هل المقاطعة الاقتصادية لفرنسا وأعداء المسلمين جهاد في سبيل الله؟

بقلم / الدكتور محمد النجار

إذا عجزت الأمة المسلمة في الدفاع عن دينها ورسولها وأرضها ومقدساتها نتيجة ضعفها في الفترة الراهنة وتكالب الأمم عليها ، فلا يجب أن  تستسلم وإنما تستخدم كل مالديها من قوى تستطيع أن تستخدمها حتى تبرأ الى الله صاحب الحول والقوة والذي أمرها بالدفاع بما تستطيعه. فإذا لم تستطع الدفاع بالقوة ، فإنها تدافع بالقوى السلمية التي لا تستخدم السلاح والمدافع والصواريخ التي لا تمتلكها وانما تدافع بما تملكه من مقاطعة اقتصادية وسياسية لتلك القوى المعادية .

الجهاد في سبيل الله أربعة أقسام :

جهاد بالقلب ، وجهاد باللسان ، وجهاد باليد  ، وجهاد بالسيف.

قال العلامة ابن رشد في كتابه الممهدات المقدمات ص342 : ((من أتعب نفسه في ذات الله فقد  جاهد في سبيله)) .

معنى المقاطعة الاقتصادية :

الامتناع عن معاملة الآخر اقتصاديا بهدف الضغط عليه لتغيير سياسته تجاه قضية من القضايا.

ونظرا لما تؤديه المقاطعة الافتصادية من حرمان الانسان من بعض السلع والخدمات والانقطاع عن الاستمتاع بها بهدف الضغط على أعداء الأمة لكبح جماح عدائهم وردعهم وايقاف حملات تشويه  رسولهم صلى الله عليه وسلم وأتباعه في جميع انحاء العالم ، ومن هذا المنطلق تدخل المقاطعة الافتصادية ضمن مفهوم الجهاد في سبيل الله بمعناه العام. والمقاطعة جهاد سلمي يستطيعه كل أبناء الأمة الاسلامية لنصرة قضاياه والدفاع عن نبيهم ودينهم وشريعتهم.

حكم تعامل المسلمين مع غير المسلمين :

جاءت الشريعة السمحة لتنقذ البشرية من الشرك والجهل ، وتخرجها من الضيق الى الفرج ومن العسر الى اليسر  ، فأباحت التعامل مع  غير المسلمين  سياسيا واقتصاديا  إذا كان المعقود عليه مُباحا في شريعة المسلمين . قال الله تعالى :

((اليوم أُحل لكم الطيبات،وطعام الذين أُوتوا الكتاب حلا لكم)) المائدة 5.

قال ابن قدامة : اجمع اهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب لقول الله تعالى((وطعامُ الذين أوتوا الكتاب حِلٌ لكم))المائدة 5.   ((المصدر: كتاب المغني 13/293)).

وقد دل ذلك على جواز التعامل معهم بالبيع والشراء

قال ابن بطال :

معاملة الكفار جائزةٌ إلا بيع مايستعين به أهل الحرب على المسلمين((كتاب صحيح البخاري باب البيوع 5/478 )).

ويتبين لنا مما سبق أن التعامل مع الكفار بالبيع والشراء جائز باستثناء بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين، فقد اتفق الفقهاء على منعه ، ونقل هذا الاجماع الامام النووي، انظر المجموع شرح المهذب(9/432).

نماذج تاريخية  للمقاطعة عبر التاريخ :

سلاح المقاطعة الاقتصادية والسياسية ليس سلاحا جديدا ، بل استخدمته الأمم منذ زمن طويل ، وأذكر لكم بعض نماذج للمقاطعات التي تمت منذ فجر الاسلام وحتى تاريخه :

  1. 1. مقاطعة كفار قريش لقبيلة بني هاشم وبني عبدالمطلب وذلك للضغط عليهم كوسيلة للضغط على النبي ﷺ لإيقاف دعوته للإسلام ، فلا بيع ولاشراء معهم، بل لازواج منهم ولا لهم واستمرت المقاطعة سنتين وأكثر ، ولم تجد  تلك المقاطعة الجائرة نفعا تجاه إصرار النبي ﷺ   على الاستمرار في دعوته لإخراج البشرية من الظلمات الى النور .
  2. 2. مقاطعة ثمامة بن أثال لكفار قريش بعد رؤيته للنبي وإسلامه قائلا لهم : والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة  حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم. ( اخرجه البخاري في كتاب المغازي).
  3. 3. مقاطعة حزب الوفد المصري ضد الانجليز عام 1921 بعد اعتقال زعيمه سعد زغلول وشملت المقاطعة حث المصريين على سحب ودائعهم من البنوك الانجليزية وعدم شحن البضائع على سفن انجليزية ومقاطعة التجار الانجليز بشكل عام. (المرجع القاموس السياسي ص1502).
  4. 4. مقاطعة الاوربيين للبضائع الألمانية النازية بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945). المرجع الموسوعة العربية العالمية 23/561).
  5. 5. دعوة الزعيم الهندي غاندي لمقاطعة البضائع الأجنبية بإحراقها علنا في بومباي ضمن احتجاجات الهنود ضد الاستعمار البريطاني للهند .((المصدر: القاموس السياسي ص 1037))

 

  1. 6. مقاطعة كثير من الشعوب لشراء البضائع من جنوب افريقيا احتجاجا على التفرقة العنصرية. ((المصدر: الموسوعة العربية العالمية23/561)).

 

  1. 7. أيقاف الملك فيصل يرحمه الله ضخ البترول الى الغرب عند اشتعال حرب اكتوبر عام1973 وتبعته دول الخليج ، فكان لتلك المقاطعة أثر كبير على مجريات الحرب التي أظهرت قوة سلاح المقاطعة العربية في الحروب الحديثة.    (المصدر:القاموس السياسي ص1121).

والنماذج كثيرة ، نقتصر على ماذكرناه

فرنسا والرسوم المسيئة للنبي محمد ﷺ

وما رأيناه في فرنسا من رسوم مسيئة للرسول محمد  ﷺ  ليس إلا عدوانا ممنهجا على الاسلام والمسلمين ، حيث خرج الرئيس الفرنسي ماكرون مؤيدا للرسوم  المسيئة بحجة حماية حرية الرأي في فرنسا . ثم تبعه رئيس وزراءه  يؤيد بقوة حماية العلمانية الفرنسية ، وكأن الحرية ليست سوى ضد الاسلام والمسلمين .

فرنسا والهولوكوست اليهودي:

اضطر حزب الجبهة الوطنية الفرنسي والذي ينتمي الى اليمين المتطرف الى إقالة رئيسه ((جان فرانسوا جالك – رئيس بلدية في شمال فرنسا)) بعد اسبوع واحد من رئاسته بسبب نشوب ضجة بشأت تصريحات سابقة له نفى فيها الهولوكست رغم أنه نفى المزاعم التي مفادها بأنه شكك سابقا في استخدام النازيين مبيد حشرات يحتوي على غاز السيانيد في غرف الغاز لقتل اليهود.

وعين بدلا منه ستيف بريوا .

وحاولت زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان منافسة الرئاسة الفرنسية عام 2017 ضد المرشح وقتها ماكرون إبعاد جبهتها عن جذورها المعادية للسامية.(المصدر: البي بي سي بتاريخ 28-04-2017).

تصدير ماكرون فشله السياسي ضد المسلمين:

يحاول ماكرون تصدير فشله السياسي والاقتصادي في فرنسا الى المسلمين لأنهم هم الذين لا أحد يدافع عنهم وهم الجدار القصير الذي يرمي عليه فشله. لقد فقد ماكرون شعبيته في مواجهة معارضة النقابات العمالية ، وسوء ادارته لمظاهرات  حركة “السترات الصفراء” التي شكّلت ذروة المشاكل المتراكمة منذ سنوات، ثم تأثرت سياسته سلبيا  في  الفترة الأخيرة بسبب انتشار فيروس كورونا أيضاً،وخسارته لجزء من شعبيته بسبب شخصيته المتغطرسة وقلة صبره .   وأخيراً، عجز ماكرون عن التخلص من لقب “رئيس الأغنياء” الذي يلازمه مع أنه ردّ على هذه التهمة بطريقة لامعة فقال: “لا أريد أن أكون رئيس الأغنياء، بل أريد أن أكون رئيس الطامحين ليصبحوا أغنياء”.

 سؤال الى الرئيس الفرنسي ماكرون:

هل تستطيع حماية حرية الرأي ضد الهولوكوست اليهودي؟

وبعبارة أخرى يحاول ماكرون دغدغة مشاعر المواطن الفرنسي وإيجاد شماعة يرمي عليها فشله ، ولم يجد سوى تأليب الرأي العام الفرنسي خاصة اليمين المتطرف ضد المسلمين ، وتأييده للرسوم المسيئة للنبي محمد بحجة حماية حرية الرأي والتعبير . فهل يستطيع ماكرون الصليبي حماية حرية الرأي ضد التشكيك في الهولوكوست اليهودي؟

خسائر فرنسا بالارقام نتيجة مقاطعة المسلمين :

بينما تحاول بعض وسائل الإعلام العربية من السخرية لمقاطعة فرنسا وتقليل اهمية تلك المقاطعة ، تنتفض وزارة  الخارجية الفرنسية وتطلب وقف حملات المقاطعة فورا .  فقد بلغت الصادرات الفرنسية الى دول العالم العربي :

555.1 مليار دولار، أي أكثر من نصف تريليون دولار. بخلاف مشتريات الأسلحة  (المصدر: جريدة المصري اليوم 26-10-2020م)

وهذا الرقم سيهتز له  الاقتصاد الفرنسى في حال تنفيذ مقاطعة الشعوب للمنتجات الفرنسية ، وستشتعل مظاهرات حملة السترات الصفراء أكثر ضد الرئيس الصليبي ماكرون الذي يحمي الصحافة الفرنسية التي تسيئ للرسول محمد ﷺ  وللدين الاسلامي . ويجب على كل مسلم يحب رسوله أن يقاطع السلع الفرنسية حتى يرتدع ماكرون الصليبي عن حماية ما يدعيه بحرية التعبير ضد الاسلام بينما لايستطيع حماية حرية التعبير ضد مجرد التشكيك في محرقة الهولوكوست والتحدث عن السامية.

إن المقاطعة عمل سلمي وليس عمل ارهابي ، ويحق لكل مسلم ان يستخدمه ضد من يسئ لدينه ورسوله وشريعته

فهل يرى الله غيرة المسلمين.. وغيرتكم شخصيا على دينه ورسوله وشريعته؟

هل المقاطعة الاقتصادية لفرنسا وأعداء المسلمين جهاد في سبيل الله؟ 1
د.محمد النجار

 السبت 7نوفمبر 2020 الموافق  23 ربيع الاول 1442هـ

Exit mobile version