يوم الأحد الماضي 23 ابريل 2017 كان موعدي مع 4 وقائع هامة تتعلق بمسألة أزمة العجز المائي التي نعيشها وكيفية مواجتهها. وبترتيب رباني حدثت جميعها في يوم واحد ، مما يؤكد أن الأزمة خطيرة وتمس الأمن القومي المصري في الحاضر والمستقبل ، وبالتالي تشغل بال غالبية المخلصين من أبناء مصر إلا القطاعات الحكومية المختصة سواء كانت وزارات أو هيئات أو مؤسسات أو شركات.
بعد ظهر هذا اليوم زارني بمكتبي بالجريدة المهندس إبراهيم الفيومي خبير التنمية الافريقية والدولية ورئيس مشروع ربط نهر الكونغو بالنيل، وعندما واجهته بالاعتراضات على المشروع سواء من جانب وزارة الري أو بعض خبراء المياه ، جاءت إجاباته دقيقة ومقنعة لأنها موثقة ومرفقة بالصور والمستندات ودراسات ساهم في إعدادها جهات مصرية معتبرة مثل هيئة المساحة الجيولوجية المصرية وكلية الهندسة جامعة القاهرة. بل إنه أبدى استعداده للقاء وجها لوجه مع كل المعترضين على المشروع للمناقشة الموضوعية والعلمية للوصول لاتفاق لأن الموضوع لا يتعلق بمسألة شخصية أو مكاسب ذاتية بل إنها تمس المصلحة العليا للوطن وأمن مصر القومي .
وأبدى الفيومي مصداقية بدراسة مشروع الربط على أرض الواقع من خلال تواجده على أرضي الكونغو وتفقده لمجرى النهر وفروعه برفقة المختصين من فريق عمله وبموافقة رسمية من الحكومية الكنغولية . وظهرت حنكته في عدم عرضه لمشروع نقل المياة الا بعد أن أوجد شراكة حقيقية على أرض الواقع بتوقيع عقود تنفيذ مشروعات تنمية حيوية في قطاعات الطرق وخاصة مد خط سكة حديد بطول حوالى 1500 كيلو متر يتخطى كل أفرع النهر ، وقطاع التعدين والقطاع الزراعي. والاكثر من ذلك أنه خلق قبولا مجتمعيا للتواجد المصري بالكونغو بحسن معاملة المسئولين هناك وبحرصه وفريق العمل على التواصل مع الاب الروحي لدولة الكونغو وزعماء القبائل ورموزها.
ويعزز رؤيته بامكانية تنفيذ مشروع الربط خبراته المتراكمة بتواجد أعماله في 7 دول افريقية وهي الكونغو وتشاد وافريقيا الوسطي وغانا والنيجر والسودان والمغرب. وترتبط بقطاعات مهمة مثل الطاقة والطرق وتطوير المطارات وشبكات الري والتعدين والاتصالات .
ومن منطلق حبه لمصر ونظرا لان مشروع الربط يمس أمنها القومي حرص الفيومي على أن يكون إعداد المشروع وكل دراساته وتنفيذه بعقول وأيدى مصرية. فتمم توقيع عقد مع الهيئة العربية للتصنيع لعمل كل الميكنة الخاصة بالمشروع ، وعقد مصر للطيران كارجو لتخصيص رحلة خاصة بالمشروع ،وبرتوكول مع كلية هندسة جامعة القاهرة للاستعانة بكل الكفاءات والتخصصات المطلوبة للمشروع من الكلية وايضا استضافة بعض الطلاب الافارقة كمنحة من الكلية ، وبرتوكول مع غرفة الصناعات الهندسية لضم كل الشركات التي تريد العمل في افريقيا.
وكان اللقاء بمثابة رسالة متفائلة لإمكانية حل أزمة المياه ، وعزز من تفاؤلنا الزيارة التي قمت بها مساء ذلك اليوم لمنزل دكتور مهندس أحمد عبد الخالق الشناوى الخبير الدولي فى الموارد المائية وتصميمات السدود بالأمم التحدة سابقا ، ونجل وزير الري الأسبق المهندس عبدالخالق الشناوي خلال الفترة ( 1965-1968). وقد بادرنا بالقول : شاركت في وضع مشروع ربط نهر الكونغو بالنيل يمكنه أن يمد مصر بـ 6 أمثال إيراد نهر النيل ،وبذلك يفوت على إثيوبيا ومن خلفها إسرائيل هدفها الرئيسي من إجبار مصر على قبول بشروطهم المذلة وفي مقدمتها مد إسرائيل بمياه النيل.
وظهرت حكمة الدكتور الشناوي بتأكيده على الربط بين مصر ودول حوض النيل بمشاريع تنمية اقتصادية حيوية وقال أنه يعكف حاليا على دراشة 10 مشروعات شراكة تستعيد من خلالها مصر دورها القيادي والريادي في إفريقيا وتضمن احتياجاتها من المياه في الحاضر والمستقبل.
وجاءتني رسالة الاطمئنان الثالثة مساء نفس اليوم عبر البريد الالكتروني من الصديق الدكتور عبد العزيز حامد الخبير الدولى في مكافحة التلوث والذي عمل مستشارا في معهد بحوث ودراسات حماية الشواطيء التابع لوزارة الموارد المائية لأكثر من 20 عاما وأكد فيها ان مصر تتوافر لديها الخبرات والكوادر العلمية المتخصصة في المياه علماء وباحثين ويمكنهم أن يبتكروا حلولا علمية وعملية لمعالجة أزمة المياه، ولكن للاسف مستبعدون ويتم الاستعانة بأهل الثقة فقط .
أما الرسالة المقلقة فتمثلت في رد مكتوب تلقيته في نفس يوم الاحد من وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبد العاطي ، وتوقعت أنه رد على مقالتي المنشورة في اليوم السابق بعنوان ( سد النهضة .. البدائل والتفاوض ) وتوضيح لموقف المفاوض المصري مع الجانب الإثيوبي حول سد النهضة الذي عجز عن الدفاع عن الحقوق المصريةوبدت صورته المهتزئة فكان بمثابة أسوأ مدافع عن أعدل قضية، وتصورت أنه سيكون أسرع رد من وزير على مقالة صحفية .ولكن بمجرد فتح الخطاب أصبت بقلق مصحوب بخيبة الأمل للاداء الروتيني لأقدم وأهم وزارة في مصر. فوجئت بأن معالي الوزير يرد فقط على مقالي المنشور بتاريخ 1 ابريل 2017 بعنوان ( التصالح مع النيل هو الحل ) اي قبل 22 يوما من وصول الرد ، وتجاهل مقالا سبقه باسبوع بعنوان (مؤشرات واقعية للعجز المائي) و3 مقالات تالية . وركز الوزيرعلى تبرير عجز الوزارة عن حماية النيل من التلوث والاعتداءات بسبب طول مجراه وفروعة من رياحات وترع التي تبلغ 50 الف كيلو متر.