يوم القيامة.

4) المتكبرون: الذين يحشرون كأمثال النمل، مثل من كان يسمي نفسه في الدنيا ملك الأملاك.

5) الأثرياء المنعمون: الذين ينعمون في الدنيا دون بذل الأموال في وجوه الخير.

6) فضيحة الغادر: الذين يرفع لكل منهم لواءا بقدر غدرته، وأشدهم غدرا هو أمير العامة.

7)  غاصب الأرض: الذي ورد في الحديث أنه يخسف به إلى سبع أرضين.

8)  ذو الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه فهو من شر الناس.

9)   الحاكم الذي يحتجب عن رعيته: فلا يشعر بفقرهم وفاقتهم.

10)   الذي يسأل وله ما يغنيه: الذي تأتي المسألة خدوشا في وجهه يوم القيامة.

11)  من كذب في حلمه: فهذا يصب الأنك في أذنه يوم القيامة.

فهذه الذنوب تجعل أصحابها بعيدون عن رحمة ربهم يوم القيامة، ومن لم تحق له الشفاعة أو تكون حسناته أثقل من سيئاته فيحق عليه دخول النار لفترة يعلمها الله حتى يتطهر وينقى من هذه الذنوب، ثم يعفو الله عنه ويخرجه من النار إلى الجنة مع المنعمين، ونكتفي بهذه العناوين الموجزة ومن يريد التوسع يرجع إلى المرجع المذكور، ونسأل الله ان يعفو عنا ويبعدنا عن هذا المصير.

لكن لنا وقفة كونية هنا مع غاصب الأرض الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين)) رواه البخاري. فقد جاء في المقال التاسع من هذه السلسة (حول استكمال مفهوم الكون (كامل، 2022)) تعديلات الباحث على نموذج السمان (2017) بما يحقق أن الكرة الأرضية ليست من الأرضين السبع، وعليه تكون الأرضين السبع تتكون من أرض فوق كل سماء، فالأرض الأولى فوق السماء الأولى، وهكذا حتى تكون الأرض السابعة فوق السماء السابعة. كما أضاف المقال المذكور أن كلمة الأرض في الاصطلاح القرآني تشير إلى النصف السفلي من السماوات السبع بعيدا عن العرش (انظر الصورة الرئيسية للمقال)، فتكون السماوات السفلى بما فوق كل منها من أرضين تمثل الأرضين السبع اصطلاحا، وأيضا السماوات العليا بما فوق كل منها من أرضين تمثل السماوات العلى اصطلاحا.

ويمكن أن نفهم مثل ذلك من قول الإمام الطبري ضمن تفسيره لقوله تعالى من سورة الشورى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)) “أن السماوات يتشققن من فوق الأرضين، من عظمة الرحمن وجلاله”، فنستنتج أن كل سماء فوقها أرض مثل البناء متعدد الطوابق الذي يحمل كل سقف فيه أرضا علوية. وقال الشيخ محمد بن عثيمين: “أن السماوات سبع، جعلهنّ الله طباقاً، وجعل بينهن مسافات، ويدل على ذلك حديث المعراج الثابت في الصحيحين وغيرهما، أن جبريل عليه السلام جعل يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم من سماء إلى سماء، ويستفتح عند دخول كل سماء، حتى انتهى به إلى السماء السابعة، وكذلك الأرضين هي سبع، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى من سورة الطلاق: ﴿الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ﴾، والمثلية هنا ليست للصفة، لأن ذلك من المعلوم بالضرورة، ولكنها مثلية العدد، ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين، في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام:  “من اقتطع شبراً من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين”، وهذا يدل على أن الأرضين متطابقة أيضاً، وأن بعضها تحت بعض.

وبناء على ما تقدم يمكن أن نفهم معنى ما رواه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين))، نفهم أن المقصود هو الأرضين السبع السفلى أو النار التي يتجلجل فيها الغاصبون في قبورهم، ويخسف فيها بغاصب الأرض يوم القيامة إلى الأرض السابعة السفلى، وان أمر هؤلاء الغاصبون من الموحدين موكول إلى ربهم ليخرجهم من هذا الخسف إلى جنة النعيم برحمته سبحانه وتعالى وكرمه، وان يحفظنا سبحانه وتعالى من مثل هذا المصير، اللهم آمين.

الخلاصة:

استعرض هذا المقال (في حلقتيه أ و ب) بعض أهوال يوم القيامة، من خلال الآيات والأحاديث وأقوال بعض المفسرين، وتتضمن هذه الأهوال ما يلي:

1)   دك الأرض ونسف الجبال.

2)  قبض الأرض وطي السماء.

3) تفجير البحار وتسجيرها بالنار.

4) موران السماء وانفطارها.

5)  تكوير الشمس وخسف القمر وتناثر النجوم حيث ستنطفئ الأجرام السماوية وتتبعثر.

6)  تبديل الأرض بالدك قبل الحشر الأول، ثم تذهب الأرض تماما عندما يحشر الناس لمكان الحساب.

7)  خضوع الخلائق لله تعالى عند إتيانه سبحانه وتعالى للفصل بين العالمين، حيث سوف تنزل الملائكة من السماوات صفوفا، ثم تشرق الأرض بنور ربها.

ثم ذكر المقال أحوال الكفار يوم القيامة من الذل والهوان واسوداد وجوههم، وإحباط أعمالهم، وفضحهم امام الخلائق، وتخاصمهم مع بعضهم ومع أنفسهم ندما وحسرة على تقصيرهم في حق الله تبارك وتعالى. ويختم المقال بذكر حال عصاة الموحدين في ذلك اليوم العصيب، حيث تؤدي بعض الذنوب التي اقترفوها في الدنيا إلى دخولهم النار والعياذ بالله، وذلك لتنقيتهم من تلك الأدران، ثم يعفو الله عنهم متى شاء ويخرجهم من النار فيدخلهم الجنة، ومن هذه الذنوب أن من يغتصب أرضا خسف به إلى سبع أرضين، وذلك إلى أسفل سافلين في جهنم أعاذنا الله منها.

المراجع:

Exit mobile version