أشياء أخرى
قصة قصيرة بقلم / أيمن سلامه
“ليلى” سكرتيرة في احدى الشركات الخاصة في منتصف العقد الرابع من عمرها، وقد توفى عنها زوجها إثر حاث سيارة، وترك لها طفلتان تسعى بكل ما أوتيت من جهد لتربيتهما، انتقلت مع طفلتيها الى العيش في منزل أبيها، بعد وفاة امها ، لترعى والدها المسن بجانب رعاية اطفالها.
تمضى أيامها موزعة بين تربية اطفالها ورعاية والدها والعمل فى الشركة، وتأخذها مجريات الاحداث المعتادة يوميا حتى تلقى بها جثة متعبة منهكه على سريرها بغرفتها بجوار اطفالها الصغار، فتترك نفسها لمخيلتها المتعبة وهى تمضى بعيدا لترسم لها صورة فارس الاحلام الذى تتمناه .
لقد كان زواجها تقليديا كما يقولون وبرغم ما بذله زوجها حتى وفاته من جهد لإسعادها إلا انها لم تُكنْ له أي مشاعر، بل كان الأمر روتينيا بالنسبة لها، فلم يكن زوجها يمثل صورة الفارس المنتظر بالنسبة لها.
ذات صباح وبينما كانت منهمكة في مهام عملها بالشركة دخل أحدهم ويُدعى “شريف ” وعرف نفسه بالمحاضر الجديد ، مندوب شركة الكمبيوتر الذى سيدرب موظفين الشركة على تطوير أدائهم من خلال أحد برامج الكمبيوتر الحديثة للإدارة، وطلب مقابلة المدير لتقديم نفسه اليه ، منذ لحظة دخوله الشركة لم ترفع عينيها عنه, وحاولت جاهدة أن تتغاضى عن وجوده أمامها على كراسي الانتظار، ولا تدرى ما الذى دفعها لهذا التصرف، وبعد فترة طلب منها المدير أن تُدخل المحاضر الى مكتبه، فتماسكت لترشده الى مكتب المدير، وانتظرت لبعض الوقت لحظة خروجه من مكتب المدير لتراه، وتحادثه بضع كلمات، ولكنه انصرف مسرعاً وقد القى التحية بكلمات مقتضبة وانصرف دون انتظار ردها.
لا تدرى ماذا حدث بعقلها ودفعها الى التفكير فيه، وانتظرت حتى حانت ساعة أولى المحاضرات التي سيجتمع فيها بالموظفين ليشرح لهم طريقة العمل بالبرنامج الجديد للإدارة، واختارت أن تجلس بعيدة عن مرمى عينيه، إلا أنها لاحظت أنه يبادلها النظرات خلسة، فكانت تحاول جاهدة إخفاء مظاهر السعادة على وجهها، انتهت المحاضرة، وانتهت معها ساعات العمل، وغادرت مسرعة مقر الشركة حتى لا يلحظ أحد مظاهر الفرحة على وجهها.
بمجرد عودتها الى منزلها، انفردت بنفسها فترة بغرفتها، تحاول أن تَلُم شمل بهجتها وتخفيها بداخلها، ليظهر وجهها المعتاد المتعب الذى تعوده منها الجميع ، وانخرطت بعد ذلك فى مهامها المختلفة حتى انتهت، وحانت لحظات الراحة والفرصة التي تنتظرها لتطلق العنان لمخيلتها، لتذهب بأحلامها بعيدا في فضاء واسع من المشاعر الرقيقة، وظلت على حالتها تلك وهى تتساءل كثيرا بينها وبين نفسها هل سيبتسم لها القدر ، وتلتقى أخيرا بفارس أحلامها، لكنه يبدو أصغر سناً منى ، لا يُهم، وماذا في ذلك ؟، المهم أننا سنكون سعداء ومتفاهمان للغاية ، وسوف أساعده بكل ما أستطيع ، لا أظن أن والدى سيمانع في انتقاله للعيش معنا هنا ، فلطالما أراد لي والدى السعادة، وسيفرح لزواجي مرة اخرى ، وهكذا ظلت تحدث نفسها، وتحاول إيجاد الحلول لكل ما هو متوقع من مشاكل قد تجابهها .
استيقظت “ليلى” وهى سعيدة بتلك الاحلام الجميلة التي عاشتها طوال ليلتها، كانت تشعر بنشاط غير عادى يدفعها لسرعة الانتهاء من مهامها الصباحية المعتادة ، لتسرع الى عملها بالشركة لتكون في انتظاره، تعثرت قدماها وهى تنتقل بخفة وسرعة لتُعد طعام الافطار لوالدها واطفالها، “إنت كويسه ” كانت تلك هي العبارة التي سمعتها “ليلى، لم تلفت انتباهها تلك الكلمات, فقد كان الصوت هو صوت والدها المعتاد وقد امتزج بالقلق والاشفاق والخوف عليها.
وصلت مقر عملها مبكرة، انتظرت قدومه، وحين قدم والقى عليها التحية، كانت الفرحة تتراقص بين عينيها، ولم تحاول هذه المرة أن تخفى تلك الفرحة، وبعد لحظات من الانتظار طلب المدير لقاء المحاضر “شريف” في مكتبه، وبعد قليل من بدء اجتماعهما اتصل بها المدير طالباً أن تأتى له ببعض المشروبات لتحية الضيف، فتناولتها من ثلاجة بوفيه الشركة، ثم ذهبت مسرعة بها الى مكتب المدير، وما إن فتحت باب المكتب حتى التقت عيناهما، فلم تتماسك قدماها وتعثرت، فأسرع “شريف” اليها ليسندها في عثرتها قائلا “إنت كويسه” ، يا الهى، لقد سمعت تلك الكلمات بصوت أبى صباح اليوم، ولكن هذه المرة الصوت يمتزج بأشياء اخرى.