البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير .. (57) جهنم مأوى الكافرين: (د) لا فداء ولو بملء الأرض ذهبا

بقلم: د.سعد كامل

الإيمان يساوي ملء الأرض ذهبا:

وقف الباحث مع قوله تعالى من سورة آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(91)).

يظهر هنا السؤال: بكم تفتدي يوم في عذاب جهنم والعياذ بالله؟

يقول الجواب القرآني: أن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا. وهذا نص واضح على استحالة ذلك الفداء، لاستحالة توفر هذا الكم الهائل من ذلك المعدن النفيس. هنا استشعر الباحث إن هذا النص القرآني المعجز يتضمن إحدى الإشارات القرآنية للإعجاز العلمي بكتاب الله الكريم، فهذا الأمر يستحق البحث.

في ظلال تفسير الآية:

جاء في تفسير القرآن العظيم لابن كثير: قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن قوما أسلموا ثم ارتدوا، ثم أسلموا ثم ارتدوا، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون )هكذا رواه، وإسناده جيد (ثم قال :إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) أي: من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبدا، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة)، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان – وكان يقري الضيف، ويفك العاني، ويطعم الطعام -: هل ينفعه ذلك ؟ فقال: لا، إنه لم يقل يوما من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين .

فالمشكلة الكبرى لأي إنسان هي الموت على الكفر والعياذ بالله، فهؤلاء لن تقبل توبتهم، ويتضح من نص الحديث الشريف أن العبد لو أنفق ملء الأرض ذهبا (حال حياته دون أن يموت على الإيمان: مثل عبد الله بن جدعان الذي عقد في بيته حلف الفضول في الجاهلية) فلن ينفعه ذلك الإنفاق، وقد يكون النص: (ملء الأرض ذهبا) إحدى صيغ البلاغة الدالة على كثرة الإنفاق، لكنه يشير إلى مبلغ كبير من المال بلا شك. فقول أحدنا أنه شرب ملء الإناء يعني أنه شرب ما كان يملأ الإناء، فبذلك يكون ملء الأرض ذهبا يعني ملء الأرض التي يصل وزنها إلى ستة آلاف بنتا ليون طن (أي ستة آلاف أمامها ثماني عشرة صفرا بالأطنان) وهذه الكمية من الذهب قد تتكلف 360 أوكتا ليون دولار (=26 صفرا) أي ما يزيد عن سبعة تريليون ضعف إجمالي الدخل السنوي العالمي المقدر ب50 تريليون دولار. إذن هذا النص القرآني الكريم يفيد استحالة ذلك الفداء بأي حال من الأحوال، فمن من الناس يملك كل هذه الأموال الطائلة….. حتى وإن فرضنا جدلا وجود من يملك هذا الرقم الخيالي من المال!! فهل سيكون مستعدا حينئذ لفداء يوم من العذاب بهذا المبلغ الرهيب؟

هل يمكن أن تتوفر هذه الأطنان من الذهب على الكرة الأرضية؟

كما يجعلنا هذا النص القرآني المعجز نتساءل: عن مدى إمكانية توفر كمية من الذهب في الكون المدرك تكفي لملء الأرض؟ أي ما يصل إلى ستة آلاف بنتا ليون (=18 صفرا) طن من الذهب، فيأتي الرد من المختصين في علم الفلك وكيمياء الكون (موقع شبكة العناصر)، بالقول أن الذهب يعتبر من العناصر شحيحة الوجود في الكون إذ تصل نسبة وجوده إلى 0.6 جزء لكل بليون جزء من الكون (كما في صورة الجدول الدوري للعناصر المرفقة المنقولة عن موقع النت المذكور، شكل 1). وقد قام بعض العلماء بحساب إجمالي كمية الذهب المحتملة في الكون المدرك (الذي يضم 300 بليون مجرة باتساع يصل قطره إلى أكثر من 20 مليار سنة ضوئية)، وذلك يصل إلى حوالي: 131 دوداسي ليون طنا (=39 صفر) أي حوالي 20 هكسا ليون (=21 صفر) مرة بحجم الأرض، فالكمية متوفرة في الكون الواسع، لكن يستحيل تجميع هذه الكمية من الذهب في كوكب صغير كالأرض لا يكاد يراه الناظر في صفحة الكون الواسع.

شكل 1: الجدول الدوري للعناصر يوضح معدل تواجد الذهب في الكون (موقع شبكة العناصر).

((لو الصورة لا تظهر: فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

أما من حيث كمية الذهب المحتمل تواجدها على الأرض وفقا للافتراضات السابقة فهي قد تصل إلى 3.6 تريليون طن يتركز جزء ضئيل منها في صخور القشرة الأرضية الرقيقة (حوالي 100مليار طن)، لكن ليس كل هذه الكمية يمكن استخراجها، ويتوقف ذلك على الأعماق التي يتواجد عليها الخام، وعلى التقنيات المتاحة لذلك الاستخراج، ويؤكد ذلك أن كمية الذهب المستخرجة من صخور القشرة الأرضية تصل إلى 165 ألف طن (حوالي ثلثي هذه الكمية استخرجت بعد 1950)، والاحتياطيات المؤكدة حتى عام 2005 تصل إلى 22 الف طن، وهذه الكمية تكاد تملأ حوضين من أحواض السباحة الأوليمبية.

الاستحالة المركبة:

وفي ختام هذه الخواطر تتضح لنا استحالة أن يفتدي الكافر نفسه من العذاب الأليم، ولو بملء الأرض ذهبا، مما يجعل الاستحالة هنا استحالة مركبة، فقد رأينا استحالة توفر تلك الكمية الهائلة من الذهب على الأرض (مع توفرها المحتمل في الكون المدرك)، وحتى لو توفرت على الأرض فإنها تتطلب مبلغ هائل من المال يصل إلى أكثر من سبعة تريليون ضعف إجمالي الدخل السنوي العالمي، وهو ما يستحيل توفره لفرد واحد، وإن توفر فهل سيقوى ذلك الكافر (عافانا الله) وهو مشغول بالجشع في الدنيا أن يفتدي نفسه به…. هذا مما يزيد استحالة وقوع تلك الحادثة، فهل عرف الواحد منا -بعد اتضاح هذه المعلومات-، هل عرف قيمة الإيمان الذي يعصمه من هذا المصير؟ هذا ما نرجوه والله أعلى وأعلم.

وحتى لو توفرت كمية من الذهب تملأ الأرض لفرد واحد، وافترضنا أن هذا الشخص يؤثر النجاة من النار عن كنز كل هذه الكمية من الذهب –في الوقت الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم- فإذا افترضنا إمكانية وجود مثل هذا الشخص…. فإن الله يؤكد في الآية على رفض هذا النوع من الفداء…. فانظر أيها القاريء الكريم إلى الحسرة والندامة التي هي من أنواع العذاب للكافرين عندما يفشل الكافر في فداء نفسه من النار بما يساوي ملء الأرض ذهبا، ذلك العنصر البراق الذي يحير الناس في الدنيا وفي الآخرة.

المراجع:

تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم )700 – 774 هـ).

موقع شبكة العناصر: Webelements.com/gold

WebElements Periodic Table » Gold » the essentials

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.