بقلم / الفنان أمير وهيب
كفاءة تطمئن وجهل يفزع
كثيرًا ما يشعر الإنسان بخلل ما في وظائف جسده، فيلجأ إلى الطبيب طالبًا الطمأنينة والعلاج. وقد يكون محظوظًا فيقابل طبيبًا كفءًا، يعرف كيف يستخدم أدواته التشخيصية الحديثة، ويمنحه بأسلوبه المطمئن تشخيصًا دقيقًا يتجاوز حدود الصحة إلى راحة النفس.
وقد لا يحالفه الحظ، فيقع في يد طبيب جاهل، يخطئ التشخيص، وتتحول كلماته من محاولة للطمأنة إلى جرس إنذار مزعج ومحبِط، يُفاقم القلق أكثر مما يُعالجه.
وهنا تتجلى المشكلة الحقيقية: متى تكون الجهة المفترض أن تكون مرجعًا موثوقًا مصدرًا لتفاقم الأزمة؟
المشكلة تتكرر
ما يحدث في عالم الطب، يتكرر في مجالات أخرى. في السياسة مثلًا، هناك “رجل السياسة” الذي يعتمد على المراوغة، لأنه لا يعرف النتائج، فيتحدث بحذر ومواربة.
وفي المقابل، “رجل الثقافة” يعتمد على المواجهة، لأنه يعرف النتائج مسبقًا، ويملك أدوات التفكير والنقد.
الفرق بين المراوغة والمواجهة، هو نفسه الفرق بين السياسي والمثقف.
منذ 1952.. ومصر تبحث عن الفريق الواحد
منذ ثورة يوليو 1952، ومصر تُعاني من غياب “فريق العمل الواحد”. تسود الفردية على حساب العمل الجماعي، وتنتشر النزاعات والتحزبات.
والنتيجة؟
فشل في التعليم، ضعف في الثقافة، تراجع في الإعلام.
ليست المشكلة سياسية بحتة، ولا ثقافية محضة، بل هي مشكلة في تشخيص طبيعة الأزمة ذاتها، مما يجعل تحديد العلاج أكثر تعقيدًا.
الثقافة.. “أداة وأداء”
عندما نتحدث عن الثقافة، لا يجب أن نقف عند تعريفها الأكاديمي أو دورها التنويري فحسب.
الثقافة ببساطة يمكن اختزالها في عبارتين: “أداة” و”أداء”.
فهي أداة للتفكير والتحليل، وأداء للتطبيق والتنفيذ.
لكن الأزمة أن هذه الأداة تُستخدم أحيانًا من قِبل غير المتخصصين، فيفسدون بها أكثر مما يُصلحون.
“خشبة”.. وهم ثالث لا دور له

في فيلم “الزوج العازب”، لعب الفنان عبد المنعم مدبولي دور “خشبة”، الشخصية التي تتوسط بين طرفين دون أن يكون لها أي تأثير حقيقي.
وهذا هو حال كثير من الجهات والمؤسسات اليوم: أطراف ثالثة في قضايا كبيرة، دون فاعلية أو تأثير. مجرد “وجود وهمي”.
وما أكثر “خشبة” في واقعنا!
منهم من يتحدث عن الاقتصاد وكأننا قوة عالمية، في حين أن الجنيه يترنح أمام الدولار.
ومنهم من يتحدث عن إعمار غزة والعدوان لا يزال مستمرًا!
رأي دون تخصص = عبث إعلامي
لا يصح أن يُفتي أحد في غير تخصصه، حتى لو كان عبقريًا في مجاله. فالكفاءة لا تُورث من مجال لآخر.
ورغم ذلك، نجد بعض القنوات الإعلامية تستضيف “خبراء” يتحدثون في الاقتصاد، والسياسة، والإعمار، بلا أي خلفية حقيقية، وأحيانًا بكلام مضحك ومتناقض!
من الفكرة إلى الفعل.. هذا هو الأداء
إذا كنت ترى أن رأيك صائب، أثبِته بالفعل. طبق ما تؤمن به من خلال “أداتك” المتاحة، و”أدائك” العملي.
أما أن نظل في دائرة الكلام المُرسل، والنقد المجاني، والتنظير دون تنفيذ، فهذا لم يعد يُحتمل.
أمير وهيب
فنان تشكيلي وكاتب ومفكر