السودان

أزمات مالية تضرب جنوب السودان وتراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة

كتبت – د. هيام الإبس

يواجه اقتصاد جنوب السودان مرحلة حرجة تتشابك فيها الأزمات المالية والإدارية مع تراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، في ظل استمرار الحكومة في إدارة شؤونها دون ميزانية رسمية مقرة من البرلمان، ما أثار تساؤلات واسعة حول مشروعية الإنفاق العام وشفافية الإدارة المالية للدولة.

إدارة مالية خارج الإطار القانوني

وصف الخبير الاقتصادي بابويا جيمس إدموند، الباحث في معهد السياسات الاجتماعية والبحوث، هذا الوضع بأنه “غير قابل للاستمرار”، مؤكداً أن إدارة الدولة دون ميزانية مصدق عليها تتناقض مع القوانين المالية وتقوض مبدأ الشفافية والمساءلة الذي يفترض أن يحكم الإنفاق العام.

وجاءت تصريحاته عقب اجتماع عقده الرئيس سلفا كير ميارديت مع نائبه بنجامين بول ميل وعدد من كبار المسؤولين، ناقشوا فيه التحديات الاقتصادية الراهنة، والتنسيق بين وزارة المالية وبنك جنوب السودان المركزي بشأن السياسات النقدية والمالية.

وفى الوقت نفسه، أعلنت وزارة المالية عن صرف رواتب موظفي الخدمة المدنية وأفراد القوات النظامية عبر التحويلات البنكية، مؤكدة أن الإجراءات التنفيذية جاهزة، غير أن خبراء الاقتصاد حذروا من أن الإنفاق دون ميزانية معتمدة يفتح الباب أمام التجاوزات وضعف الرقابة المالية.

وقال بابويا في تصريحاته:“لا يمكن تسيير دولة دون ميزانية تحدد أولويات الإنفاق العام. فالميزانية ليست مجرد إجراء إداري، بل أداة لضبط الأداء الحكومي وضمان المساءلة.”

أزمة السيولة تضعف الثقة بالقطاع المصرفي

تتفاقم أزمة نقص السيولة النقدية في المصارف التجارية بجنوب السودان، ما جعل قرار الحكومة بصرف المرتبات عبر الإيداع البنكي موضع انتقاد واسع، إذ يرى المراقبون أن التحويلات البنكية في ظل غياب النقد الفعلي مجرد خطوة شكلية لإظهار الانضباط المالي دون معالجة جوهر الأزمة.

وأشار موظفون ومحللون إلى أن معظم البنوك في جوبا والولايات عاجزة عن تمكين عملائها من سحب أموالهم، مما جعل الإيداعات البنكية “حبراً على ورق”.

وفى تعليق ساخر لاقى انتشاراً واسعاً، كتب الأكاديمي الدكتور جوك مدوت جوك عبر صفحته على “فيسبوك”:“عجباً، عندما تدفع الحكومة الرواتب عبر الإيداع المباشر بينما البنوك تفتقر إلى السيولة، أليست هذه نفس حيلة الرجل الدينكاوي الذي كان مديناً ببقرة، وكلما جاء صاحب الدين يطالبه بها، يغطي نفسه ببطانية ويطلب من أطفاله أن يقولوا للدائن إنه غير موجود؟”

واعتبر جوك أن الحكومة تتظاهر بالوفاء بالتزاماتها المالية في حين أن الواقع يشير إلى عجز حقيقي عن السداد النقدي.

فجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الاقتصادي

يرى محللون أن الأزمة ليست تقنية تتعلق بالإيداع الإلكتروني، بل هيكلية ناجمة عن تضخم الإنفاق الحكومي وتراكم الديون وضعف الإنتاج الوطني، مما أدى إلى انكماش السيولة في النظام المصرفي.

ويطالب موظفو الدولة بالعودة إلى نظام الصرف النقدي المباشر كحل مؤقت، بينما تصر الحكومة على أن التحول للنظام البنكي خطوة إصلاحية تهدف إلى الحد من الفساد في الرواتب وضبط الإنفاق العام.

الطريق إلى الإصلاح واستعادة الثقة

فى السياق، يحذر مراقبون من أن استمرار إدارة الدولة بلا ميزانية معتمدة، مع تفشي أزمة السيولة، يضع اقتصاد جنوب السودان عند مفترق طرق خطير:

فإما الاتجاه نحو إصلاح مالي مؤسسي حقيقي يقوم على الشفافية والتشريعات الصارمة،

أو مواجهة مزيد من الانهيار في الثقة العامة بالنظام المالي والمصرفي.

وفى وقت تتحدث فيه الحكومة عن رقمنة المعاملات وتعزيز الانضباط المالي، يعيش المواطنون واقعاً اقتصادياً قاسياً يتسم بارتفاع الأسعار، وشح السيولة، وتراجع القدرة الشرائية، ما يكشف الفجوة المتزايدة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي اليومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى