البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير .. (58) الجنة دار النعيم: أسمائها ودرجاتها

بقلم: د.سعد كامل 

الصعود إلى عليين:

جعل الخالق عز وجل الحياة الدنيا دار اختبار حيث قال تعالى في سورة الشمس: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8 ) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10))، فالفلاح والنجاح والنجاة تكمن في طاعته عز وجل، وهي الطريق إلى أعلى عليين جعلنا الله من ساكنيها، وفي المقابل تكون الخيبة والخسران على الذي لم يزكي نفسه، الذي اتبع هواه ولم يستعد لدار الخلود… ومن فضله عز وجل علينا وعلى عباده أنه حدد ذلك المصير في كتابه الكريم وفي كلام المرسلين، وفوق ذلك خصص سبحانه وتعالى الكثير من الآيات الكريمات لشرح الأفعال التي ترفع العبد إلى النعيم أو تهوي به في الجحيم، كما جاء في الوحي المطهر تفاصيل كثيرة عن الدار الآخرة بما فيها من جنة أو جحيم… وعليه فمن عرف كل ذلك ثم أعرض عنه فلا يلومن إلا نفسه.

ويوضح الشرع الحكيم هذه الأهداف في الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة  فيقول تعالى في سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57))، فالهدف من خلق الخلق هو أن يعبدوه سبحانه وتعالى، فالله عز وجل هو الرزاق الكريم، وهو غني عن عباده تبارك وتعالى، وقد جاء في تفسير ابن كثير الحديث القدسي الذي يقول فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حكاية عن المولى عز وجل: ((يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك)) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1359.

أما ما ورد في الشرع الحنيف من أوصاف للحياة الآخرة، بما في ذلك وصف الجنة ودرجاتها وأبوابها ونعيمها، وكذلك وصف النار وأبوابها ودركاتها وعذابها، في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الواقعة:

-عن السابقين: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)) .

فهل يمكن أن يسمع أحد بهذا النعيم ولا يستعد بالعمل الذي يؤدي إليه؟

وقوله تعالى عن أصحاب اليمين: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)).

وهذا أيضا نعيم كبير أعده الله لعباده المؤمنين، صحيح أن نعيم أصحاب اليمين أقل درجة من النعيم المعد للسابقين، إلا أنه بكل المقاييس أفضل وأعلى وأشرف من عذاب الجحيم.

-وقوله تعالى عن أصحاب الشمال: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56))

وهنا نجد وصف العذاب في الجحيم مقرونا بالأسباب التي أدت بهم إلى ذلك المصير المحتوم…. فلا شك أنه لن يهلك في يوم القيامة إلا من كان من الهالكين، الذين سمعوا هذه الآيات الواضحات ثم لم يستعدوا ليوم الدين!!

الجنة في الأحاديث الشريفة

-كما جاءت الأحاديث الشريفة لتوضح فضل الله تعالى على أمة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا اول من يقرع باب الجنة)) رواه مسلم، فهل يمكن أن يعرف المسلم أنه سيكون في زمرة النبي الكريم، ومن أتباعه الذين رضي الله عنهم فأدخلهم الجنة، هل يمكن أن يعرف ذلك ولا يستعد للصعود معه صلى الله عليه وسلم إلى عليين؟

-وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة))، اللهم احشرنا مع نبيك الكريم يا رب العالمين.

-أما عن النعيم المعد للسابقين أول من يدخل الجنة فقد جاء في فتح الباري الحديث الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أول زمرة تدخل الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يتمخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون بكرة وعشياً))، فهذه أوصاف للنعيم تجعل القلب يشتاق ويتمنى أن يدخلها، وبعد وصف النعيم يأتى وصف السعادة الروحية بالحب والترابط والتآلف، وهذه السعادة الروحية قد تكون في الدنيا أو في دار النعيم.

ويأتي في الكتاب الكريم أيضا إشارات إلى أن الله تعالى سيجعل الوصول إلى أعلى عليين سهلا على المؤمنين، فالذي يرى بنور الله يعلم أن الجنة في السماوات العلى، ويعلم أن السماوات العلى بينها مسافات شاسعة، بالتالي تأتي الآيات للتأكيد أن الله تعالى سيطوي للمؤمنين هذه المسافات طياً فتصبح الجنة قريبة من المتقين، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90))، وكذلك قوله تعالى في سورة التكوير: (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)).

أسماء الجنة:

لا شك أن هذا الاسم “الجنة” يعتبر من أحب الأسماء إلى العبد المؤمن بعد أسماء الله الحسنى تبارك وتعالى، وحب العبد لربه هو الذي يؤدي به إلى دار الكرامة التي أعدها الله للمتقين، ثم إن العبد ليشتاق إلى ما في الجنة من نعيم، ولعل هذا الشوق هو الذي يدفعه للاستزادة من الأعمال الصالحات حتى يتحقق له الفوز بالجنة ونعيمها، ويؤكد ذلك الفوز قوله تعالى في سورة الحشر: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20))، وقد استعرض الصلابي (2011) بعض أسماء الجنة الواردة في القرآن الكريم (جدول 1):

يعتقد كاتب هذه السطور أن أسماء الجنة تعتبر من أبواب التفكر التي تدعمها الأدلة الشرعية بالكثير من النصوص، فقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ))، بينما جاء في سورة الشعراء قوله تعالى على لسان الخليل إبراهيم عليه السلام: (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85))، هنا يبرز السؤال التالي: أيهما أعلى جنة الفردوس أم جنة النعيم؟

وقد ناقش (موقع إسلام ويب، 1) هذه النقطة مشيرا إلى أن ذلك له احتمالين: (الأول أن كلا اللفظين يشير إلى نفس الشيء) واستدل الموقع أن ابن القيم ذكر للجنة اثني عشر اسما، الثامن منها: الفردوس. قال: والفردوس اسم يقال على جميع الجنة، ويقال على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات، وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين، قال كعب: هو البستان الذي فيه الأعناب. وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة بالأشجار. وقال  الزجاج: وحقيقته  أنه البستان  الذي  يجمع كل  ما  يكون في  البساتين. والتاسع منها: جنات النعيم، قال: وهذا أيضا اسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن. بينما الاحتمال الثاني: (أن جنات النعيم ـ كما ذكر بعضهم ـ أعلى أو أفضل)، أو هي أخص ما في جنة الفردوس، ولذلك جعلها الله جزاء للسابقين المقربين، كما قال تعالى في سورة الواقعة: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)).

كما يمكن القول أن أسماء الجنة قد تعكس مستويات الجنة أو درجاتها، فالجنة درجات متعددة وقد ذكر (موقع إسلام ويب، 1) قول السمرقندي في تفسير سورة الرحمن: ثم قال عز وجل: (ومن دونهما جنتان) يعني من دون الجنتين اللتين ذكرهما جنتان أخروان، فالأوليان: جنة النعيم وجنة عدن، والأخريان: جنة الفردوس وجنة المأوى. كما ذكر الموقع قول الشوكاني في تفسير قوله تعالى: (تحيتهم فيها سلام) قيل: السلام اسم لأحد الجنان السبع، أحدها: دار السلام، والثانية: دار الجلال، والثالثة: جنة عدن، والرابعة: جنة المأوى، والخامسة: جنة الخلد، والسادسة: جنة الفردوس، والسابعة: جنة النعيم. فجعل جنة النعيم هي السابعة.

درجات الجنة:

جنة النعيم هي الجنة العالية التي ورد ذكرها في سورة الحاقة ضمن قوله تعالى: (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22))، وأيضا في سورة الغاشية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10))، وكذلك في سورة طه: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)) وهذا العلو وصف منطقي للجنات التي تقع فوق السماوات العلى، ويكفي تلك السماوات بما فيها من جنات أنها قريبة من عرش الرحمن، وفيها من الراحة والجمال والنعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما أن هذه الجنة العالية تتصف بالعلو مقابل دار الجحيم التي تقع أسفل سافلين بعيدا عن العرش المجيد. وقد تعددت الآيات والأوصاف التي تذكر الدرجات العلا:

-قال تعالى في سورة الإسراء: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21))، فهذه الآيات تؤكد أن العطاء الرباني متصل للجميع، لكن لا يستوي من يطلب الدنيا فيؤتيه الله ما طلب لكنه يصير إلى جهنم، أما من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فلهم الدرجات العلا، وتؤكد الآية الأخيرة أن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا.

-وقال تعالى في سورة المجادلة: (…يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11))، نعم درجات عليا للذين يتأدبون بآداب المجالس، ويحسنون إلى إخوانهم، أما المجاهدين في سبيل الله فلهم مائة درجة في الجنة كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها))، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشر الناس؟ قال: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة))، أراه قال: ((وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)) فانظر أخي الكريم إلى علو درجات المجاهدين، وإلى ما أعده الله لهم من نعيم مقيم، ونلاحظ أن وصف الفردوس أنه أوسط الجنة وأعلى الجنة يفيد أن الجنة مقببة، كما قال ابن كثير لأن أعلى القبة هو أوسطها.

-وأعلى درجات الفردوس هي الوسيلة، وهي منزلة لشخص واحد فقط هو نبينا صلى الله عليه وسلم فقد روى مسلم في كتاب الصلاة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الوسيلة حلت له الشفاعة)).

-وقد بين صلى الله عليه وسلم ان أهل الجنة يتفاضلون في الجنة بحسب منازلهم فيها، فقد روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق او المغرب، لتفاضل ما بينهم))، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: ((بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين))، فلا شك أن الذين يبلغون هذه المنازل العالية قد قدموا إيمانا صادقا في اتباعهم للمرسلين.

فهذه الأوصاف للدرجات العلى في الجنة تفيد ان للجنة درجات تتفاوت حسب أعمال العباد، وأنها درجات عالية بينها كما بين السماء والأرض، ويبدو أن هذه الدرجات متعددة فمنها مائة درجة للمجاهدين، وقد يكون كل باب من أبواب الجنة الثمانية فيه درجات متعددة مثل الكواكب السابحة في الفضاء، وأعلى هذه الدرجات هو الفردوس الأعلى وأعلاه الوسيلة التي يختص بها نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

الخلاصة:

كتب الله على الخاسرين السقوط في النار أسفل سافلين، أما الفالحين المؤمنين فقد أعد لهم الجنة في عليين، ويتفق ذلك مع أنواع الناس في سورة الواقعة: السابقون في أعلى عليين، ثم أصحاب اليمين في باقي درجات النعيم، ثم أصحاب الشمال في نار الجحيم. كما جاء في الأحاديث الشريفة أنه صلى الله عليه وسلم أول من تفتح له أبواب الجنة، وأن أمته أول من يدخلونها، كما تصف الآيات الكريمة والأحاديث بديع أنواع النعيم في الجنة التي ستكون قريبة من المؤمنين رغم المسافات الهائلة إليها.

وتتضمن الجنة الدرجات العلا التي أعدها الله للمؤمنين المحسنين، وفيها مائة درجة للمجاهدين في سبيل الله، وأعلى هذه الدرجات هي درجة الوسيلة التي ندعو بعد كل أذان أن تكون للرسول صلى الله عليه وسلم، وتكون هذه الدرجات مثل الكواكب العالية التي نراها في السماء، وقد جعلها الله تبارك وتعالى لأصحاب الدرجات العلا من عباده وهم: الأنبياء، ثم الصديقين، ثم الشهداء، ثم عموم الصالحين من المؤمنين، جعلنا الله منهم.

المراجع:

  • كتب التفسير والحديث المذكورة في النص.
  • الصلابي، ع (2011): سلسلة أركان الإيمان، (5) الإيمان باليوم الآخر (فقه القدوم على الله)، دار المعرفة، بيروت – لبنان، 435 ص.

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.