أراء وقراءات

نائب الأمس ونائب اليوم

بقلم / حسن السعدني

لعقود طويلة، ظل اسم “النائب” في وجدان القرى والنجوع مرتبطًا بصورة رجل يعرفه الناس بالاسم، يطرقون بابه في الأزمات، ويطلبون مساعدته في أبسط الاحتياجات. كان نائب الأمس حاضرًا في كل مناسبة، من الأفراح إلى العزاء، ومن توظيف العاطلين إلى حجز الأسرّة في المستشفيات، يؤدي دور “الوسيط الشعبي” بامتياز، لكنه – في كثير من الأحيان – أهمل دوره الأهم في التشريع والرقابة، لأن صوته لم يكن مسموعًا داخل دوائر اتخاذ القرار.

نائب اليوم: بين الصورة والموقف

اليوم تغيّرت الصورة. بعض النواب باتوا يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من ظهورهم في الشارع أو قاعة البرلمان. صور فاخرة، بدلات أنيقة، ومنشورات تهنئة أو تعزية، بينما الواقع يفتقد حضورًا حقيقيًا في النقاشات العامة، أو مساهمات جادة في صياغة القوانين. بعضهم لا يعرف شارعًا في دائرته، لكنه يعرف ترتيب “الترند”!

من الإنصاف إلى المساءلة

لا يجوز أن نظلم نائب الأمس، فقد كان يتحرك في إطار دولة مركزية لا تعطي للبرلمان وزنه الكامل، وكان الناس – في ظل غياب الخدمات العامة – يطلبون من النائب ما لا يُطلب من نائب في دولة مؤسسات. أما اليوم، فالدستور واضح، واللوائح محددة، والدور البرلماني لا يحتمل التجميل أو الاختفاء. النائب اليوم مطالب بأن يكون صوتًا وازنًا في مواجهة الحكومة، لا مجرد رجل علاقات عامة.

نائب لا يعرف الموازنة… هل يشرّع؟

سؤال جوهري يطرح نفسه:
هل النائب الذي لا يجيد قراءة بنود الموازنة العامة، ويفتقر للوعي الاقتصادي والسياسي، يستطيع أن يشرّع قانونًا أو يُحاسب وزيرًا؟
هل من لا يحضر جلسات البرلمان، ولا يشارك في النقاشات، يمكنه أن يمثل الناس بحق؟
للأسف، لا زال بيننا من يهرب إلى القضايا الهامشية، ويغضّ الطرف عن جوهر الأزمات: مستوى الدخل، الصحة، التعليم، العدالة الاجتماعية.

الناخب شريك في المسئولية

الأزمة لا تتعلق بالنائب وحده، بل تبدأ من اختيارات الناخبين. البعض ما زال يُقايض صوته بـ”كرتونة” أو “خدمة مؤقتة”، غير مدرك أن صوته هو مستقبله، وأن البرلمان ليس ساحة للمجاملات، بل منصة لصناعة القرار. النائب الذي يصل إلى البرلمان بالمال أو العاطفة، دون كفاءة أو رؤية، سيكون عبئًا على دائرته وعلى الدولة.

من الوجاهة إلى الواجب الوطني

الخطر الأكبر أن بعض النواب يتعاملون مع البرلمان كمنصة للوجاهة، يظهرون في الشاشات ويغيبون عن قاعة النقاش. يهرولون إلى التصفيق بدل التفكير، ويكتفون بالشعارات دون اقتراح حلول. وهكذا تضيع فاعلية البرلمان، ويتحول من ساحة حقيقية للحوار والمساءلة، إلى قاعة صدى، لا تُحرج وزيرًا، ولا تُوقف قرارًا.

كلمة أخيرة للنواب

أيها النواب:
الشعب المصري يعرف من يعمل ومن يتغيب، من يستحق ثقته ومن لا يستحق.
مقعد البرلمان أمانة ومسؤولية وليس وسامًا للزينة.
نحن بحاجة إلى نائب يسمع للناس، يناقش الحكومة، يُشرّع القوانين، ويحمي الضعفاء.
نائب يسأل:
“لماذا؟ وكيف؟ وما البديل؟”
لا نريد نائبًا يخطب، بل نائبًا يعمل.

حسن محمد السعدني

كبير معلمي اللغة العربية -مدرسة السعدية الثانوية

إدارة شربين التعليمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى