أبرز ما ورد فى جلسة مجلس الأمن الوزارية بشأن السودان
كتبت : د.هيام الإبس
عقد مجلس الأمن الدولى، الخميس 19 ديسمبر 2024، جلسة وزارية بشأن السودان، ترأستها الولايات المتحدة الأمريكية وتحدث فيها مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس، بجانب السلطان سعد بحر الدين، سلطان قبيلة المساليت، فضلاً عن ممثلى عدد من الدول والهيئات.
كلمة مندوب السودان
السفير الحارث إدريس الحارث، المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة، فى كلمته أمام الجلسة الوزارية، طلب من الولايات المتحدة الأمريكية تصنيف “مليشيا” الدعم السريع كجماعة إرهابية، والضغط على الإمارات لوقف شحنات الأسلحة إليها، مشيراً إلى أن هذه الخطوة قد تسهم فى إنهاء الحرب الدائرة فى السودان.
وأعرب الحارث عن تقدير بلاده للجهود التى بذلتها الولايات المتحدة فى مجال الإغاثة الإنسانية والبحث عن حل لإنهاء النزاع، مشيداً بالدعم الذى وصفه بـ”الإيجابى” و”المستمر” الذى تقدمه واشنطن للسودان، وأكد الحارث أن المساعدات الإنسانية الأمريكية تجاوزت قيمتها الإجمالية مليار دولار، مشيراً إلى الإدانات المتكررة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية للجرائم والانتهاكات التى ترتكبها الدعم السريع.
كما أوضح أن الولايات المتحدة طلبت من المليشيا رفع الحصار عن مدينة الفاشر، مشيراً إلى الجهود التى بذلها الكونجرس لتجريم المليشيا ووقف تصدير الأسلحة إلى الإمارات. وأضاف الحارث أن وكالة العون الأمريكية والمبعوث الأمريكى الخاص بالسودان أظهرا ارتباطاً وثيقاً مع الحكومة السودانية، وذلك عبر زيارات ميدانية ومساعٍ دبلوماسية لتعزيز فرص السلام وإنهاء الأزمة، على حد قوله.
سلطان المساليت
وخاطب الجلسة أيضًا السلطان سعد بحر الدين، سلطان قبيلة المساليت التى تعرضت لمجازر فى غرب دارفور على يد قوات الدعم السريع.
السلطان فى بيانه أمام مجلس الأمن ترحم على الآلاف من أبناء المساليت الذين قتلوا فى الجنينة وأردمتا، وجميع السودانيين الذين قتلوا خلال الحرب.
وقال بحر الدين إن سلطنة دار مساليت تمثل نموذجاً للتمازج الثقافى والاجتماعى، حيث تعيش فيها مكونات إثنية وقبلية متنوعة. وذكر أن الحرب التى وصلت إلى دار مساليت أدت إلى استهداف منهجى وواسع النطاق لأهل القبيلة بسبب هويتهم الإثنية، حيث ارتُكبت بحقهم أبشع الجرائم التى تتمثل فى الإبادة الجماعية، وأضاف أن مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، تعرضت لحصار استمر لمدة شهرين على يد قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها، مما أسفر عن مقتل نحو 10 آلاف شخص وإصابة عشرات الآلاف وتشريد مليون شخص على الأقل هربوا إلى تشاد.
وأفاد بحر الدين أن الممارسات الإجرامية التي تعرض لها المساليت شملت القتل والاغتصاب، وحرق الناس ودفنهم وهم على قيد الحياة، والتمثيل بالجثث أمام العالم، بما فى ذلك جثة والىِ الولاية، خميس أبكر، الذى كان ينتمى إلى قبيلة المساليت.
وفى ظل هذا الوضع المأساوى ، وجه سلطان دار مساليت عدداً من المطالب لمجلس الأمن، أولها تعزيز الأمن فى ولاية غرب دارفور، التى تعانى من انفلات أمنى نتيجة للحرب والفوضى التى خلّفها النزاع، كما شدد على ضرورة تقديم الإغاثة الإنسانية العاجلة للمحتاجين، بما فى ذلك المأوى والغذاء والمياه والعناية الطبية للنازحين واللاجئين فى دول الجوار.
ودعا بحر الدين أيضاً إلى إجراء تحقيقات جنائية محايدة وعادلة فى الانتهاكات التى ارتُكبت بحق قبيلة المساليت والمواطنين السودانيين الآخرين، ومعاقبة الجناة وتعويض الضحايا بما يضمن لهم العدالة. وأخيراً، طالب بمناشدة الأطراف المتنازعة فى السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات لاستكمال مسار الحوار والتوصل إلى حل سياسى يحقق السلام والاستقرار.
الأمم المتحدة.. أزمة غير مسبوقة
خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن وصفت إيديم وسورنو، مديرة العمليات بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أزمة السودان بأنها “غير مسبوقة فى حجمها وقسوتها”.
وأكدت أن الوضع يتطلب اهتماماً عاجلاً ومستمراً من المجتمع الدولى.
وأشارت وسورنو إلى الكارثة الإنسانية الناجمة عن الصراع، ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، أى ما يعادل ربع سكان السودان، منهم 3.2 مليون شخص فروا إلى دول الجوار، مما زاد من الضغوط على مناطق تعانى أصلاً من محدودية الموارد.
وأكدت وسورنو جهود الأمم المتحدة الميدانية بقيادة منسق الإغاثة الطارئة توم فليتشر، الذى زار السودان وتشاد مؤخراً. وأوضحت أنه تم إحراز تقدم فى فتح مسارات إغاثية وتحسين الوصول الإنسانى، بما فى ذلك تمديد الإذن باستخدام معبر “أدرى” الحدودى الحيوى مع تشاد.
فى السياق ذاته، أعلن فليتشر عن تخصيص خمسة ملايين دولار بشكل فورى من صندوق الأمم المتحدة المركزى لمواجهة الطوارئ (CERF) لدعم المستجيبين المحليين والدوليين الذين يواجهون ضغوطاً هائلة لمساعدة اللاجئين السودانيين فى تشاد.
كما تمكن برنامج الأغذية العالمى من الوصول إلى معسكر زمزم للنازحين فى شمال دارفور الشهر الماضى، حيث أرسل أول قافلة غذائية منذ الإعلان عن ظروف المجاعة فى يوليو الماضى.
واشنطن تعلن مساعدات إنسانية
وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، الذى ترأس الجلسة، أعلن عن تخصيص 200 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية للسودان. وأوضح بلينكن أن التمويل سيُستخدم لتوفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، مشدداً على ضرورة إيصال المساعدات بشكل آمن وسريع. كما أكد عزم الولايات المتحدة استخدام كافة الأدوات المتاحة، بما فى ذلك فرض عقوبات إضافية، لمنع الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، داعياً الدول الأخرى لاتخاذ خطوات مماثلة تجاه الأطراف التى تؤجج الصراع.
ودعا الوزير الأمريكى مجلس الأمن إلى الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف القتال وحماية المدنيين، كما حث الدول الخارجية التى تدعم طرفى النزاع بالأسلحة والموارد على إنهاء تدخلاتها، وانتقد موقف روسيا التى استخدمت حق النقض ضد قرار يدعو لوقف إطلاق النار وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
وأكد بلينكن أهمية إشراك المجتمع المدنى السودانى، وخاصة النساء، فى الجهود الرامية لاستعادة الحكم المدنى الديمقراطى. وأعلن عن تخصيص 30 مليون دولار لدعم منظمات المجتمع المدنى السودانية وتعزيز مشاركتها فى رسم مستقبل البلاد.
تركيا تطالب بتحرك عاجل
تركيا دعت إلى تحرك دولى عاجل للتعامل مع الأزمة الإنسانية والصراع المتصاعد فى البلاد. وأكد المندوب التركى أحمد يلدز خطورة الأوضاع الإنسانية، لافتاً إلى أعداد النازحين والقتلى المدنيين خلال الصراع، والدمار الذى لحق بالبنية التحتية الحيوية، بما فى ذلك المرافق الصحية.
وأكد المندوب التزام تركيا بوحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادته بعيداً عن التدخلات الخارجية، وشدد على ضرورة معالجة جذور الأزمة لإنهاء القتال فوراً ، مضيفاً: “لمساعدة الشعب السودانى، يجب أن نركز على معالجة الأسباب الحقيقية للصراع، وليس الأعراض فقط”.
وجدد يلدز التأكيد على الدعم التركى القوى للشعب السودانى، داعياً المجتمع الدولى إلى تكثيف جهود المساعدات الإنسانية والوساطة لإنهاء الأزمة.
مجموعة (A3+) تدين التدخلات الخارجية
ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، تحدث باسم مجموعة (A3+) التى تضم الجزائر وسيراليون والموزمبيق وغيانا، ودعا إلى إدانة قوية وصريحة لأى تدخل خارجى فى السودان، مؤكداً أهمية مشاركة أطراف النزاع فى مسار سياسى يقوده السودانيين تحت رعاية الأمم المتحدة.
وشدد بن جامع على ضرورة وضع حد نهائى للتدخلات الخارجية، معرباً عن قلق المجموعة من التدهور المستمر للوضع على الأرض. وأضاف: “لا يمكننا تحمل المزيد من فقدان الأرواح البريئة أو النزوح أو انعدام الأمن الغذائى أو الدمار الذى يهدد استقرار المنطقة”.
وأكد الدبلوماسى الجزائرى أهمية حماية المدنيين كهدف رئيسى لأى مسار سياسى هادف وشفاف، مشيراً إلى ضرورة تقديم مجلس الأمن دعماً أكبر للجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية، كما دعا جميع أطراف النزاع إلى الانخراط فى جهود الوساطة بنية صادقة، مبرزاً أهمية تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للفئات الأكثر احتياجاً، خاصة النساء والأطفال.
وأشاد بن جامع بالإجراءات الإيجابية التى أعلنتها الحكومة السودانية، مثل فتح المطارات للرحلات الإنسانية وإنشاء جسر جوى إلى المناطق المتضررة، إلى جانب المساعدات الغذائية التى قدمها برنامج الأغذية العالمى لمعسكرات النازحين فى زمزم. وحث الحكومة السودانية على الاستمرار فى هذه الخطوات لتخفيف معاناة السكان المتضررين.
اختتم بن جامع تصريحه بتأكيد الحاجة إلى التزام إيجابى وبناء من مجلس الأمن تجاه الأزمة السودانية، لدعم جهود السلام ومنع امتداد النزاع فى المنطقة والقارة الإفريقية بأكملها.