أزمة المسلمين الحقيقة في البعد عن الجوهر والاكتفاء بالمظاهر والقشور
بقلم : علاء الصفطاوي
وقف أمام مدرسة أبنائه لينزلوا إليها، فاتجهتُ نحو اليسار قليلًا ثم أخذتُ طريقي، لكن – من الواضح – أنّ تصرفي هذا ضايقه فأطلق صوت ” البوري ” معلنًا عن غضبه !
لم ألتفت وسرت في طريقي، لكنه لحق بي عند الإشارة وواتته الفرصة ليعلن عن عنصريته البغيضة، وجهله المركَّب، وعندما فتحت الإشارة جاء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ليضيق عليّ، وكادت مقدمة سيارته أن تصطدم بمقدمة سيارتي، لولا أنّي تمهلتُ
قليلًا وأعطيته الفرصة ليتخطاني، لكنه تعمّد أن يسير أمامي ببطء شديد، فتصبّرت حتى انتهى الموقف، لكنّ الذي أثار شجوني وأحزاني، وجعل الغضب يبلغ بي مبلغه أنني فؤجئت أنه صاحبُ لحية طويلة تكاد تصل إلى سُرته، ويضع مسواكًا في فمه يحركه بين أسنانه، وبالتأكيد لو نزل من السيارة فإنّي سأرى ثوبه قد وصل إلى ركبتيه، عندها تذكرتُ القول المأثور: الدينُ المعاملة .. وأيقنت أنّ الدين ما ضاع بين الناس ولا اهتزت صورته إلا بأمثال هؤلاء، الذين يهتمون بالقشور ولا يعبؤون بالأصول والجذور، فيجعلون جُلّ همهم ثوبًا قصيرًا ولحيةً طويلة ومسواكًا طويلًا يسنون به أسنانهم .. ويحركونه بين أنيابهم، ونسي هؤلاء – أصحاب التدين المنقوص( كما أطلق عليهم فهمي هويدي ) أو التدين المغشوش أن الإسلام أفعالٌ تعبر عن سمو صاحبها، وسلوك يقدم صورة رائعة عن الإسلام العظيم .
إنّ أزمة المسلمين الحقيقة تتمثل في البعد عن التطبيق العملي لقيم وتعاليم الإسلام، والاكتفاء بمظاهر وقشور لا تغني عن صاحبها شيئاً، إذا لم يتوافق مظهره مع مخبره وجوهره، وعمله مع قوله، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قرآنًا يُتلى بل كان قرآنًا يتحرك بين الناس، سلوكًا وعملاً، هكذا وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وقد أثار هذا الموقف – رغم بساطته – أحزاناٌ تعمقت في قلبي على مدار سنوات طوال، رأيت فيها أشباه هذا الرجل وهم يُثيرون قضايا ثابتة لم تتغير في أوقات معينة من كل عام، مثل زكاة الفطر ووجوب إخراجها حبوبًا، ومن يخرجها نقدًا فإنها لا تُقبل منه، ولم يعي هؤلاء تغير الزمان وتبدل الأحوال، ولم لهذا من تأثير على تغير الفتوى، وكيف أنّ الإمام الشافعي قد أفتى في العراق بخلاف ما أفتى به في مصر، لكن ضيق الأفق والسير الأعمى خلف شيوخ يتقنون الجمود والتقليد .. ويعادون الفكر والتجديد، بل ويمتلكون الجرأة الشديدة على التكفير، جلّ همهم اتهام الكبار في عقيدتهم والنيل من قدرهم والحط من شأنهم، يدخل أحدهم على الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – وبدل أن يسأله : كيف السبيل لعودة المسلمين لدينهم .. وعودة مجد أجدادهم، يسأله عن رأيه في ” الفوقية ” بالنسبة إلى الله تعالى؟!!
أناسٌ يعشقون إحياء الخصومات القديمة، مثل الخلاف بين مذهبي ابن تيمية وأبي الحسن الأشعري في العقيدة، مع أن عظماء الإسلام كانوا يرجون الله أن يُميتهم على إيمان العجائز، ذلكم الإيمان الذي لا يعرف تلك التقسيمات التي فرقت الأمة وجعلتها شيعًا وأحزابًا !!
إن منهج القرآن في إنشاء العقائد وإنضاجها – كما يقول الشيخ الغزالي – خفيف رقيق، أخف من الهواء .. وأرق من الماء .
والتبعة – للأسف – ليست على هؤلاء الرعاع الذين يُبَغِّضون الناس في دين الله، وإنما تقع التبعة على علماء تشددوا فيما لا يجوز فيه التشديد، وتساهلوا فيما لا يجوز التساهل فيه، وأقحموا أتباعهم وأذنابهم في معارك لا تُجدي فتيلًا .. ولا تُغني نقيرًا، بل تزيد طين الأمة بلة .. وتزيد أمراضها علّة !!!
كان يأتي إلى مسجد الجمعية الشرعية، التي كنت أتردد عليها بين الحين والآخر للصلاة فيه، أستاذ في جامعة الأزهر ليلقي درسًا دينيًا على رواد المسجد، وما إن ينتهي الشيخ من درسه حتى تنهال عليه الأسئلة التي تتكرر كلما حل بهذا المسجد، الفجر الصادق والفجر الكاذب، ورؤية هلال رمضان، وحكم اللحية في الإسلام، وغير ذلك من القضايا، ولم تتوقف هذه القضايا الخلافية حتى اليوم، لأن هناك من يزيدون نارها اشتعالاً كلما خبت ، ولذا كنت أتساءل بيني وبين نفسي: متى ينتهي هذا الجدل العقيم .. ومتى تتخلص الأمة من أصحاب هذا الفهم السقيم ؟!.
إنّ دعاةً يتساءلون عن الصلاة مع دم البعوض في قمصانهم، ولا يتساءلون عن أمة رخُص دمها، حتى أصبح سفكه لا يثير جزعًا ولا فزعًا، هم حمقى ودين الله أشرف من أن يتحدث باسمه هؤلاء الحمقى .