أصابع مرتعشة
قصة قصيرة بقلم / المهندس أيمن سلامة
ذات صباح وبينما كان “مدحت” منهمكا فى عمله، استقبل مكالمة تليفونية من أخيه العائد من السفر منذ عدة اسابيع، وفى نهاية المكالمة دعا “مدحت” أخاه لتناول طعام العشاء، وبعدها اتصل “مدحت” بزوجته لتستعد لهذه الزيارة، وعند عودته عصر ذلك اليوم لشقته فوجئ بنشاط زوجته غير العادى، واستعدادها التام لهذه الزيارة، وفسر الامر بداخله على أنه اهتمام عادى خاصة وأنهم لا يستقبلون الزوار كثيرا.
بالفعل حضر الضيف فى موعده وبعد ان تناولوا الطعام، جلس واخاه فى الشرفة يتجاذبان اطراف الحديث، ولاحظ شريف اهتمام زوجته الزائد بالضيف وانصاتها باهتمام واعجاب لأى كلمة تصدر منه، ومحاولتها الجلوس معهما ومشاركتهما الحديث، ولما طلب منها “مدحت” ان تتركهما لبعض الوقت، ذهبت وهى تتمسح باصابع مرتعشة فى جدار الشرفة كمحاولة يائسة للتشبث به، وبعد قليل عادت ثانية وهى تحمل اكواب الشاى، وتتعمد افتعال الضحكات مع الضيف، غير عابئة بوجود زوحها، حتى لاحظ اخوه تغير وجهه، فارتبك وأسرع بتناول الشاى والانصراف.
لم يُعرْ “مدحت” الامر اهتماما، وان كان قد ترك فى نفسه اثرا مؤلما، وظلت الهواجس تنتابه، فلاشئ واضح أو ملموس لديه، لكن الشواهد التى لمسها تؤلمه، تناسى “مدحت” الامر لبعض الوقت، حتى كان ذات مساء مع زوجته يقطع الشوارع بسيارته، متجها لأحد المولات لشراء بعض احتياجاتهم، وصادف ان شاهد سيارة اخيه بجانبه فى الطريق، فتبادلا التحية وسار بجانبه لبعض الوقت، وأدهشه رؤية السعادة والفرحة على وجه زوجته، وقد امتدت اصابعها المرتعشة الى أكرة باب السيارة تتلمسها بإرتباك لعلها تستجيب لها.
لم ينم “مدحت” ليليته هانئا، خاصة بعد ما تصارح مع زوجته عما يجول بداخله، وكعادتها انكرت ما كان منها، وتشاجرت معه، وانتهى الأمر كسابقه، بعد أن تعالت أصواتهما.
فى الصباح ومع ارتفاع اصوات الباعة الجائلين والسيارات التى تملأ الشارع، خرج “مدحت” من مسكنه متجها الى عمله، ولكنه تذكر فجاءة مكالمته لأمه بالأمس، وقد لاحظ تغير صوتها فشعر ببعض القلق، وغير طريقه المعتاد الى عمله، واتجه بسيارته لزيارة أُمه، وفى الطريق ابتاع لها بعض الاغراض التى تحتاجها دائما، وما ان رأته أمه حتى غمرته بأحضانها وقبلاتها بفرحة عارمة، وأسرعت لِـتُعد له طعام الافطار معها، لكنه أجلسها، وأسرع الى المطبخ بدلا منها.
كان يقطع الوقت بالحديث معها فى كل الأمور، حتى سألته عن أحواله مع زوجته، فتردد لحظات، ثم تمالك نفسه وأسرع يجيبها بكلمات متسارعة مضطربة، لكن أمه شعرت أن صوته قد تغير، وأن بداخله أشياء دفينة حزينة، فتظاهرت بتصديق كلماته، ولم تشأ ان تصدمه بإحساسها، و لم تحاول ان تضغط عليه ليُخرج ما بداخله، حاولت عيونهما ألا تتلاقى، حتى لا تصطدما فيظهر الألم الدفين بهما .
انتهت الزيارة بسرعة، وهمَّ مدحت بالمغادرة، لكن أمه استوقفته قائلة “يابنى لا أريد أن اضغط عليك للتحدث عما يؤلمك، لكن يابنى لا تُحمل نفسك فوق طاقتها، وابحث عن سعادتك مع من يـُقدْر وجودك فى حياته، فالحياة هبة الله لنا لمرة واحدة فقط”.