أحاديث ضعيفة وموضوعة عن شهر رمضان
بقلم الدكتور / محمد النجار
يأتي شهر رمضان وقد انتظره المؤمنون أحد عشر شهراً ، ويستبشرون بقدومه ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات وهجر السيئات وأولئك يبشَّرهم الله بقوله تعالى ((قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)). ومحبة الأعمال الصالحة والاستبشارَ بها فرع عن محبة الله عز وجل قال تعالى:((وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)) .
إنه شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن ، وشهر الصيام والقيام والرحمة والغفران والعتق من النيران . وقد وردت فيه أحاديث رسول الله ﷺ تبشر المؤمنين بجنات النعيم لمن صام وقام لرب العالمين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله ﷺ:
((أتاكم شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مبارَكٌ ، فرض اللهُ عليكم صيامَه ، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ ، و تُغلَق فيه أبوابُ الجحيم ، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)))
رواه النسائي والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقد بذل علماء المسلمين جهودا مضنية لتصنيف الأحاديث النبوية وتحديد رتبة صحة كل حديث واستبعاد الأحاديث غير الصحيحة المنسوبة للنبي ﷺ.
وبمناسبة شهر رمضان تتردد بعض الأحاديث التي ينسبها البعض للنبي ﷺ بينما هي أحاديث موضوعة أو ضعيفة تتناقض مع طبيعة الدين الاسلامي العظيم .. وينبغي على ناشر أي حديث سواء في كتاب أو مقالة أو على صفحات التواصل الإجتماعي أن يتحقق من صحة الحديث قبل نشره حفاظا على نشر الأحاديث الصحيحة واستبعاد الأحاديث الموضوعة و حتى لايتعرض الناشر للعقوبة الوارة في حديث رسول اللهﷺالذي رواه عنه عدد من الصحابة بصيغ مختلفة ، منهم أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ:
((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )). رواه البخاري ومسلم..
ونُلقي الضوء في هذا المقال على بعض الأحاديث المشهورة المنتشرة عن شهر رمضان ومدى صحتها أو ضعفها :
الحديث الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله :(( أولُ شهرِ رمضانَ رحمةٌ ، وأوسطَه مغفرةٌ ، وآخِرُه عتق من النار)).
المصدر:السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني .
الحكم على الحديث : مُنكر
فبالنظر لهذا الحديث نرى أنه يقسم شهر رمضان الى ثلاثة أقسام : أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. فهو بذلك يقصر رحمة الله ومغفرته لاتكون سوى في شهر رمضان بينما رحمة الله واسعة في كل الأوقات ، فهو سبحانه يغفر الذنوب جميعًا لعباده في كل الأوقات ، وليس محددًا الوقت في شهر رمضان للمغفرة أو الرحمة أو العتق من النار، إنه الله جل جلاله الرحمن الرحيم الذي يغفر الذنوب جميعا لمن تاب وآمن وعمل صالحا في أي وقت وحين .
الحديث الثاني:
كانَ رسولُ اللَّهِﷺإذا دخلَ رجبٌ قال : ((اللَّهمَّ بارِكْ لنا في رجبٍ و شعبانَ و بلِغْنا رمضانَ)).
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الفتوحات الربانية
حكم الحديث: غريب وعند السيوطي في الجامع الصغير:ضعيف، وذكره الألباني في ضعيف الجامع
ونشير هنا أن الأصل في الدعاء أنه مشروع ما لم يشتمل على إثمٍ أو تعدٍ ، وظاهر الدعاء المذكور أن معناه : ألا نفقد قبل ورود رمضان حبيبا ولا يفقدنا حبيب، وهذا لا حرج فيه، وإن كان الأولى تركه ، ففي موقع الفقه الإسلامي بالرياض في لقاء مع سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ سؤال: هل عبارة: اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين ـ فيه تعدٍ بالدعاء على الله؟ فأجاب سماحته: الدعاء ببلوغ رمضان ليس فيه شيء، وكان السلف الصالح يدعون بذلك، وأما : لا فاقدين ولا مفقودين ـ فتركه أحسن.
فللمسلم أن يدعو بالدعاء المذكور، فهو من جملة الدعاء المشروع، وقد روى الإمام أحمد في المسند وغيره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ، قَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ.
قال ابن رجب : فيه دليل ندب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة لإدراك الأعمال الصالحة فيها فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا .
وفي رواية غيره: وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ. وإسناده ضعيف، كما قال الألباني والأرناؤوط..
الحديث الثالث :
حديث موضوع ونذكره بطوله :
(( لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن يكون السنة كلها رمضان فقال رجل من خزاعة: يا نبي الله حدثنا فقال: إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك فيقلن: يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا، قال: فما من عبد يصوم يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مما نعت الله {حور مقصورات في الخيام}، على كل امرأة سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى، تعطى سبعين لونا من الطيب ليس منه لون على ريح الآخر، لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف، مع كل وصيف صفحة من ذهب فيها لون طعام تجد لآخر لقمة منها لذة لا تجد لأوله، لكل امرأة منهن سبعون سريرا من ياقوتة حمراء على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من إستبرق، فوق كل فراش سبعون أريكة ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشح بالدر عليه سواران من ذهب، هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات))
فهذا حديث: موضوع، قال عنه البخاري: منكر الحديث.
وقال ابن الجوزي بعد ذكر هذا الحديث: “هذا حديث موضوع
وقال الألبانيُّ في تعليقه على ابن خزيمة: إسناده ضعيف، بل موضوع.
الحديث الرابع :
((نوم الصائم عبادة، وصَمْتُه تسبيح، وعمَلُه مضاعف، ودعاؤه مستجاب، وذنبه مغفور))؛
ضَعَّف إسناده البيهقي ، وضعفه العراقي في “تخريج إحياء علوم الدين” (1/310) . وضعفه المناوي في “فيض القدير” (9293) ، وذكره الألباني في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (4696) وقال : ضعيف .
الحديث الخامس :
( خمس يفطِّرن الصائم وينقضن الوضوء : الكذب ، والنميمة ، والغيبة ، والنظر بشهوة ، واليمين الكاذبة )
وهو حديث موضوع ذكره ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات) ، والشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة
الحديث السادس :
(( يومُ صومِكم يومُ نحركم ))
وهو حديث لا أصل له ، كما قال الإمام أحمد وغيره.
فإن هذا اللفظ لا أصل له، ذكر ذلك الهروي في كتابه (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) وعزاه للإمام أحمد. انظر: الجزء الأول من الكتاب المذكور صفحة: 219
وذكر أيضاً محمد بن أبي بكر الزرعي في كتابه (نقد المنقول) أنه من الأحاديث الباطلة. انظر: الجزء الأول صفحة: 114.
وذكر ذلك أيضاً العجلوني في كتابه (كشف الخفاء) الجزء الأول صفحة: 161، وعزاه لابن الصلاح عن الإمام أحمد.
وورد في مجموع فتاوى ابن باز الجزء أو الصفحة:26/374 حكم المحدث:لا أعلم له أصلا شرعيا، ولا أعلم أنه ورد في ذلك حديث يعتمد عليه
الحديث السابع:
(( صُومُوا تَصِحُّوا ))
المصدر : كتاب ضعيف الجامع الصغير للألباني ،والموضوعات للصغاني :
الحكم على الحديث :حديث ضعيف ،وإن كان معناه صحيحاً ،
ونود الإشارة بأنه لا بأس بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بشروط أهمها :
الأول: أن يكون ذلك في فضائل الأعمال.
الثاني: أن يكون العمل مندرجاً تحت أصل معمول به.
الثالث: أن لا يكون الحديث شديد الضعف.
الرابع: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد صاحبه الاحتياط
إن مسئولية النشر أمانة سواء كان النشر في الكتب أو وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وينبغي على الناشر المسلم التحري في صحة الحديث النبوي قبل النشر. وما ذكرناه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، لا ينبغي للمسلم بعد معرفة ضعفَها وعدم صحَّتِها أن ينشرها أو ينسبَها للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لأنَّ نشرها يعتبر كذب على رسول الله ويتعرض للعقوبة الوارة في الحديث النبوي
بارك الله في حضرتك يا دكتور محمد وجعله في ميزان حسناتك ان شاء الله